ملاحظات على هامش التوتر الطائفى بعد ثورة يناير - مصطفى كامل السيد - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:26 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظات على هامش التوتر الطائفى بعد ثورة يناير

نشر فى : الإثنين 15 أبريل 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : الإثنين 15 أبريل 2013 - 8:00 ص

لم تكن الأحداث التى شهدتها مدينة الخصوص فى الأسبوع الماضى والتى راح ضحيتها حتى كتابة هذه السطور سبعة مواطنين مصريين لقوا حتفهم، وغيرهم عشرات مصابون هو الحدث الأول من هذا النوع فى تاريخ مصر المعاصر. سبقته أحداث مماثلة منذ بداية عصر الرئيس الأسبق أنور السادات، وتكررت فى عهد سلفه حسنى مبارك، ولكن وتيرة هذه الأحداث تسارعت بعد ثورة 25 يناير مما جعل التعليقات الإعلامية خصوصا فى خارج مصر تصف ماجرى بأنه حرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين على أرض مصر التى اشتهرت عبر تاريخها الطويل بالعيش المشترك بين كل من يقيم على أرضها أيا كانت ديانته مسلما أو مسيحيا أو يهوديا، ورغم التحديات التى واجهتها العلاقة بين الطرفين الرئيسيين، مثل خوض مصر الحرب ضد فرق مسيحية جاءت من أوروبا فى وقت الصليبيين، أو احتلال مصر من جانب دولة أوروبية مسيحية مثل بريطانيا لفترة تزيد على سبعة قرون. ومع ذلك صمد هذا العيش المشترك، ولكن تكرار أحداث الاعتداء على كنائس مسيحية واستهداف مواطنين مسيحيين بالقتل والإصابة وتدمير الممتلكات، بما فى ذلك التعدى على الكاتدرائية القبطية فى العباسية مقر بابا الأقباط يثير المخاوف أن هذا العيش المشترك قارب على نهايته. ولذلك فمن الضرورى التدقيق فى هذه الأحكام المتشائمة، ومعرفة أسبابها لعل فى التحليل الموضوعى هذه المرة ما يمكن أن يسهم فى علاج هذه الأسباب قبل فوات الأوان.

 

وفى البداية، لابد من التأكيد على أنه من المبالغة وصف ماجرى فى الخصوص وحول كاتدرائية الأقباط فى العباسية بأنه حرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين فى مصر، هذه الأحداث وغيرها كانت محلية النطاق، لم ينتفض المسلمون خارج الخصوص وخارج محيط الكاتدرائية فى العباسية للهجوم على المسيحيين، ولا أظن أن المسيحيين فى أرجاء مصرالواسعة فى المدن الكبرى والأقاليم، فى الوجه البحرى والصعيد قد شعروا بأن رفاقهم فى الوطن يعدون العدة للإجهاز عليهم، كما خرجت مظاهرات تضم مسلمين ومسيحيين من تيارات مدنية تنديدا بهذه الأحداث. ولذلك فأصدق ما يمكن به وصف هذه الأحداث هو أنها تشير إلى توتر فى العلاقة بين مسلمين وأقباط، ومشاعر دفينة لدى قطاعات من المواطنين، تنتظر شرارة بسيطة حتى تنفجر فى صورة صراع دام بين الطرفين، حتى ولو بقيت حدوده ضيقة، ولكنه طالما يستند إلى هذه المشاعر الدفينة التى تكمن فى نفوس كثيرين، فاحتمال تكرارها قائم ينتظر فقط مثل هذه الشرارة.

 

قراءة هذه الأحداث كما بدأت فى الخصوص تشير إلى مواطنين محبطين، ومبادرة مجهولة المصدر تستغلها عناصر من خارج الخصوص لإشعال الفتنة، وخطيب مسجد يحث على الجهاد ضد من يعتبرهم أعداء الإسلام، وأمن غائب أو متحيز ضد الأقباط،وإدارة سياسية لم تفوت فرصة إلا وأكدت بأفعالها تهميش المسيحيين رغم حديث يفتقد المصداقية عن الأخوة والمساواة على أرض الوطن.

 

●●●

 

