يوميات الناس مع صندوق النقد - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 10 مايو 2024 12:10 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

يوميات الناس مع صندوق النقد

نشر فى : الأحد 17 مارس 2013 - 9:35 ص | آخر تحديث : الأحد 17 مارس 2013 - 9:35 ص

صندوق النقد فى الطريق إلينا، يعلنها الدكتور أشرف العربى وزير التخطيط والتعاون الدولى منذ أيام. فيرد الصندوق ليس بعد، ويكتفى المسئولون بالصندوق بإرسال خطاب شديد اللهجة، يطالبون فيه الحكومة بسكب مزيد من المرارة على الكأس الذى يتعين على المصريين أن يتجرعوه. من خلال فرض إجراءات اقتصادية أكثر قسوة. ويزيدون على ذلك شرطا، وهو التوافق السياسى والمجتمعى بين أطياف القوى المختلفة على هذا الشراب المر، بما يضمن استقرار النظام. واكتفى المسئولون بالصندوق بعرض قرض طارئ قدره 750 مليون دولار، بدلا من 4.8 مليار دولار الذى تتفاوض عليه مصر. فترفضه الحكومة حفاظا على ماء الوجه المتبقى لديها.

 

•••

 

إذن الصندوق غاضب لن يأتى إلا إذا تحقق الاستقرار السياسى، وعدلت الحكومة من برنامجها «للانطلاق الاقتصادى» كما أسمته، وانطلقت فى انصياعها للصندوق أكثر فأكثر. وفجأة يعلن الصندوق أنه قادم إلى مصر، مبشرا بمفاوضات جديدة تبدأ اليوم. وهذا معناه إما أن الصندوق تغاضى عن شرط التوافق المجتمعى واعتبره شرطا هامشيا. وإما أن الحكومة وافقت على إضافة مرارة للكأس الذى سيشربه المصريون. أما بالنسبة لنا فمجىء الصندوق يعنى أننا سنكمل تجرع الكأس الذى بدأ بقرار خفض سعر الجنيه، الذى أقدمت عليه الحكومة كمقدمة لخطب ود الصندوق. فكانت نتيجته المباشرة أن يتكبد الملايين من الفقراء ومحدودى الدخل، بل والأسر المستورة ثمنا باهظا له. ومن جراء هذا الثمن خرج عدد لا بأس به من الأسر من سوق استهلاك جانب كبير من السلع. خصوصا أن هذه الأسر صدمتها، منذ شهور قليلة، قفزة فى تكلفة بند التعليم، وبند الكهرباء والبوتاجاز والغاز، بدرجة غير مسبوقة. وصلت فى البند الأول إلى 11% سنويا فى يناير من العام الحالى. بينما وصل الارتفاع فى بند الكهرباء والبوتاجاز إلى 34% سنويا. كأول باكورة لسياسات تخفيض الدعم على الطاقة.

 

إذن الصندوق قد انغمس فى كل مفردات الحياة اليومية للمصريين بفضل نصائحه. ولم يعد عقد اتفاق معه سياسة تستأثر بها الحكومة، دون أن يكون المواطن المكتوى بنار الصندوق حاضرا، بل وفاعلا فى اتخاذ كل خطوات الاتفاق.

 

فالمصريون منذ أن يستيقظوا من النوم سوف يصدمهم وجه الصندوق الذى ينصح بترشيد الدعم على السلع الغذائية، فتحول الحكومة هذه النصيحة إلى جعل نصيب الواحد فى الأسرة ثلاثة أرغفة فى اليوم. فيفطر بعض من أفراد الأسرة بالأرغفة المتاحة، ويتصرف الآخرون على نحو آخر. الصندوق سيكون حاضرا مع المصريين عندما يشترون أنبوبة البوتاجاز، ويركبون الميكروباص، ويشترون الخضار.

 

وربما يكون غضب الصندوق فرصة أخيرة أمام الحكومة لكى تغير من برنامجها للانطلاق الاقتصادى. وتعقد حوارا مجتمعيا حقيقيا مع كفة المجتمع الأخرى، الغائبة عن مواقع صنع القرار. فهناك فى مصر قوى اجتماعية، تنبض الآن بالحيوية. تنخرط فى نقابات مهنية، وعمالية، وفلاحية، ومراكز حقوقية، تدافع عن الحق فى التعليم، والأرض، السكن، والصحة. ولجان شعبية تدافع عن أحيائها ومدنها. وهذه القوى تملك خيالا رحبا أوسع بكثير مما يملكه المنغمسون فى أوساط دوائر رجال الأعمال، ومديرى المؤسسات المالية، والعاملين فى أسواق المال. الذين كان يدور معظمهم فى فلك حكومات الثلاثى عبيد، ونظيف، والجنزورى.

 

•••

 

هؤلاء يستطيعون بجلسة مجتمعية من إياهم، أن يسقطوا بعض الإجراءات عن كاهلهم. مثل ما كان يقترحه البعض من رفع للحد الأقصى للضرائب على أرباح الشركات إلى 30%. أو فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية التى يحققها المتعاملون فى البورصة، من بيع أسهمهم. بل إنهم لا يزالون يبذلون كل مساعيهم الحميدة وغير الحميدة، لدى الحكومة للتنصل من فرض دمغة نسبتها واحد فى الألف على عمليات البيع والشراء فى البورصة. يعنى المستثمرون فى البورصة يرفضون أن يدفعوا 1000 جنيه عن كل مليون جنيه، يتعاملون بها فى سوق المال. بينما لا يجد أحدهم أى غضاضة على أن يعيش موظف 30 يوما هو وأولاده بمرتب 1000 جنيه، ويدفع عنه ضريبة 10%. هذا لو صدقت الحكومة فى قولها، ورفعت حد الإعفاء الضريبى إلى 12 ألف جنيه فى السنة، كما جاء فى برنامجها الانطلاقى. أما الآن فمازال من يتقاضى 750 جنيها شهريا يدفع 10% ضريبة.

