الإسلام أسمى من أن يكون مجرد حل - محمد محمود الإمام - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 4:56 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإسلام أسمى من أن يكون مجرد حل

نشر فى : الأربعاء 16 يونيو 2010 - 10:33 ص | آخر تحديث : الأربعاء 16 يونيو 2010 - 10:33 ص

 حينما طرحت الثورة فى عامها العاشر «الميثاق الوطنى»، واعتمدت فيه مبدأ الحرية الاجتماعية، اعتبرت أن هذا يفرض الأخذ بالنهج الاشتراكى باعتبار أن الأمر يتجاوز الحرية الفردية بمعناها الضيق الذى يقوم على أساسه النهج الرأسمالى. ومن ثم جرى التأكيد على «حتمية الحل الاشتراكى» الذى يوازن بين المصالح الفردية وصالح المجتمع الساعى إلى التنمية.

وتم هذا فى ضوء مراجعة حصيلة خبرة السنوات العشر، التى شملت تحرك الدولة على مستوى المشروع (من خلال مجلس الإنتاج ثم المؤسسة الاقتصادية) وعلى مستوى البرنامج، وبخاصة برنامج التصنيع الذى يتجاوز مشروعات متناثرة يقوم بها قطاع خاص محدود الموارد المالية والمعرفية، وعلى مستوى الخطة الشاملة المستهدفة مضاعفة الدخل القومى فى عشر سنوات، وحشد ما يلزم لذلك من جهود، يشارك فيها القطاع الخاص قدر استطاعته.

وهكذا استخدم مصطلح «الحل» للخروج من مشكلة قصور الجهود الفردية عن دفع عجلة الإنتاج وضمان العدالة الاجتماعية التى لا يستقيم الحديث عن تنمية حقيقية بدونها. أى أن لفظ الحل كان يعنى أمرين: وجود مشكلة مجتمعية، والأخذ بمنهج معين من بين مناهج بديلة باعتباره هو الأصلح لمعالجتها، من بين بدائل مستوحاة من تجارب سابقة أو لآخرين، أو مبيتة على تفكير علمى خلاق.

لذلك فإنى أربأ بالإسلام أن يعتبر بديلا لحلول وضعية، حتى يجوز المناداة بأنه هو الحل لما نعانيه من مشاكل. قد تكون المشكلة التى يعتبر حلا لها هى مشكلة فئة فى سعيها للاستيلاء على الحكم، مستغلة سمو موقعه فى نفوس معتنقيه، وهو ما يواجهنا بمشاكل أخرى ليس هنا مكان الحديث عنها. فإذا كان ذلك هو المقصود فإن الأمر مرفوض رفضا قاطعا، لأن قضية الحكم ليست فيما يفرضه من يحلم بالحكم، بل هى بالضرورة ناتج عملية مجتمعية يشارك فيها الجميع، ليس فقط فى الأسس التى يقوم عليها فى نقطة بدء نختارها، وإنما على نحو مستمر بحكم ما ينتاب الحياة البشرية من تغيرات، لا ينكر أحد أنها أخذت معدلات غير مسبوقة فى أبعادها أو سرعاتها فى عصرنا هذا.

ولعلنا نتذكر أن الصيحات التى تصاعدت بعد نكسة 1967 ألقت باللوم على التفسير الذى كانت تغذيه الدعاوى الأمريكية فى صراعها مع الاتحاد السوفييتى، من أن مصادقته ورفع راية الاشتراكية هما إيذان بالتحول إلى الشيوعية التى قيل إنها صنو للإلحاد. وفى ظل رفض الهزيمة جرى اعتبار أنها عقاب من الله على ابتعادنا عن الدين الحنيف، وهو تفسير لا يبين لنا كيف قصر العقاب علينا وأجاز انتصار من ينكرونه ويسعون إلى هدم المسجد الأقصى. وأوجد مجالا خصبا لسريان دعاوى استغلها السادات فى انقلابه على الثورة ليتخلص بها من أعباء الانتماء العربى الذى دفع إلى اعتماد شعار «حرية ــ اشتراكية ــ وحدة».

لعلنا جميعا نتفق على أن الأوضاع فى وطننا ليست على ما يرام، وأنه كان جديرا ــ بما يملكه من قدرات تتعدد الشواهد على تفوقها ــ بموقع أفضل على خريطة العالم، وليس فقط على مستوى الإقليم، حاضرا ومستقبلا.

ولعل كلا منا ينشد الإصلاح على نحو يراه، وهو ما يفضى إلى تعدد الرؤى، وليس فى هذا ضير، بل هو عين الباب إلى الأمل فى المستقبل، إذا طرحنا جانبا الدعاوى التى تغلق جميع الأبواب إلا ما ترى فى نفسها القدرة على النفاذ منه إلى كراسى الحكم، سواء الحزب المنفرد بالحكم، أو الجماعة التى تلوح براية «الإسلام هو الحل». وإذا كان المقصود بالحل هو التصدى للخلل الذى تعانى منه الدولة، فلنا مرشد من خطاب وجهه على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، إلى مالك بن الحارث الأشتر عندما ولاه أمر مصر حينما اضطرب أمر أميرها محمد بن أبى بكر، يصفه كتاب نهج البلاغة بأنه أطول عهد كتبه وأجمعه للمحاسن.