السياق الاجتماعى للحدث مهم للغاية. الخصوص واحد من تلك المراكز المتناثرة فى الدلتا، والتى تعانى مثل مراكز كثيرة غيرها من افتقاد الخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصرف صحى، ومعها البطالة والفقر، ووفقا للتقارير الصحفية أصبحت مركزا لتجارة المخدرات والسلاح. كان أفضل وصف لها أنها كلها مدينة عشوائية. وفى هذه المدينة يكفى أن يرسم مجهول الصليب المعقوف على سور المعهد الأزهرى لكى يستنتج من لا يعرف ما هو الصليب المعقوف أن الراسم لا بد أن يكون مسيحيا، وهو مالم يثبت حتى الآن، لأن دلالة الصليب النازى الشهير فى ذلك الموضع لا تقطع بأن من وضعه هو مسيحى بالضرورة. ولكن جاء الملثمون والملتحون حسب الروايات من خارج الخصوص ليوقدوا نار الفتنة. ليس هناك ما يشير إلى هوية هؤلاء لو صحت القصة، ووصفهم بأنهم من المسجلين الخطرين يثير الاستهزاء. هم ليسوا بالضرورة أعضاء فى تنظيمات سياسية إسلامية، ولكنهم فى الغالب تأثروا بخطاب إعلامى شائع ينكر عن المسيحيين صفة المواطنة، ويستهجن دينهم وممارساتهم، وقد ساهم فى نشر الكراهية ضد المسيحيين وفى الدعوة إلى شن الحرب عليهم خطيب جامع فى تلك المدينة استنفر مسلميها للدفاع عن الإسلام بالهجوم على كنيسة مار جرجس، وهو بكل تأكيد لا يعرف عن رسول الإسلام وعن الإسلام دعوة الأخوة مع أهل الكتاب، والذين يضمون اليهود إلى جانب المسلمين. وهكذا تواصل ذلك المشهد الذى هو بالفعل حرب أهلية بين مسلمين ومسيحيين ولكن على نطاق محلى. وهى حرب لن يوقفها تدخل الأمن، فطالما أن الأغلبية فى الخصوص هى للمسلمين وهم الذين يتوقع أن تكون لهم الغلبة فى هذه المعركة، فالأمن لا يتدخل. وليست هذه هى المرة الأولى التى يتأكد فيها أن الأمن ليس محايدا فى هذا الصراع، فالشواهد من الكثرة بحيث لايمكن إحصاؤها. هل قبضت أجهزة الأمن هذه، والمشهود لها بالكفاءة عندما تريد، عن شخص واحد أشعل النار فى كنائس الأقباط فى جنوب مصر أو شمالها منذ بدأ مسلسل الهجوم عليهم فى عهد الرئيس السادات؟ أو لم يتكرر نفس المشهد ونفس التقاعس بعدها بأيام عندما شيعت جنازة الشهداء المسيحيين من كاتدرائية العباسية. سوف نفترض جدلا أنه كان هناك مسلحون داخل الكاتدرائية، هل كان الأمن سيتعامل بإلقاء القنابل المسيلة للدموع لو كان هؤلاء المسلحون فى موقف آخر داخل مسجد الأزهر أو مسجد الحسين؟ هل كان جنود الأمن المركزى سيطيعون ضباطهم عندما يأمرونهم بالتهجم على الأزهر الشريف. فى حسابات الأمن، ضباطه وجنوده، وبكل أسف، ما ينطبق على المساجد من حرمة لا ينطبق على الكنائس أو دور العبادة الأخرى فى دولة يلزمها دستورها الأخير بحماية دور العبادة لأهل الكتاب جميعا.

 

●●●

 

ولكن لماذا نندهش من موقف الأمن الذى استولى الفكر الدينى ضيق الأفق على عقول الكثيرين من ضباطه وجنوده، أليس سلوكه متسقا مع التهميش الذى وضعت فيه قيادة الدولة مسيحيى مصر، وذلك للأسف الشديد منذ ثورة يناير، سواء فى ظل المجلس الأعلى للقوات المسلحة أو فى ظل حكم الإخوان المسلمين. دعك من هذا الحديث المتكرر والمشروخ عن الأخوة بين بنى الوطن، وتعال معى عزيزتى القارئة وعزيزى القارىء لنتأمل الأفعال. فلنقل ما شئنا عن حكم حسنى مبارك، ولكنه بادر بتعيين محافظ مسيحى فى قنا للمرة الأولى منذ ثورة يوليو 1952، وهو أيضا الذى أوكل وزارة المالية لمسيحى، وهى أقوى وزارة مدنية فى دولة يسعى اقتصادها حثيثا على طريق الرأسمالية، وقد حافظ على صلة طيبة مع بطريرك الأقباط، وحرص كبار رجال دولته بما فى ذلك رئيس وزرائه وابنه على مشاركة المسيحيين أعيادهم. وأفسح لرجال الأعمال المسيحيين مساحة واسعة يشاركون فيها بالنهوض باقتصاد مصر. طبعا كان حكمه ديكتاتوريا وفاسدا وهو مسئول بدرجة كبيرة عن تفجير الثورة ضده، ولكن، حتى وهو يحاكم هذه الأيام مرة أخرى أمام القضاء، لا يجب أن نغفل عن خطوات صحيحة اتخذها على صعيد أوضاع المسيحيين فى مصر وتطلعهم ليتمتعوا بحقوق المواطنة. هناك الكثير مما لم ينجزه، ولكنه على الأقل أنجز بعض المطلوب. فماذا فعل الرئيس مرسى؟ اكتفى بوزيرة مسيحية واحدة فى حكومته، ولا أقلل من شأن وزارة الدولة للبحث العلمى، ولكن هى وزارة دولة تقريبا بلا موظفين، وهى فى سجل السلطة والنفوذ أقل بكثير من وزارة المالية والتى اختار لها أخيرا وزيرا من جماعته لم يعرف عنه من قبل لا خبرة بشئون هذه الوزارة ولا سجلا علميا مشرفا. وتراجع المجلس الأعلى للقوات المسلحة عن تعيين محافظ قبطى وسلك نفس المسلك الرئيس المنتخب. وحتى عندما عين الدكتور مرسى مساعدا مسيحيا له، فقد اكتفى بعد أسابيع من تعيينه بتخصيص مكتب له بعيدا عن قصر الرئاسة دون أى اختصاصات ودون أى عمل، وانتهى أمره باستقالته من هذا المنصب. ومع أنه كان يشغل منصب نائب محافظ القاهرة قبل توليه منصب مساعد الرئيس، فإن الرئيس لم يجد داعيا لتعيين مسيحى لا فى منصب محافظ ولا حتى فى منصب نائب محافظ فى أى من محافظات مصر.

 

●●●

 

هذه هى بعض جذور التوتر الطائفى فى مصر، مواطنون محبطون لتردى ظروف عيشهم، وأمية سياسية طاغية، وفرق مستعدة لإشعال الحريق، وخطاب دينى يكرس التعصب، وأمن متخاذل،  وقيادة سياسية تؤكد بأفعالها أنها ترفض مبدأ المواطنة.

 

 

 

أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة

 ومدير شركاء التنمية

مصطفى كامل السيد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة
التعليقات