 

ولذلك لم يعد مستغربا أن تستجيب الحكومة لمزاعم رجال الأعمال، حول عدم مناسبة التوقيت لفرض ضريبة تصاعدية على أصحاب الدخول الفضفاضة، لأن ظروف العمل غير مواتية. ولأن معظم الشركات تتعرض لخسائر. بالرغم من أن مثل هذا الحديث يدحضه الواقع. ويمكن لأى مواطن يجيد القراءة والكتابة وبنظرة عابرة على ميزانيات الشركات المنشورة، أن يكتشف زيف ما تتغاضى الحكومة عنه.

 

 فإذا كانت هناك بعض الشركات فى مجالات بعينها، قد طالتها بعض الخسائر، فإن الكثير من الشركات قد زادت أرباحها العام الماضى، بأكثر مما حققته فى عام الثورة. وليس بعيدا عن ذلك ما نشر من أن شركة سوديك والتى كانت تخسر فى عام الثورة، حققت أرباحا فى العام الماضى، وصلت إلى 250 مليون جنيه. وكذلك فعلتها شركة طلعت مصطفى التى وصلت ارباحها إلى 545 مليون جنيه. وحتى شركات الإسمنت التى ظلت تصرخ بأن زيادة أسعار الطاقة سوف تدفعها إلى الخسارة، قد حققت هى الأخرى فى معظمها أرباحا، وصلت فى حال شركة السويس للإسمنت إلى 542 مليون جنيه. وكانت الأرباح هى السمة الغالبة لشركات الصناعات الغذائية مثل ما حققته شركة يونيفرت من ربح بلغ قدره 287 مليون جنيه. بل إن بعض الشركات حققت زيادة فى أرباحها وصلت إلى 590% مثل الشركة السعودية المصرية للاستثمار.

 

•••

 

وإذا لم يكن أحد يريد أن يكلف نفسه ويراجع ميزانيات الشركات المنشورة فلا بأس، فليحتكم لما أعلنه رئيس مركز كبار ممولى الضرائب مؤخرا من أن هناك تحسنا فى مؤشرات الأرباح لعدد من القطاعات الاقتصادية. حيث حدثت طفرة فى نشاط شركات الاتصالات، والشركات العاملة فى القطاع المالى، وإنتاج الحديد، والإسمنت لترتفع مساهمتها فى حصيلة الضرائب بنسب تصل إلى 30%. ويزيد من تأكيد ذلك ما يتوقعه عدد من العاملين بمجال إدارات البحوث فى شركات الوساطة المالية من أن متوسط النمو فى ارباح الشركات العام المقبل قد يصل إلى 25%.

 

فإذا كانت هذه الشركات وغيرها قد حققت أرباحا فى ظل أوضاع سادت فيها حالات قطع الطرق، وغلق لموانئ، وتعطيل لقطارات وسيارات من جانب فئات لها مطالب اجتماعية (3817 احتجاجا فى العام الماضى). فما بالك لو عاد الهدوء إلى الفئات الغاضبة، والمهضوم حقوقها. وهو الأمر الذى لا يعد مستحيلا، لو أنصتت الحكومة لغير من تسمع منهم.

 

فهل تعلم الحكومة أن زيادة طفيفة فى استهلاك الفئات المحرومة نسبتها لا تتعدى 1% فقط، يترتب عليها تخفيض فى وقع الفقر (مؤشر عدد الفقراء) بنسبة تصل 2.7% فى المناطق الحضرية، وفى الريف بنسبة أقل قليلا. وهل يهتم مسئول حكومى واحد عن البحث فى سبل تقليل الفجوة فى المستويات الاجتماعية، باعتبار أن التفاوت فى توزيع الدخل بنسبة لا تتعدى 1% كفيل وحده بزيادة مؤشر الفقر فى الحضر، بنسبة 3.46%. إلا ان هذه النسبة فى الريف تتأثر بدرجة أقل. حيث يرفع التفاوت فى الدخل مؤشر الفقر بنسبة 1% فقط. كما أكدت عليه دراسة للدكتورة هبة الليثى استاذ الإحصاء بجامعة القاهرة.

 

وربما هذا يصلح تفسيرا (ضمن غيره من الأسباب) لكون ثورة يناير اندلعت من مدن كالقاهرة والإسكندرية والسويس. حيث تجلى التفاوت الاجتماعى فى المدن بأكثر كثيرا من الريف. بالرغم من أن نسبة الفقر فى الريف، وخاصة فى الوجه القبلى يزيد كثيرا عن المدن (51%). إلا أنه يبقى غياب العدل فى توزيع ثروة المجتمع على خلق الله، كان حاضرا بقوة فى الثورة. وهو ما لم يراه معدو برنامج الانطلاق الاقتصادى

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات