حكاية مواطن عادى انتخب الرئيس مرسى - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 12:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حكاية مواطن عادى انتخب الرئيس مرسى

نشر فى : الأحد 16 ديسمبر 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 16 ديسمبر 2012 - 8:00 ص

لو كنت مكان أى وزير من وزراء الحكومة الحالية لم أكن لأتردد لحظة فى أن اقترح على سيادة الرئيس مرسى ألا يوقع على أى قرار سيادى يمس معيشة الناس، وأرزاقهم إلا فى الساعات الأولى من الصباح. لأنه فى هذه الساعات يكون الرئيس أكثر قربا ومحبة ورحمة، على مواطنيه العاديين. يعرف همومهم وأوجاعهم، ولا يطاوعه قلبه أن يراهم منزعجين. والدليل أنه عندما عرف فى فجر يوم الإثنين الماضى أن قراراته بفرض ضرائب جديدة قد قلبت مزاج الناس، قرر فورا العدول عن هذه القرارات، التى كان قد وقعها هو بيده، وقلمه، وعقله فى ظهيرة اليوم السابق اثناء مواعيد العمل الرئاسية.

 

والحقيقة أننى أنصح الوزراء بذلك ليس بسبب حبى لهم، ولا خوفى عليهم من غضبة الشعب، ولكن من أجل ألا يستخدمهم أحد من أهل أو عشيرة القصر، ويقدمهم ككبش فداء، حتى يبعد بهم أنظار الناس عن الفاعل الحقيقى لأزماتهم الحياتية. وهو ما حدث مؤخرا فقد خرج المتحدث الرئاسى للقصر، متلعثما يقول الرأى وعكسه، من أن الضرائب التى فرضتها الحكومة كانت من أجل صالح محدودى الدخل. وإن الرئيس ألغاها لنفس الغرض، ولمصلحة ذات الناس. وكأن الحكومة هى التى وقعت، وأصدرت، وطبعت القرارات فى الجريدة الرسمية، وليس الرئيس بكامل إرادته.

 

●●●

 

ولزيادة الحبكة الدرامية طل علينا رئيس الوزراء هشام قنديل فى مؤتمر صحفى مرتبكا، وكأنه هو من أصدر القرارات. ووقف مترددا يدافع مرة عن القرارات الضريبية مبررا إصدارها، ثم يعود ويدافع عن الرجوع عن القرارات، مبررا إلغاءها. ويكاد أن يقسم أن هذه القرارات لا علاقة لصندوق النقد بها، وأنها من صنع أيدى الحكومة. وكأن المصادفة وحدها هى التى جعلت الصندوق يعلن عن تأجيل القرض، فى نفس يوم إلغاء الضرائب. والحقيقة أن غياب الرئيس وهو صاحب «الضربة الضرائبية الأولى» عن المشهد، وتركه الساحة لآخرين من عينة وزير المالية ممتاز السعيد، لم يزد طين المشهد إلا بلة. حيث بشر الوزير محدودى الدخل فى تصريحات صحفية له بأن الزيادة فى ضريبة المبيعات على بعض السلع مجرد ملاليم فقط. فنكتشف أن هذه الملاليم، فى عرف عضو الحكومة الأبرز، هى زيادة  75 قرشا على علبة السجائر المحلية، و125 قرشا على نظيرتها الأجنبية. و75 قرشا زيادة على كارت المحمول من فئة العشر جنيهات. و25 جنيها على شريحة المحمول الجديدة، و125 قرشا على اللتر من زجاجة المياة الغازية. و75 قرشا زيادة على علبة الكانز، إلى جانب الزيادات فى أسعار الزيت، والشيبسى، والأسمنت، والحديد، وأتوبيسات المحافظات المكيفة. بينما فى ذات القرارات يعفى الرئيس الآلات والمعدات الخاصة بالمصانع من ضريبة المبيعات نهائيا.

 

●●●

 

والحقيقة أن خطورة هذه القرارات التى أجلها الرئيس لحين تهدأ عاصفة الدستور، متحينا أول فرصة لإعادة العمل بها، إلى جانب ما سبقها من قرارات أخرى رفعت بها الحكومة منذ أيام قليلة أسعار الكهرباء على جميع الطبقات، فيما عدا المعدمة فقط. وزادت من أسعار أسطوانات البوتجاز حتى التى يحصل عليها أصحاب البطاقات التموينية. وما صاحبها من زيادات فى أسعار الغاز للمنازل. خطورة هذه القرارات أنها تكشف سريعا عن انحيازات النظام الحاكم. وتكشف أكثر حقيقة غياب الخريطة الاجتماعية تماما عن أعين متخذ القرار. الذى على ما يبدو ينظر إلى كل من تجاوز مرحلة البقاء على قيد الحياة باعتباره ليس من محدودى الدخل، وبالتالى لا تجوز عليه رحمة قلوب الحكام. بينما رحمة أهل الحكم شملت من تعدوا كل خطوط الغنى. فنجد فى أهل الحكم من يذرف الدمع على المضاربين فى البورصة خوفا عليهم من فرض أى ضريبة تمس أرباحهم الخيالية. بينما لا يستحى نفس هذا الفريق فى فرض ضرائب مبيعات على الزيت الذى أى مساس بأسعاره يعنى ضرب وجبات الفول والطعمية، والباذنجان، والكشرى فى مقتل. وما أدراك ما الفول والكشرى والباذنجان عند الفقراء.

