لا تراجع عن ديمقراطية عربية شاملة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الأحد 8 ديسمبر 2024 7:45 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لا تراجع عن ديمقراطية عربية شاملة

نشر فى : الأربعاء 15 مايو 2024 - 7:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 15 مايو 2024 - 7:45 م

يظهر أن مسيرة الانتقال إلى نظام ديموقراطى فى بلاد العرب قد أصبحت سلسلة من اللعنات السياسية التى لا تنتهى. فما إن خرج العرب من تحت عباءة الحكم التركى العثمانى غير الديموقراطى حتى وقعوا فى قبضة التسلط الاستعمارى الأوروبى بشتى أشكاله، والذى بدوره كان ينادى بالحكم الديموقراطى لمجتمعاته ولكنه كان يحرّمه على المجتمعات التى كان يستعمرها.

وما إن نجحت الأقطار العربية تدريجيا فى الحصول على استقلالها الوطنى وخروجها من قبضة الاستعمار الأوروبى غير الديمقراطى حتى استبشر الناس خيرا وظنوا بأنهم مقدمون على مستقبل ديموقراطى واعد. لكن، كما يقال، «يا فرحة ما تمّت»، إذ ما إن حصلت الأقطار العربية على استقلالها حتى حمّلتها الحضارة الأوروبية أوزار ومصائب المشكلة اليهودية ــ النازية من خلال إعطاء فلسطين العربية، كتعويض للصهيونية العالمية، إلى جحافل المهاجرين الأغراب وتشريد شعب فلسطين العربى فى شتى المنافى ومن ثم تسليم ما بقى لديهم من جزء صغير من وطنهم إلى حكم صهيونى مباشر.

أمام تلك المحنة توالت الانقلابات العسكرية فى شتى الأقطار لاعتقاد الحركة القومية آنذاك بأن الأولوية يجب أن تعطى للموضوع الفلسطينى حتى ولو كان على حساب الانتقال إلى الديمقراطية التى تم تأجيلها إلى ما بعد الانتهاء من ذلك الخطر القومى الجديد. لكن الموضوع الفلسطينى تعثر ومعه تعثّر الانتقال الديموقراطى، وعاشت الأمة العربية فى دوامة من الخلافات والأزمات والصراعات السياسية التى أنهكت قواها وقدراتها وشلّت مشروعها النهضوى العربى المأمول.

أخيرا، ومنذ السنة العاشرة من هذا القرن، عادت الآمال وارتفعت بقرب الانتقال إلى نظام ديموقراطى فى العديد من الأقطار العربية التى اجتاحتها الحراكات الجماهيرية الهائلة والتى أسقطت العديد من أنظمتها غير الديمقراطية السابقة. لقد ارتفعت أصوات الأمل بحلول عهد ديموقراطى عربى جديد إبان كل حراك جماهيرى فى مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن والسودان وبعض دول الخليج العربى والمغرب العربى، إلا أنها تعثرت جميعا لأسباب داخلية وبعضها أيضا لأسباب خارجية. ودخلت الأمة العربية، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فى عهد مرتبك وغير مستقر وغير واضح فى مستقبله، بل وحتى وجوده.

اليوم، وبارتباك الوضع السياسى مؤخرا فى الكويت الشقيق، حيث ترسّخت فيه منذ استقلاله ديمقراطية واعدة ومستقرة أكثر من غيرها من المحاولات العربية، تكون محنة الديمقراطية العربية قد وصلت إلى أصعب وأعقد الأوضاع وأكثرها خطورة.

إزاء هذه الصورة القاتمة للمسيرة الديمقراطية فى بلاد العرب، ستنبرى، كالعادة، أصوات الشؤم والاستهزاء لتؤكد المقولة الاستعمارية الشهيرة بأن الأرض العربية لا يمكن أن تتعايش مع المبادئ والسلوك والتنظيم الديموقراطى.

هنا، يجب أن ننبّه شابات وشباب الأمة العربية بأن لا يستمعوا إلى تلك الأصوات، التى أغلبها مستأجرة ومجيّشة لإدخال اليأس والقنوط فى كل مناحى الحياة العربية، وأن يتمسكوا بشعار الديمقراطية مهما كثرت المؤامرات عليه، خصوصا فى هذه الفترة التى بدأ الاستعمارى الغربى – الصهيونى يشعر بوجود روح نهضوية نضالية فى كل أرجاء الوطن العربى، وبالتالى بات يخاف على سقوط مشاريعه وخططه وألاعيبه الكاذبة.

إن المشاكل التى تواجهها الديمقراطية فى بلاد العرب، تواجهها الحضارة الغربية برمّتها. وهناك نقد شديد فى كل مجتمعات الغرب لنقاط ضعف الديمقراطية فى بلدانهم. فإذا كان الأمر كذلك فى بلدان مارست الديمقراطية عبر عدة قرون، فكيف سيكون الحال فى بلدان أضاعت عبر تاريخها مبدأ ديموقراطيا واعدا، مبدأ الشورى الإسلامي، وعاشت عدة قرون تحت حكم الأغراب، وابتليت بمؤامرات خارجية وداخلية لا عدّ لها ولا حصر؟

مهما كثرت المحن والإحن، فإن الديمقراطية يجب أن تبقى فى قمة أولويات مشروع النهوض العربى؛ ديمقراطية قانونية إنسانية عادلة فى شئون السياسة والاقتصاد والاجتماع، ديمقراطية شاملة لكل مسالك الحياة.    

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات