قاطِع.. احظَر.. أبلِغ - عماد عبداللطيف - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 9:24 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قاطِع.. احظَر.. أبلِغ

نشر فى : الخميس 16 نوفمبر 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الخميس 16 نوفمبر 2023 - 6:45 م
يحاول أى احتلال استيطانى ترسيخ احتلاله للأرض، باحتلال عقول أصحابها، إن لم يتمكن من إبادتهم. ومثلما استهدف الاحتلال الإسرائيلى الاستحواذ على الأراضى والثروات العربية، استهدف عقول العرب ونفوسهم، عن طريق نشر كذباته ومغالطاته وادعاءاته الزائفة.
دأب العدو على السعى للتلاعب بعقول العرب؛ فأنتج برامج إذاعية ومتلفزة، وصحفا ومجلات ناطقة بالعربية. وفى العقدين الأخيرين تعاظم توظيفه لوسائط التواصل الاجتماعى بهدف تخدير الوعى وتزييف الواقع، وترسيخ القبول والاستسلام للاحتلال من ناحية، وتزييف وعى العالم الغربى والأوروبى، وكسب تضامنه ودعمه من ناحية أخرى.
يستعمل الاحتلال الإسرائيلى منصات متنوعة لمخاطبة العرب على وسائط التواصل الاجتماعى؛ فهناك صفحات رسمية مثل صفحة «إسرائيل بالعربية» لوزارة الخارجية، أو صفحة المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلى، وهى منصات دعائية لا تخفى انتماءها للكيان الصهيونى. لكن هناك نوعا آخر من المنصات المستترة خلف هويات زائفة يديرها جيش الاحتلال، وتعيد إنتاج خطابه بهدف الاستمرار فى تزييف الوعى العربى من ناحية وزرع الشقاق بين العرب من ناحية أخرى. يتحدث أصحاب هذه المنصات بلهجات عربية مختلفة مرددين مزاعم العدو ومهاجمين الجنسيات والطوائف العربية المتباينة بهدف تقليب بعضهم على بعض ودفعهم للانخراط فى الشجار والمشاحنات على أساس طائفى أو قومى أو دينى أو عرقى، وهذه الصفحات هى الأخطر.
• • •
يمكن التقليل من قدرة الدعاية الإسرائيلية على تزييف وعى العرب بواسطة استراتيجية تتكون من ثلاثة إجراءات هى عدم المتابعة، والحظر، والإبلاغ. وهناك مشروعية إنسانية وأخلاقية لهذه الإجراءات التى يجب أن تفعَّل على نطاق واسع، لأن صفحات الاحتلال الإسرائيلى تقدم أكاذيب، وتمارس أشكالًا من التلاعب، وتشرعن جرائم ضد الإنسانية، وتتهم جماعات وأشخاصًا يمارسون أفعالًا مشروعة اتهامات خاطئة وظالمة وفقًا للقانون الدولى. إنها تمارس على الفيسبوك والإنستجرام كل ما كان يجب على إدارة شركة ميتا حذفه لأجله، ولكن الشركة تتواطأ مع الكيان الصهيونى والدول الداعمة له. فتتجاهل تطبيق شروط الاستخدام على المنشورات الإسرائيلية وتغض الطرف عن صفحات إسرائيل بالعربية التى تنتهكها. ولذا يتعين على كل مستعمل للوسائط الاجتماعية تفعيل إجراءات عدم المتابعة والحظر والإبلاغ؛ لأنها تقدم محتوى غير صحيح ومزيفا ومحرضا.
تعظم أهمية تجاهل صفحات العدو وحظرها والإبلاغ عنها فى أوقات السلم النسبى، فإن كنا أكثر وعيًّا بأهداف البروباجندا الإسرائيلية فى حالات الحرب والاحتشاد، فإن هذا الوعى يتراجع فى حالات السلم النسبى، ومن ثم تصبح هذه الصفحات أكثر خطورة؛ إذ تمارس تلاعبًا منظمًا بإدراكات العرب لحقيقة هذا الكيان؛ فتقدم لهم صورة زائفة ومنافية للواقع، ويستعملون فى سبيل ذلك تقنيات مثل الفكاهة، والسخرية، والاستمالة، وغيرها.
