رأس المال يتفاوض.. لماذا تعثر قرض صندوق النقد؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 9:53 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

رأس المال يتفاوض.. لماذا تعثر قرض صندوق النقد؟

نشر فى : السبت 15 يونيو 2013 - 8:00 ص | آخر تحديث : السبت 15 يونيو 2013 - 12:24 م

كتبت الدكتورة هناء عبيد الخبيرة بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام ورقة بحثية بعنوان «رأس المال التفاوضى: لماذا تعثرت مصر فى الحصول على قرض صندوق النقد؟»، نشر على الموقع الإلكترونى للمركز الإقليمى للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة.

 

شرحت هذه الورقة مفهوم رأس المال التفاوضى ثم طبقته على الحالة التفاوضية بين مصر وصندوق النقد الدولى. وسنحاول خلال عرضنا لهذا الموضوع أن نوضح العناصر التى تستند عليها المؤسسات المالية الدولية فعليًا فى عملية اتخاذ القرار كما سنحاول أن نزيل الغموض حول سلوك صندوق النقد الدولى المتذبذب فى تعامله مع مصر.

 

بداية يمكن أن نقول إن رأس المال التفاوضى هو محصلة أوراق القوة فى يد أحد أطراف عملية التفاوض كما يدركها جميع الأطراف، أو هو محصلة الظروف السياسية والاقتصادية والإيديولوجية والاجتماعية التى تحيط بأحد أطراف العملية التفاوضية بالإضافة إلى نفوذ هذا الطرف بالنظر إلى سياق التفاوض داخليًا وخارجيًا. وهكذا نجد رأس المال التفاوضى المصرى فى مواجهة صندوق النقد الدولى قد تأثر فى الفترة الأخيرة من جراء التغيرات فى الوضع الاقتصادى وفى شكل النخبة الحاكمة وفى مدى استقرار الأوضاع السياسية فى البلاد.

 

●●●

 

قد يتصور البعض أن عملية الحصول على قرض من إحدى المؤسسات الدولية هى عملية فنية بحتة، غير أن الواقع مخالف إذ ترتبط هذه العملية بعدة اعتبارات سياسية واستراتيجية منها على سبيل المثال وزن الدولة فى العلاقات الدولية وعلاقة تلك الدولة بالدول الكبرى والتى يكون لها المساهمة الأكبر فى تمويل تلك المؤسسات وبالتالى تتمتع برأى أقوى.

 

وفى الفترة الأخيرة برز دور جديد لعوامل لم تكن تؤخذ فى الحسبان مثل الشرعية السياسية للحكومة والمستوى الديمقراطى للدولة الطالبة للقرض، وذلك لرغبة الدول الكبرى فى عدم الظهور بمظهر المساعد الفج للنظم السلطوية التى لا تحترم حرية أو إرادة شعوبها.

 

أما بالنسبة للجانب الاقتصادى من محددات رأس المال التفاوضى لإحدى الدول فى مواجهة إحدى المؤسسات المالية الدولية، نجد فى مقدمة تلك المحددات، طبيعة الأحوال الاقتصادية ومدى الحاجة إلى القرض ومدى توفر وسائل بديلة للتمويل. وإذا كان نظريًا ترتبط الحاجة الاقتصادية الملحة إلى القرض إيجابيًا مع الحصول عليه، فعمليًا يرتبط بهذا الحصول تزايد للمشروطية والتى تعنى اشتراط إجراء تصحيحات هيكلية فى النشاط الاقتصادى.

 

وتشرح الدكتورة عبيد أنه فى حالة تعارض العناصر المختلفة المكونة لرأس المال التفاوضى للدولة، فإن المؤسسات المالية سوف تميل إلى تغليب ما هو اقتصادى على ما هو سياسى وسوف تمنح القرض إلى الدولة فى حالة إتباعها «الروشتة الاقتصادية».

 

●●●

 

وإذا طبقنا مفهوم رأس المال التفاوضى على مفاوضات مصر مع صندوق النقد الدولى بعد الثورة، نجد أن تلك المفاوضات كانت قد اقتربت جدًا من أن تسفر عن توقيع اتفاقية القرض فى مرحلتين رئيسيتين. المرحلة الأولى كانت فى يونيو 2011 بعد شهور قليلة من نجاح الثورة حيث الزخم الثورى لا يزال مسيطرًا وكانت المؤسسة المالية تظهر بشكل الملح على مصر لتقبل القرض، إلا أن مصر تحت قيادة المجلس العسكرى رفضت توقيع اتفاقية استعداد ائتمانى قيمتها ثلاثة مليارات دولار.

 

كان التبرير الذى قدمه المجلس العسكرى حينها أنه لا توجد حاجة ملحة لهذا القرض، وترى الدكتورة عبيد أن التفسير المنطقى لرفض الصندوق لهذا القرض الميسر جدًا والذى لم يشتمل على أية شروط تقفية كتلك التى تناقش اليوم يرجع إلى رغبة المجلس العسكرى فى أن يجعل هذا القرار فى يد سلطة منتخبة تتحمل هى مسئولية إضافة عبء على مديونية الدولة. وكانت تصريحات مسئولى الصندوق بعد الرفض المصرى للقرض تميل إلى العتاب واللوم، وهو ما يدل على قوة الموقف التفاوضى المصرى فى تلك اللحظة.

 

أما المرحلة الثانية التى شارفت فيها المفاوضات على الانتهاء بتوقيع اتفاق القرض فكانت فى نوفمبر 2012، بعد شهور قليلة من فوز محمد مرسى بمقعد رئيس الجمهورية حيث كان إنهاء الإنتخابات الرئاسية والعبور منها بسلام مؤشر جيد على تحسن استقرار البلاد.

 

فى تلك الفترة قامت الحكومة بإنجاز حزمة من الإجراءات التقشفية التى تتناسب مع مبادئ الصندوق، وهو الأمر الذى سرع من العملية التفاوضية الأمر الذى كاد أن يسفر عن توقيع اتفاق القرض لولا تراجع الحكومة عن سياستها التقشفية نتيجة للضغط الشعبى الرافض لتلك السياسات. وهو ما أدى إلى تراجع الصندوق هذه المرة عن توقيع اتفاقية القرض.

 

وطالب الحكومة المصرية بالقيام بسياسات محددة لتقليل حجم الإنفاق وعجز الموازنة وهو السبب الرئيس فى تعطل إجراءات القرض حتى يومنا هذا.

 

●●●

 

فى المرحلة الأولى كان الزخم الثورى مسيطرًا ولم يكن هناك مجال للحديث عن أية إجراءات تقشفية تصاحب قرض الصندوق، ورغم ذلك رفضت مصر القرض مصداقًا لقوة رأس المال التفاوضى المصرى فى تلك الفترة المبينة على عدة عناصر فى مقدمتها العناصر السياسية.

 

أما فى المحطة الثانية فتردى الأحوال الإقتصادية وتعثر عملية التحول الديمقراطى واهتزاز شرعية الرئيس المنتخب نتيجة لإصداره للإعلان الدستورى المكمل فى نوفمبر 2012، كل ذلك أضعف من رأس المال التفاوضى المصرى وشجع الصندوق على التشدد فى فرض الشروط الإقتصادية التقشفية.

التعليقات