فقد استهله بأن مهمة الوالى «جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها». أى أنها مهام تتعلق بالعلاقة المالية مع المركز، ويبرز فيها الأمن والإنماء بدءا باستصلاح البشر ثم تعمير البلاد. كُتب هذا فى وقت كان الدافع الأساسى للفتوحات العربية هو نشر الإسلام خارج الجزيرة العربية.

وبعد أن استرسل فى تحديد الصفات التى يجب أن يتصف بها الوالى وفيمن يختاره لمعاونته (لعل ولاة العرب يجدون من يقرأها عليهم، لأن القراءة ليست من خصالهم) قال «واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض: فمنها جنود الله، ومنها كتاب العامة والخاصة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمة ومسلمة الناس، ومنها التجار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوى الحاجة والمسكنة، وكل قد سمى الله له سهمه...» فالجنود هم حصون الرعية، يزودهم القائمون على الخراج بحاجاتهم، ولابد للفئتين من قضاة وعمال وكتاب (الجهازان الإدارى والقضائى)، ودعاه إلى حسن اختيارهم وضبط سلوكهم.

أما الفئتان الأخيرتان فهما يناظران ما يسمى حديثا أصحاب الأعمال والعمال (أو البورجوازية والبروليتاريا) وطالبه بحسن معاملتهم. وهكذا عدد فئات (طبقات) المجتمع وأوضح تمايز مصالح كل فئة ومسئولياتها عن غيرها، وفى نفس الوقت بين أنه داخل كل فئة يوجد من هو معوج يحتاج إلى تقويمه. من ذلك قوله: «ثم استوص بالتجار وذوى الصناعات، وأوصى بهم خيرا: المقيم منهم والمضطرب بماله، والمترفق ببدنه، فإنهم مواد المنافع، وأسباب المرافق، وجلابها من المباعد والمطارح، فى بَرَّك وبحرك، وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها، ولا يجتئرون عليها، فإنهم سلم لا تخاف بائقته، وصلح لا تخشى غائلته، وتفقد أمورهم بحضرتك وفى حواشى بلادك.

واعلم ــ مع ذلك ــ أن فى كثير منهم ضيقا فاحشا، وشحا قبيحا، واحتكارا للمنافع، وتحكما فى البياعات، وذلك باب مضرة للعامة، وعيب على الولاة، فامنع من الاحتكار، فإن رسول الله ــ صلى الله عليه وآله وسلم ــ منع منه...فمن قارف حُكرة بعد نهيك إياه فنكل به، وعاقبه فى غير إسراف». ثم أوصاه خيرا بالطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم، من المساكين والمحتاجين وأهل البؤس (الفقراء) والزَّمنى (ذوى العاهات)، وطالبه بأن يجعل لهم قسما من بيت المال «فلا يشغلنك عنهم بطر، فإنك لا تُعذَر بتضييعك التافه لإحكامك الكثير المهم». وعلى من عبأوا الجهود فى 1995 للخروج بإعلام كوبنهاجن للتنمية الاجتماعية أن يقرأوا تلك الفقرات من خطاب أمير المؤمنين.

فى 1986 نظم مركز دراسات الوحدة العربية ندوة عن التنمية المستقلة فى الوطن العربى. وحينما عرض الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله مفهومه لنموذج التنمية من منطلق ماركسى يقوم على حسم الصراع الطبقى لصالح المساهمين فعلا فى الإنتاج، عرضت نموذجا تنمويا مستخلصا من الخطاب السابق، حقق نفس المعايير ولكن من منطلق عربى جوهره الإسلام. لم يشر الخطاب المذكور إلى أن الخروج من حالة الاضطراب هو مجرد المناداة بالإسلام، لأن الولاية على مصر كانت لرفع رايته.

وإذا كان على رضى الله عنه قد طرح هذا الفكر الراقى العميق على أحد ولاته، فكيف للأمور لا تستقر فى خلافته لتنتهى باستشهاده؟ إن المشكلة التى أوقعت العالم الإسلامى حتى يومنا هذا كانت فيمن نحوا جانبا رؤيته لإدارة شئون المجتمع الإسلامى، وجعلوا تجارتهم الإسلام ذاته، يتحاربون فيَقتُلون ويُقتلون بدعوى طرح ما يرونه إسلاما فيه الحل.

من أجل هذا يجب وضع الإسلام (والأديان عامة) فى موضعها الصحيح من المنظومة الثقافية للأفراد والشعوب، باعتبارها البنية الأساسية التى يقوم عليها الصرح الاجتماعى، وما يحتويه من شئون سياسية واقتصادية هى من قبيل ما اعتبره رسول الله عليه الصلاة والسلام من قبيل «شئونكم التى أنتم أدرى بها».

محمد محمود الإمام وزير التخطيط الأسبق
التعليقات