أردوجان فى القاهرة .. زيارة موجعة - جميل مطر - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 7:58 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

أردوجان فى القاهرة .. زيارة موجعة

نشر فى : الأحد 18 سبتمبر 2011 - 8:00 ص | آخر تحديث : الأحد 18 سبتمبر 2011 - 8:00 ص

حضر أردوجان، رئيس وزراء تركيا، إلى القاهرة يحيط به حشد كبير من المستشارين والمساعدين، فى زيارة أعرف أن الإعداد لها فى أنقرة استهلك وقتا طويلا واستخدم جهدا كبيرا. وأعرف أن الإعداد لها فى القاهرة لم يستهلك وقتا أو استخدم جهدا. أعرف أيضا أن النتائج المتوقعة منها تجاوزت حدود الطموحات العادية لدولة مثل تركيا، وهى التوقعات التى جعلت معظم عواصم الغرب وكذلك طهران وبكين وموسكو تعيد النظر فى حساباتها وتقديراتها لاحتمالات تطور نظام توازن القوى الإقليمى.

 

 

أذكر أنه فى لقاء مع أستاذة مرموقة متخصصة فى شئون الشرق الأوسط وسياسات تركيا الخارجية ومع زملاء لها ليسوا أقل شأنا، لاحظت المدى البعيد الذى يذهب إليه مفكرون وأكاديميون فى وضع تقديراتهم لمستقبل تركيا فى الشرق الأوسط، ومن خلاله مستقبل الشرق الأوسط بأسره وعلاقته بالولايات المتحدة وأوروبا. علقت حينها بالقول إن بعض المسئولين الحاليين يرسمون خطط تركيا المستقبلية على قاعدة تاريخية قد يثبت الوقت والسلوكيات العربية أنها ليست بالضرورة القاعدة المناسبة والمفيدة.

 

يتصورون، وهو التصور الذى يدركه كل مجرب عربى يتردد على أنقرة واستانبول، أنه بما أن عرب اليوم هم أحفاد عرب القرن السابع عشر وعرب مطلع القرن العشرين فهم لا يختلفون عنهم. عرب اليوم لهم حكام من بينهم، ويعيشون فى دول لها أعلام ترفرف على مدخل الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وشركات طيران تحمل اسمها ويتمتعون، ولو شكليا، بالسيادة والاستقلال. هؤلاء العرب يختلفون عن العرب الذين كانوا خاضعين للسلطة العثمانية حين كانت تركيا العثمانية تعتبرهم رعايا وتتعامل معهم على هذا الأساس، إلى أن جاء أتاتورك وقامت تركيا الحديثة وقررت الحكومات التركية المتعاقبة أن يكون تعاملها مع العرب من خلال القوى الغربية المهيمنة على الشرق الأوسط، تساعدها فى تثبيت هيمنتها وتشترك معها فى قمع شعوب المنطقة ومناهضة الحركات القومية المناهضة للاستعمار.

 

بمعنى آخر، لم تثبت تركيا، خلال معظم مراحل القرن العشرين، أنها صديق للعرب، وأظن أنها لم تفهم جيدا حقيقة وعمق التغيرات التى طرأت على العالم العربى.

 

يومها قلت للأستاذة المتخصصة فى شئون المنطقة، حذار من تبسيط النظرة إلى العرب، حذار من أن تسيطر على ممارساتكم مع العرب النظرة الاستعلائية العثمانية، حذار من أن تعودوا فى شكل وكلاء أو عملاء للغرب أو لغيره، وحذار من إشعال نيران الدين سواء لمناهضة دوره فى السياسة أو بالعكس تفضيلا لدوره فيها. وأظن أننى قلت إن مسيرتكم القادمة فى بلاد العرب لن تكون هادئة وميسرة كمسيرتكم فى أفريقيا وآسيا الوسطى، فالعرب تدربوا على فنون استدراج الأجانب ليلعبوا أدوار الوساطة والحماية فى المشكلات القائمة بين الدول العربية. والأتراك غير غافلين خاصة أنهم كانوا من بين الأمم التى برزت فى ممارسة هذه الفنون فى الدبلوماسية وبفضلها عاشت الإمبراطورية العثمانية قرنا إضافيا بعد أن انتهت صلاحيتها فى القرن الثامن عشر.

 

 

حضر أردوجان وتمت الزيارة وليته ما حضر وليتها ما تمت. تعلقت بها عيون العالم وآذانه. كانت التوقعات متنوعة وهائلة. وفى غمرة الانبهار بمواقف الرجل من إسرائيل نسى الجميع أن مصر غير جاهزة لهذه الزيارة، وربما تجاهلوا أن عدم «جهوزية» مصر قد يفسد الزيارة ويتسبب فى نكسة للعلاقات التركية المصرية.. وللحق يجب القول أنه كان قد تردد أن مصر حاولت من جانبها فى الأيام الأخيرة السابقة على الزيارة تأجيلها إلى ما بعد عقد الانتخابات وتشكيل حكومة جديدة وأن المسئولين الأتراك رفضوا التأجيل. وحين أقول إن مصر لم تكن جاهزة، أقصد أن مصر كانت وما زالت، فى أحسن الأحوال، دولة متوقفة عن ممارسة الأداء، أقول متوقفة ولا أقول عاجزة.

 

تقرر كافة المعلومات وتؤكد أن العناصر البشرية اللازمة موجودة ولاتزال فى مواقعها، فالجهاز الدبلوماسى بخير، ولايزال حسب معلوماتى قادرا على إعداد برنامج زيارة رئيس دولة أجنبية، كأفضل ما تكون البرامج. ومع ذلك بدا واضحا للأتراك، وللكثير من المراقبين عن قرب، أن برنامج الزيارة كان مهلهلا ومفككا، وفى أكثر من مناسبة ظهر التنظيم عشوائيا وتدخلت أجهزة حكومية أخرى فيما لا يعنيها وبخاصة فى الجانب الفنى للزيارة ولا أستبعد أن تكون الخارجية المصرية قد أعربت عن غضبها بشكل أو بآخر.

