حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة لا قيادة عربية فى عالم الوطنيات الهشة والهويات المتشظية - نبيل عبدالفتاح - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 8:05 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة لا قيادة عربية فى عالم الوطنيات الهشة والهويات المتشظية

نشر فى : الإثنين 15 يونيو 2020 - 8:55 م | آخر تحديث : الإثنين 15 يونيو 2020 - 8:55 م

فى مواجهة التحديات والعقبات التى تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة فى العمل العربى المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التى يجب توافرها فى دولة أو ائتلاف عربى يتولى مهام القيادة فى النظام العربى ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربى الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق فى دولة البحرين الدكتور على فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة فى سلسلة مقالات «حوار مفتوح ــ من يقود الأمة نحو عمل عربى مشترك» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق».

يبدو لى الخطاب حول الأدوار الإقليمية القيادية فى عالم عربى مضطرب ومنقسم، وتآكل بنيوى فى بناء الدولة الوطنية، أقرب إلى الفكر الرغائبى، والرومانتيكية السياسية التى صاحبت حركة التحرر الوطنى ما بعد الكولونيالية التى حملت فى أعطافها الحلم القومى ما وراء شروطه التاريخية وتشكلاته الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، ومن ثم لا تحمل الدعوى/ الخطاب فى أعطافها ميراث الفشل التاريخى للنخب السياسية الحاكمة بالحديد والنار والقمع منذ هزيمة يونيو 1967. من هنا تبدو الدعوى والخطاب مفارق للواقع الموضوعى، فى ظل صعود الإسلام السياسى وجماعاته الراديكالية، وتوظيفات النظم الشمولية والثيوقراطية والتسلطية للإسلام كأبرز مصادر وأدوات أنظمة الشرعية السياسية، وأيضا استخدامه مذهبيا فى الحروب الأهلية الداخلية، وفى صراعات الإقليم بدعمها لجماعاته من بعض دول اليسر العربى النفطى، وقبلها فى أفغانستان كظل تابع للسياسة الأمريكية إزاء الإمبراطورية الماركسية السوفيتية السابقة، ومعه سادت الميثولوجيا السياسية الوضعية للجامعة الإسلامية ونظام الخلافة، والدولة الإسلامية، وفق بعض المفاهيم الفقهية الوضعية المفارقة للواقع الموضوعى لتحولات العالم منذ تأسيس الحركات القومية، والتوسع الرأسمالى، وبناء الدولة الأمة ــ دولة وستفاليا ــ التى لم تتحقق شرائطها الموضوعية فى عالمنا العربى ما بعد الكولونيالية إلا فى مصر، وإلى حد ما دولة المخزن فى المغرب. حالة الإقليم المضطرب، وتفكك بعض دول ما بعد الاستقلال ومعها سياسات التكامل الوطنى الداخلية واستراتيجيات بوتقة الصهر الفاشلة، وسياسات القمع السياسى والدينى والمذهبى والإقصاءات للمكونات الأساسية التى أدت إلى إحياء الهويات الانقسامية الدينية والمذهبية والعرقية المقموعة، ومعها تم استدعاء ذاكرات تاريخية منغلقة لهذه المكونات، التى ساعدت على تفاقم الصراعات الأولية والحروب الهوياتية، وسهلت توظيفها سياسيا لصالح مطامح دول الجوار الإقليمى العربى – إيران وتركيا وإسرائيل ــ وتحولت هذه المكونات المذهبية والقومية والعرقية والمناطقية إلى مصادر تفكيك داخلية وإلى أدوات وظفت فى تمدد الأدوار الإقليمية المتعاظمة لكلا الدولتينــ تركيا وإيران ــ لتأجيج الصراعات الداخلية، وتفاقم النزاعات الأهلية، وتوجيه سياسات هذه الدول الهشة، ومعها دول صغرى استدعت بعض الجيوش فى الإقليم وخارجه لبناء قواعد عسكرية داخلها ومن ثم لإعلان وجودها وتمددها فى الإقليم.
***
الأخطر أن ثمة من ساعد هذه الدول من خلال أخطائه السياسية الفادحة، من قبل بعض دول اليسر المالى العربى، فى اليمن وسوريا والعراق وليبيا، ودعمهم لبعض المنظمات الإسلامية الراديكالية والإرهابية ومرتزقة آخرين. بعض الأنظمة العربية قام بعملية تحويل هذه النزاعات على المكانة والقيادة من الصراع السياسى إلى مجال الصراع الدينى المذهبى السني/ الشيعى، وهو ما أضعف الفكرة العربية، بل وأعاق تطور مفهوم الوطنية التى تمحورت حوله عمليات بناء دولة ما بعد الاستقلال. فى ظل إقليم مضطرب، ونمط من الدول الهشة، ظهر نمط قيادى/ جيلى شاب من بعض العائلات الحاكمة فى دول اليسر، يحاول تكريس مكانته داخل خرائط الخلافة السياسية الداخلية، من خلال إزاحة بعض أبناء العائلة الممتدة، عبر الانخراط فى النزاعات العربية، والتدخل فى حروبها، لبناء مكانة داخلية وطموح إقليمى لا تتوافر مقوماته الموضوعية، ولا بناءات للقوة تسمح بأن تتحول القوة المالية ومخازن السلاح إلى قيادة إقليمية تحقق هذا الحلم/ الوهم.