من الضرورى جدا عدم الانخراط فى أى شكل من أشكال التفاعل مع هذه الصفحات، ولو على سبيل التفنيد والنقد. فالمستفيد الأول من أى تعليق أو نقاش على هذه الصفحات هو العدو نفسه. فالتعليق على صفات العدو يسمح بظهور منشوراته على نطاق أوسع. ومن ثمَّ، تتيح مجالا أوسع لترديد مزاعمه وكذباته. قد تصادف مستخدمين آخرين لوسائط التواصل الاجتماعى لا يدركون مدى التلاعب والزيف المقدم عبر هذه الصفحات، ومن ثم يتحقق ضرر كبير من التعليق عليها. والأنفع هو تبنى استراتيجية التجاهل، والحظر، والإبلاغ عن الصفحات الرسمية للبروباجندا الإسرائيلية.
• • •
أما الصفحات غير الرسمية والحسابات الوهمية التى ينشأها الكيان المحتل بهدف إشعال النزاع بين مختلف الطوائف والقوميات العربية، بين السنى والشيعى، المصرى والتونسى... إلخ. عبر المشاحنات والتراشق بالألفاظ والاتهامات المتبادلة وزرع الشك وإثارة البلبلة حتى يتخلى الجميع فى النهاية عن دعم القضية الأصلية. وهى حيل ليست بجديدة وإنما تستغل الوسيط الإلكترونى الجديد؛ فعادة ما كان المحتل يلجأ للحيل نفسها فى الوسائط التقليدية كالصحف والمحطات الإذاعية والتلفزيونية، ولكن وسائط التواصل الاجتماعى أتاحت بالطبع مجالًا أوسع لاستعمال مثل تلك الحيل وتوظيفها بشتى الطرق وعلى نحو خفى، فيتنكر هذا الحساب أو ذاك فى شخصية عربية ويحاول إحداث الشقاق بين العرب.
مثل هذه الحسابات يجب أن تعرى وتكشف، بأن يوضح أحد المعلقين أن هذه الصفحة أو تلك إنما هى لمجند فى جيش الاحتلال يستتر تحت هوية عربية ليزرع الشقاق بين العرب. وأظن أن الأحداث الأخيرة قد زادت وعى المستخدم العربى بهذه الأمور؛ بحيث يدرك أن أى حساب يُطرح حديثًا أو نقاشًا أو تعليقًا بهدف بث الفتنة بين العرب إنما يهدف فى النهاية لدعم الكيان الصهيونى وتشتيت انتباه العرب عن جرائمه. وقد صار هذا التلاعب مفضوحًا كما تكشف عن ذلك بعض تعليقات المستخدمين التى تبلور إدراكهم للحيلة، وأنها لم تعد تنطلى عليهم، ولم تعد ناجحة فى ظل الوعى المتنامى بحيل الكيان المحتل وألاعيبه.
ثمة طريقة أخرى تحاول من خلالها تلك الحسابات ــ وما على شاكلتها من حسابات مصطنعة ومزيفة ــ الوصولَ إلى العقل العربى، وهى التفاعل على منشورات المستعملين العرب وإدراج بعض التعليقات المستفزة أو طرح أفكار للنقاش، وفى هذه الحال ينبغى التمييز بين أشكال الاستجابة البشرية الحقيقية والاستجابة الآلية المزيفة، فنحن نعرف أن هناك ما يسمى «روبوتات الدردشة» التى تنتج آلاف الاستجابات فى لحظات معدودة، مُهَنْدَسَة لغويًّا على أى وسيط. ويظن مستخدم الوسيط أنها استجابات صادرة عن أشخاص حقيقيين يعبرون عن مواقف وتوجهات حقيقية، فى حين أنها تعليقات آلية، مهندسة لغويًّا داخل أنظمة العدو. وتُستخدم التقنية نفسها لتزييف عدد هائل من المتابعات الوهمية لبعض الصفحات.
• • •
مثلما تستعمل وسائط التواصل لدعم الحرية والعدل والمساواة، تُستعمل للتلاعب والتضليل. وكما يتعين علينا الدفاع عن الأرض المحتلة بكل سبيل، يتعين علينا مقاومة احتلال العقول بكل سبيل. فهزيمة الوعى أخطر فى أثرها ونتائجها من هزيمة الجيوش.
عماد عبداللطيف أستاذ البلاغة وتحليل الخطاب
التعليقات