«كيميا».. فى البحث عن ابنة مولانا! - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 6:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

«كيميا».. فى البحث عن ابنة مولانا!

نشر فى : الجمعة 15 فبراير 2019 - 10:55 م | آخر تحديث : الجمعة 15 فبراير 2019 - 10:55 م

منذُ أن نشرت إليف شافاق روايتها «قواعد العشق الأربعون»، عن الصوفى الأشهر جلال الدين الرومى، والنجاح المذهل الذى حققته ما جعلها تتربع على عرش الأكثر مبيعا لسنوات (وربما ما زالت حتى الآن!)، وانطلق بعدها طوفان جارف من الأعمال التى تحاول أن تقلد التجربة، وتستدعى الشخصية الصوفية بوعى أو بدون (وهو الغالب الكاسح). قلة محدودة وسط هذا الطوفان الجارف استطاعت أن تنأى بنفسها وتأوى إلى جبل مكين وراسخ من الفكر النقدى والرؤية الجمالية والقدرة الحقيقية على كتابة رواية تعالج بعض ما اتصل بهذه الشخصية الصوفية الإشكالية. هذا ما فعله بامتياز واقتدار الكاتب والروائى وليد علاء الدين فى روايته الصادرة أخيرا عن دار الشروق «كيميا».
فى جلسة واحدة ممتدة؛ يمكنك أن تنهى بشغف وافر واستمتاع حقيقى هذه الرواية التى لا أتحفظ فى وصفها بـ«الرائعة»، كُتبت بيد خبيرة مدربة، وصنعت مزيجا مدهشا بين الحلم والخيال والواقع، وبين التجربة الصحفية فى اكتشاف خلفيات الاحتفال بالرومى، وسر الشهرة التى نالها، والتجربة الروحية الصوفية الشفيفة فى البحث عن «كيميا» أو كما تُعرف فى سيرة الرومى بـ«ابنة مولانا»..
تنطلق شرارة السرد فى الرواية، من اللحظة الراهنة التى تبدأ فيها الأحداث؛ وانتقالا إلى زمن قديم «زمن الرومى» وعصره ومصره وأهله، وبينهما زمن خاص، زمن الحلم والخيال وانعدام الزمن! وتتفرع خيوط السرد إلى ثلاثة مسارات للحكى تتنقل بسلاسة وانسيابية بين هذه الأزمنة رواحا ومجيئا. تحضر شخصية الكاتب كشخصية روائية فى «كيميا»، فقد آثر البدء بمد خيط لعبة التخييل والإيهام إلى آخره، ومخاطبة جمهور القراء باعتباره «شخصية روائية»، وليس «كاتبا» للنص (مثلما فعل طلال فيصل أيضا فى روايتيه «سرور»، و«بليغ»).
كل من سيقرأ الرواية سيجد أنها مجموعة أوراق كتبها شخص معين، سيعثر عليها فيما بعد شخص آخر اسمه «وليد علاء الدين»، ستقع بين يديه، ليقرأها ويقرر نشرها على الناس، ثم تنطلق الأحداث بإيقاع يتحكم فيه المؤلف باقتدار وجدارة واحتراف. تتقاطع مصائر الشخصيات بصورة عجيبة، يندمج الشرق والغرب فى لوحة تصويرية بديعة، وكأننا بإزاء «واقعية سحرية» عربية، بسيطة سلسة (دون تقليد أو تعقيد أو استنساخ فج)، عابرة للبلاد والألوان والأديان، خيال خصب ساخر وساحر، ونماذج إنسانية تدفعك لتأمل المسلمات، رواية تحتفى بالجنون المقدس، بالحب، بالخيال، وباختيار الإنسان لما يريد، تحتفى بالإنسان كإنسان، تتعاطف معه، وتجد الجائزة الكبرى فى الرحلة نفسها، وليست الجائزة فيما نحققه من ثمار وثمرات.
أما لغة الكتابة؛ فلغة مصورة، مقتصدة، ومحكمة، والسرد ممتع ومشوق، ورغم كثرة الروايات والنصوص التى تتزاحم للحديث عن جلال الرومى منذ النجاح المدوى لرواية إليف شافاق «قواعد العشق الأربعون»، فإن الكاتب يقرر أن يخوض التجربة ويعلن التحدى؛ نعم. هذا هو التحدى الأصعب بالنسبة لكاتب قرر ذلك.. فكيف تكتب عملا لافتا ومتميزا وسط أعمال عديدة ويكون مختلفا ومتفردا ولا يقلد أيا منها؟
أظن أن هذا النص قد خاض التجربة واستجاب للتحدى، ونجح تماما فى أن يقدم نصا روائيا جديرا بالقراءة، وجديرا بالمتعة والاحتفاء.. ولا يخفى براعةُ المؤلف فى قدرته على توريط قارئه فى خيوط اللعبة (التى تشبه بحر الرمال الناعمة) ويمدها على استقامتها، منذ البداية، بنعومة وبساطة وأبعد ما يكون عن الفجاجة والمباشرة والخطابة فى نثر أفكاره وتأملاته التى تشكل نسيج عمله الروائى.
هكذا ينبغى أن تكون الرواية، وأتصور أن الأمر ليس بـ«مهادنة للقارئ»، بقدر ما هو البراعة فى إثارة فضوله واستمالته كى يجلس ويقرأ الرواية باستمتاع، ويستمع إلى الحكاية حتى آخرها، ويجد نفسه متورطا فى هذه اللعبة السردية اللذيذة حتى النهاية.
هذا عمل متميز للغاية، ويستحق الاحتفاء والقراءة بصورة لائقة، ولا أخفى أبدا حماسى الشديد للأعمال التى أتصور أنها تحظى بميزتين مهمتين؛ البراعة الفنية، والسؤال الإشكالى الذى يستحق أن يطرح بذاته كتجربة سردية جمالية، وأتصور أن هذا العمل سيثير من الأصداء ما يستحقه.. أو هذا ما آمله.
كما أراهن على المساحات الكبيرة التى يمكن لنص محكم مثل هذا أن ينافس بها فى جوائز الرواية المختلفة؛ المحلية والعربية، وأظن أن فرص الظفر بإحداها قريبة.