 

ولم يعد غريبا أن تغض الحكومة بصرها تماما عن عدم تسديد رجال الأعمال من أصحاب المصانع كثيفة الاستخدام للطاقة لقيمة الزيادات الطفيفة التى قررتها الحكومة على أسعار الغاز المدعم الذى يحصلون عليه.  وبدلا من أن تفرض غرامات تأخير على الشركات لعدم التزامها، لمدة عام كامل إبتداء من يناير الماضى بسداد مستحقات الدولة. نجد المسئولون يعلنون بصدر رحب على أنه هناك تفكير فى تأجيل السداد، ومحاسبتهم من العام المقبل. فى نفس الوقت نجد ان الرئيس يوقع على قرار، من ضمن القرارات المؤجلة مؤقتا، بتشديد العقوبة المالية على الباعة الجائلين، وزيادة مدد حبس المخالفين منهم من ثلاثة أشهر إلى ستة اشهر. نفس الشىء الرئيس يصدر قرارا بزيادة ضريبة المبيعات على السجاير، وبعض المكيفات مثل المعسل وهى السلع التى يعتمد عليها الفقراء كعلاج من ضيق الحال، بينما يعفى جميع الآلات والمعدات لمصانع رجال الأعمال من ذات الضريبة.

 

وبصرف النظر عن أضرار هذه السلع على صحة المصريين والتى لا علاقة لها إطلاقا بزيادة أسعارها، فمن المؤكد أن مسئولا واحدا لم يراجع طبيعة التركيبة الطبقية التى ستتأثر بتلك الزيادات.

 

فهل يعرف السيد الرئيس أن ما يصرفه المواطن الأمى، الذى هو غالبا من أقل الشرائح الاجتماعية، من دخله أكثر مما يصرفه صاحب الشهادة الجامعية أو فوق الجامعية وغالبا ما يقع فى الشريحة الأعلى اجتماعيا. الأول يصرف ما نسبته 5.4% من انفاقه على هذه المكيفات، بينما الثانى ينفق 1.4% فقط على ذات السلع. والأخطر أن المواطن الذى يبلغ دخله الشهرى أقل من 200 جنيه فى الشهر زادت نسبة إنفاقه على السجاير والمكيفات من 2.2% إلى 4.4% من إنفاقه خلال العامين الماضيين بالرغم من ضيق ذات اليد.

 

ولا أدرى ما إذا كان الرئيس قد انشغل بمعرفة مدى تأثير رفع أسعار الزيوت والدهون بمقتضى القرارات الأخيرة على محدودى الدخل، الذى يقول المتحدث باسم القصر الرئاسى أن القرارات المؤجلة جاءت من أجلهم. فنسبة ما يصرفه العاملون فى القطاع غير الرسمى، وهم الأكثر فقرا على الزيوت والدهون تبلغ 3.4%. بينما هذه النسبة لا تزيد على 2.4% لهؤلاء الذين يعملون فى القطاع الخاص والاستثمارى.

 

وهل وصل إلى أسماع سيادة الرئيس أن ارتفاع أسعار الكهرباء والغاز التى دخلت حيز التنفيذ سوف يدفع الثمن الباهظ لها «محدودى الدخل» أكثر كثيرا من «مرتاحى الدخل» حيث إن نسبة ما يصرفه الفلاحون والعمال والصيادون على الكهرباء والغاز أكبر مما يصرفه المديرون وكبار المسئولين تبعا للبيانات الرسمية لجهاز الإحصاء عن بيانات آخر بحث للدخل والإنفاق. وهل أطلعك أحدهم يا سيادة الرئيس على أن هناك موجة تضخمية قادمة لا ريب فيها من جراء استعداد السوق، وترقبه للقرارات المؤجلة، والتى ستدفع بعدد من السلع نحو القفز إلى مستويات أسعار لا يعلم إلا الله مداها، فى ظل نظام سوق تتوحش فيه الأسعار والتجار.

 

ألم يقل لك أحد ياسيادة الرئيس أن مجرد رفع أسعار السجاير، والزيت والحديد والأسمنت وأتوبيسات المحافظات ورسوم سيارات النقل وغيرها سوف يرفع أسعار الميكروباص، والتوك توك، والتاكسيات، ومطاعم الفول والطعمية، والخضر والفاكهة، وما خفى من سلع كان أعظم. وعندها سنقرأ توقيع لمواطن عادى على قصر الاتحادية أنتخب الرئيس مرسى وجاء ليكتب له على الجدران «أنها المرة الأخيرة».

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات