ليست هذه مصر الكبيرة - فهمي هويدي - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 2:00 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ليست هذه مصر الكبيرة

نشر فى : الأربعاء 15 أبريل 2009 - 11:45 ص | آخر تحديث : الأربعاء 15 أبريل 2009 - 11:45 ص

 لماذا لا نخاطب مخالفينا برقى واحترام، يليق بمقام الكبار وشمائل المتحضرين؟ كان ذلك أول سؤال خطر لى بعدما شاهدت حوارا تليفزيونيا تم بثه مساء الأحد الماضى «12/4» كان موضوعه قضية خلية حزب الله التى تحدث عنها بيان النائب العام المصرى خلال الأسبوع الماضى. لست من متابعى برنامج «البيت بيتك» ولا أستطيع الحديث عن اللغة التى يستخدمها عادة، ولكن الحوار الذى سمعته كان صاعقا وغير قابل للتصديق. إذ لم أتصور أن يتدنى مستوى الخطاب إلى ذلك الحد فى برنامج يبثه التليفزيون الرسمى، الذى استضاف اثنين ينتميان إلى أهل الخبرة فى مجالىّ الدفاع والإعلام.

لم تكن هناك مناقشة فى حقيقة الأمر. إنما كان الحوار كله تنافسا فى السب والتجريح والسخرية الهابطة، التى استخدمت لغة مبتذلة لم تبق على شىء من الكرامة والاحترام لأحد رموز النضال والمقاومة الشريفة التى رفعت رأس الأمة العربية عاليا، وردت الروح (بالانتصار الذى حققته فى عام 2006) إلى جماهيرها التى كاد الإحباط يلقى بها فى هوة اليأس ومشارف الهلاك.

حتى لا يلتبس الأمر على أحد، فإننى أحدد موقفى من الموضوع على النحو التالى:
أولا: أمامنا روايتان للواقعة، واحدة تقول إن المجموعة جاءت لمساعدة الفلسطينيين وإيصال السلاح إلى غزة. وهو الخبر الذى نشرته صحيفة الدستور المصرية فى 12 فبراير الماضى وأكدته صحيفة المصرى اليوم فى 8/4 الحالى. والرواية الثانية أن المجموعة استهدفت زعزعة الأمن فى مصر والقيام بأعمال تخريبية فيها، وهو ما ذكره بيان المدعى العام الذى نشر فى 9/4 ـ ورغم أن الأقوال، التى أدلى بها المتهم الأول فى القضية اللبنانى سامى شهاب، التى نشرتها «المصرى اليوم» فى 12أبريل الحالى عززت الرواية الأولى وأكدت أن الذين أوفدوه ذكروا له أن أمن مصر خط أحمر يجب عدم المساس به، إلا أننى مازلت عند رأيى فى أننا يجب أن نكبح الانفعال ولا نستبق، وننتظر كلمة القضاء فى تحديد هدف المجموعة.

ثانيا: إننى أعتبر أن حزب الله أخطأ فى كل الأحوال حين أوفد المجموعة إلى مصر. وحتى إذا كان هدفه نبيلا وأراد أن يسهم فى مساندة المقاومة المحاصرة فى غزة، فإن الخطأ يظل قائما، لأن الهدف النبيل ينبغى أن يتحقق بوسائل مشروعة.. ولا جدال فى أن ذلك الخطأ يصبح خطيئة إذا ما ثبتت صحة الاحتمال الثانى.

ثالثا: إن الخطأ يستحق عقابا والخطيئة تستحق حسابا. لكن ذلك لا ينبغى أن يكون مسوغا لهدم تاريخ الحزب وتلويث صفحته أو لاغتيال قيادته سياسيا ومعنويا وإطلاق جوقة اللاعنين بحملة السباب والتجريح. وفى هذا السياق فليس معقولا ولا مقبولا أن نذهب فى الملاعنة، إلى حد قلب الأولويات بالكامل والتعامل مع حزب باعتباره عدوا ينبغى القضاء عليه باستخدام مختلف الأسلحة القذرة من القصف الإعلامى إلى الحملات العسكرية التى جرى التلويح بها. فيما نشر يوم الاثنين الماضى «12/4».

رابعا: إنه ليس من مصلحة مصر ولا العرب عموما أن تفتعل معركة إعلامية أو سياسية (هل أقول أو عسكريا أيضا؟) مع حزب الله. الذى لا يجادل منصف فى أنه جزء من الحركة الوطنية العربية والإسلامية، التى نحن أحوج ما نكون إلى الحفاظ عليها، وتصويب مسيرتها. ومن لديه ذرة شك فى ذلك، فليراقب حملة التهليل واسعة النطاق التى عبرت عنها وسائل الإعلام الإسرائيلية حين تفجرت المشكلة بين القاهرة وحزب الله. وليس لذلك التهليل سوى دلالة واحدة هى أن الفائز الوحيد فى هذه المعركة هو العدو الصهيونى، الذى يختزن مشاعر الثأر من السيد حسن نصر الله وحزب الله منذ هزيمة جيشهم فى عام 2006.

خامسا وأخيرا، فرغم أنه لا وجه لمقارنة، فإننى أستحيى أن أدعو إلى التعامل مع القضية بنفس الأسلوب الرصين والمسئول الذى تعاملت به مصر مع الجاسوس الإسرائيلى عزام عزام، مثلا، الذى ثبت عام 1997 أنه كان يتجسس ضد مصر وحكم عليه بالسجن 15عاما. وبعد أن قضى نصف المدة شملته الرعاية وأطلق سراحه بإفراج صحى، ثم عاد إلى بلاده معززا مكرما بعد ذلك.
لم تكن مصر الكبيرة والعفيفة هى التى تحدثت على شاشة التليفزيون مساء الأحد، لكنها كانت بلدا آخر، غريبا فى حجمه وفى لغته.

فهمي هويدي فهمى هويدى كاتب صحفى متخصص فى شؤون وقضايا العالم العربى، يكتب عمودًا يوميًا ومقالاً اسبوعياً ينشر بالتزامن فى مصر وصحف سبع دول عربية اخرى. صدر له 17 كتابا عن مصر وقضايا العالم الاسلامى. تخرج من كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1961 ويعمل بالصحافة منذ عام 1958.