 

 

كنا على امتداد الأيام الأخيرة نناقش ما إذا كانت قوى الأمن المصرية تتعمد الانزواء والغياب، أم أنها بالفعل مشتتة الجهود وفاقدة القيادة. كانت أحداث يوم الجمعة التاسع من سبتمبر شهادة استند إليها طرفا النقاش، طرف يؤكد أنها دليل تواطؤ أو رغبة فى تشويه صورة الثوار وتخريب الثورة، وطرف يؤكد أنها دليل عجز كامل وعدم قدرة على حفظ أمن سفارة أجنبية ومبانٍ تابعة لأمن محافظة الجيزة والحدائق والمنشآت العامة، وأن هناك فى أحياء القاهرة والمدن الأخرى من سرقات السيارات واعتداءات المجرمين وذوى السوابق على الجماهير، ما يشير إلى أن مصر تعيش بدون ضمانات أمنية كافية، أو أنها بالفعل تمر فى مرحلة انتقالية، هى فى الواقع أقرب إلى هامش الفوضى.

 

لا شك أن هناك من أطلع الأتراك قبل وصولهم على تدهور حال الأمن فى مصر ومع ذلك أصروا على الحضور. كانت الصدمة الكبرى، حسب ما أسر به صديق تركى، غياب الأمن اللازم لتأمين وصول الضيف التركى ومستقبله فى مطار القاهرة. هذا التقصير وغيره مما وقع خلال الزيارة يعتبره قدامى الدبلوماسيين المصريين مهزلة بل فضيحة لم تشهد الدبلوماسية المصرية مثيلا له على امتداد أكثر من ثمانين عاما هى عمر مصر المستقلة.

 

ما أثقله على النفس أن ترى جنودا وضباط أتراك يحملون رشاشات يدخلون مبنى مجلس الوزراء ودار الأوبرا وفندق الفورسيزونس ليتولوا بأنفسهم حماية رئيس حكومتهم. أستطيع أن أفهم هذا الخرق من جانب الأمن التركى ورفضه التعاون مع بعض قادة الأمن العادى، فقد سافر أردوجان من استانبول بعد ساعات من انتخابات سقط بسببها ضحايا فى عملية وصفت بأنها إرهابية، من ناحية أخرى، وصل أردوجان إلى القاهرة فى أعقاب فوضى عارمة فى القاهرة راح ضحيتها كثيرون بسبب فقدان الأمن.

 

 

أخطأ المسئولون المصريون أخطاء فادحة. وفى ظروف أخرى كنت أتوقع أن يجرى تحقيق مع جميع الأجهزة التى يتصل عملها باستقبال الضيوف الأجانب وترتيب برامج الزيارات وتوفير الأمن اللازم وضمان التنسيق بين كافة الأجهزة المعنية وكذلك التحقيق مع الأجهزة والشخصيات غير المعنية التى فرضت نفسها على مهمة لا تفهم فيها، أخطأوا لأنهم أساءوا بهذا الإهمال إلى سمعة الدولة، وإلى سمعة الثورة، وإلى مستقبل مصر السياسى ودورها الإقليمى. أخطأوا أيضا لأنهم أساءوا إلى سمعة الدبلوماسية التركية وقوات الأمن التركى المكلفة بحماية رئيس الوزراء، فقد ظهر هؤلاء جميعا فى صورة غير طبيعية لا تليق بدولة تسعى لإقامة علاقة جديدة مع مصر ودول الشرق الأوسط.

 

جاء أردوجان إلى القاهرة وهو يعلم أن مصر الشعب ستستقبله استقبال الفاتحين الأبطال، مدركا أن مصر الرسمية تعانى من مشكلات فى القيادة السياسية وتدفع ثمنا رهيبا بسبب غياب الرؤى. أراد أردوجان أن يقول لواشنطن، عندك حليفان، إسرائيل وتركيا، تعالوا الى القاهرة. ستشاهدون وتشهدون على أى الحليفين له شعبية أكبر فى مصر وأى الحليفين جدير بأن يكون الحليف الأول والأهم.

 

جاء على أمل أن تساعده مصر، التى كانت تغلى بالثورة قبل ساعات من وصوله، رافضة علم إسرائيل وطاردة سفيرها، ليقول للغرب، نحن الأتراك، نتحمل وحدنا وبدونكم، مسئولية السير بالثورات العربية نحو الديمقراطية. جاء لينسق مع مصر سياسة مشتركة فى مواجهة إسرائيل. لم يجد أمنا واستقرارا. وجد فى استقباله أصواتا تطالب بأن يقود أمة المسلمين ويقيم الجامعة الإسلامية، أصواتا لو سمعها الشعب فى استانبول وأنقرة لسقطت حكومة أردوجان على الفور، لذلك جاء رده على هذه الأصوات سريعا ورادعا وموقظا، أعاد التأكيد على أن النظام التركى علمانى وحزبه «الإسلامى» ملتزم العلمانية.

 

 

أخطأ مصريون كثيرون، مسئولين وحزبيين وإعلاميين. لم نقدر الزيارة حق قدرها ولم نستعد لها وتعاملنا مع تركيا ونظامها وأردوجان كما نريد أن نراهم وليس كما هم فى الحقيقة. لم نكن على المستوى اللائق، ولم يكونوا على المستوى المأمول.

جميل مطر كاتب ومحلل سياسي