من هنا أدت القوة المالية وتوظيفاتها السياسية الطموحة لبعض دول اليسر إلى الإخفاق، فى بناء المكانة ولعب أدوار قيادية إقليمية وأصبحت هذه الطموحات بؤر مفتوحة للاستنزاف المالى وللسلاح، فى اليمن وغيرها. الأخطر.. الأخطر أن ذلك أدى إلى تراكم فوائض من الاحتقان، ونمو الشعور بالكراهية وتمدد الفجوات الإدراكية السلبية، بين شرائح واسعة من بعض الشعوب العربية إزاء بعض هذه القيادات وأنظمتها العائلية الاستبدادية. ويبدو لى وأرجو ألا أكون مخطئا أن توسع القاعدة الاجتماعية للفئات الوسطى فى هذه الدول، ارتكزت على بناء نمط من الوطنية الهشة تعتمد فى بعض مكوناتها على الاستعلاء إزاء بعض دول العسر فى المنطقة، وهو ما يبدو جليا فى عديد الممارسات فى الواقع الفعلى أو الافتراضى. الأخطر.. الأخطر أن هذه الظواهر أدت إلى نمو ثقافة الكراهية والنيل من بعض الشعوب العربية وهو أمر سيزداد من حيث خطورته ونتائجه وتمدده فى أعقاب أزمة كورونا، وأثرها على اقتصاديات الريع النفطى، وتراجع أسعاره وتخفيض منسوب العمالة الوافدة، والاستغناء عن أعداد كبيرة منها، وتخفيض أجور بعضهم فى قطاع الدولة أو القطاع الخاص. من هنا يبدو من المرجح أن يشهد العالم العربى، اضطرابات اجتماعية وسياسية فى الأجلين القصير والمتوسط، على نحو يزيد من تفاقم الاضطرابات وعدم الاستقرار، واحتمالات المزيد من تدخل دول الجوار الجغرافى وأحلامها الإمبراطورية فى الإقليم العربى. لعب الإعلام التلفازى والرقمى الموجه ــ كأداة لبعض هذه النظم العائلية – دورا فى تعرية وهجاء بعضها بعضا وفى تكريس الفجوات بين الشعوب العربية. فى ظل هذه الأجواء المضطربة لا توجد مؤشرات واقعية حول أية أدوار قيادية فى الإقليم، وسيحدث انكفاءات داخلية، واحتمالات لجوء بعض القادة إلى توظيف الصراعات الخارجية كوسيلة يتم من خلالها كبح التوترات الاجتماعية، وقمع مصادر عدم الاستقرار الداخلى ذات الطبيعة الاجتماعية، أو المذهبية أو المناطقية.
***
فى ظل وضعية الاضطرابات، والتشظى فى تركيبة المجتمعات العربية الداخلية، وتنازع وحروب الهويات الصغرى الدينية والمذهبية والعرقية والقومية والمناطقية، تبدو المنطقة عارية، فى ظل أنماط قيادية يفتقر بعضها إلى رأسمال خبراتى سياسى، على نحو ما كانت عليه بعض قيادات آباء الاستقلال، وقادة التحرر الوطنى. رصد وتحليل الواقع الموضوعى العربى ومحمولاته، هو المدخل للتفكير فى تجديد الفكرة العربية، وتحديد الأفكار الواقعية الممكن تحقيقها فى ظل هذا التشظى، والانهيارات الداخلية، وتوسع النفوذ الإمبراطورى والطموحات الجامحة «للأمبرياليات» الفرعية فى الإقليم ــ إيران، تركيا، وإسرائيل ــ فى ظل محاولات للاستعانة بالأخيرة، لمواجهة وهمية مع الشاهنشاهية المتدثرة فى عباءات آيات الله، وعمامة سليم الأول وطموحاته العثمانية الجديدة فيما وراء محاولة أسلمة الدولة الكمالية. والسؤال ما العمل؟ نعم ثمة إمكانية للحركة والفعل الطوعى ما وراء سياسات الصراع العربى ــ العربى الرسمية، ومن داخل الموحدات العربية الثقافية ما وراء الرسمية وبعيدا عن أوهام القوة الناعمةــ بعد أن تراجع مصطلح جوزيف ناى إلى القوة الذكيةــ والمركز وهوامشه الذى اعتمد تاريخيا، على الأدوار الطليعية الثقافية لمصر منذ منتصف القرن الثامن عشر، والتاسع عشر، وحتى عقد الستينيات من القرن الماضى. الفوائض التاريخية الثقافية منذ مطلع النهضة العربية، تبددت بعض مصادر حيويتها، وإنتاجها الإبداعى، وتوظيفاتها السياسية فى بناء المكانة الإقليمية والأدوار، فى ظل سطوة التسلطية السياسية والتسلطية الدينية، وهيمنة العقل النقلى الدينى الوضعى، ومعتقلات العقل والضمير العربى، ونهاية أدوار مثقف ما بعد الاستقلال وانهيار أنظمة التعليم. فى ظل هذه المشاهد المأساوية، هل هناك إمكانية للحركة لتجديد العروبة الثقافية؟ يبدو لى أن ثمة إمكانية.

نبيل عبدالفتاح مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام
التعليقات