انتبهوا أيها السادة - محمد عبدالمنعم الشاذلي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 2:46 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انتبهوا أيها السادة

نشر فى : الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:35 ص | آخر تحديث : الجمعة 17 أكتوبر 2014 - 8:35 ص

دخلت مصر عصر الحداثة والتنوير فى أوائل القرن التاسع عشر وكان أبرز أدواتها فى ذلك الإعلام منذ أن أدخل محمد على المطبعة وأصدر جريدة الوقائع. ثم تتابع صدور الصحف التنويرية مثل الرسالة والهلال والأهرام التى استعانت بأبرز كتاب ومفكرى العصر محمد حسن الزيات وطه حسين والعقاد فصارت الصحف المصرية كعبة يصبو إليها كل من سعى للعلم والتنوير. ثم جاء دور الإذاعة ثم التليفزيون وصارت منظومة الإعلام المصرى تقدم الخبر إضافة إلى جرعة ثقافية وترفيهية جميلة وجذابة.

وساعد ذلك الإعلام المصرى على الحفاظ على جمهوره العربى فى أقصى لحظات الخلاف السياسى وعندما وقع إعلام مصر فى فخ المبالغة والتهويل والإساءات الشخصية للزعامات العربية فمن نفر من هذا الاتجاه ظل منجذبا إلى راديو مصر من أجل البرامج الثقافية والترفيهية الرائعة مثل لغتنا الجميلة لطه حسين وغواص فى بحر النغم لعمار الشريعى وروائع المسرح العالمى التى قدمها البرنامج الثانى فضلا عن الدراما الإذاعية التى قدمت أروع إنتاج أدباء مصر فى مسلسلات رائعة. فكان الإعلام المصرى كالمطبخ الذى يقدم وجبة شهية غنية بجميع العناصر الغنائية والمتابع للإعلام المصرى الذى يقارن بين ما كان وما صار لابد أن يصاب بغصة شديدة ويشعر بقلق على مستقبل المواطن الذى يشكله الإعلام وصورة مصر ومكانتها لدى الغير.

•••

ولعل أولى السلبيات المرصودة هو تدنى اللغة واتجاه بعض الصحف إلى استخدام العامية فى الكتابة وخلافى هنا ليس عداء أو نفورا من العامية فإمارة الشعر لم تثن أحمد شوقى عن كتابة «النيل نجاشى» ومسرحية «الست هدى» بالعامية ولكن خلافى هو مع من يشوهون العامية بألفاظ فجة وممجوجة لم نر مثلا لها فى روائع صلاح جاهين الزجلية والغنائية التى أطربتنا وأسعدتنا.

والأمر الثانى هو اختلال عناصر الوجبة الإعلانية فالإعلام كالغذاء إذا اختلت موازين عناصره أصبح ضارا بالصحة والبدن ويمكن القول أنه كما يوجد فى الغذاء كما يقولون بالإنجليزية Junk Food فإنه أيضا يوجد فى الإعلام Junk Media ولعل من إبراز عناصر الخلل فى موازين الجرعة الإعلامية ما حدث مؤخرا من ضجة واحتجاجات بعد مطالبة البعض بإلغاء مسابقة أعلنت عنها إحدى القنوات الفضائية واسعة الانتشار فى الرقص الشرقى وبين الصمت التام وانعدام رد الفعل تجاه إلغاء بث قناة المنارة من باقة قنوات النيل الرسمية وهى القناة الوحيدة المخصصة للبحث العلمى والتكنولوجيا رغم وجود عدد من القنوات العربية المخصصة للرقص الشرقى ولا توجد سوى قناة المنارة مخصصة للبحث العلمى، ولو نظرنا إلى الميزانية المخصصة لقناة البحث العلمى وتلك المخصصة لمسابقة الرقص الشرقى لوجدنا عجبا.

سكتنا على إلغاء قناة المنارة كما سكتنا على إلغاء باب أخبار العلم بعد وفاة صلاح جلال وسكتنا عن إلغاء برنامج عالم البحار الذى قدمه يوسف جوهر وإلغاء برنامج عصر الفضاء الذى قدمه المهندس سعد شعبان وبرنامج العلم والإيمان للدكتور مصطفى محمود والبرنامج العلمى الجميل الذى قدمه الدكتور يوسف مظهر فانتهى الإعلام العلمى من حياتنا، وكانت النتيجة أن الإنجاز العلمى الرائع الذى حققته الهند بإدخال مركبة فضاء إلى مدار المريخ منذ أول محاولة وهو أمر لم تحققه الولايات المتحدة ولا روسيا لم يحظ إلا بأربعة أسطر فى وسائل الإعلام.

•••

لعل من أكثر الأقوال تشخيصا لحالة الإعلام ما قاله أحد ضيوف واحد من البرامج الرزينة إن المشكلة تكمن فى أن الإعلام صار تابعا للإعلان فسيطر الدافع التجارى على الإعلام. ويكفى للتدليل على ذلك مشاهدة إعلانات الأفلام المقرر عرضها فى عيد الأضحى والتى تدور كلها حول راقصات يرقصن رقصات لا يمكن وصفها إلا بالفجاجة والبذاءة على أنغام أغانٍ شعبية لا تقل عنها إسفافا.

البرامج الرياضية أصبحت برامج كروية لاستئثار كرة القدم بجل اهتمامها وأصبح المشاهد يعرف اسم أصغر لاعب فى فرق مصر وأوروبا بينما لا يعرف أحد أسماء أبطال مصر فى ألعاب القوى والسباحة أو أرقامهم القياسية وتحولت البرامج الرياضية إلى ساحة للتلاسن وتبادل الاتهامات بين رؤساء النوادى والاتحادات الرياضية واللاعبين والمدربين.

أما ثالثة الأثافى فهى البرامج الحوارية أو ما يطلق عليها Talk Show التى يتبارى مقدميها فى استثارة المشاهد والتهجم على ضيوفهم والخروج عن حرفة الإعلامى المفروض حياديته، والخروج على مظهر ووقار المهنة. فنجد مذيعين ومذيعات حاصلين على أعلى الشاهدات الاكاديمية لا يتورعون عن الرقص مع ضيوفهم ولكن ويلا لهذا الضيف إذا أخذ موقفا معاكسا فنصيبه التطاول والتجرع، ثم ما لبث الموقف المعاكس أن اختفى إذا أحجم الضيوف المعاكسون عن الظهور.

ولم يكتف معبر مقدمى البرامج بلك بل رحوا يجرحون الدول الصديقة والكبرى دون مراعاة للحرفية واللياقة أو حتى الأدب.

كانت النتيجة أن فقدت مصر ريادتها الإعلامية وأصبحت تشكو وتعانى من منافسة قناة الجزيرة القطرية. وولت أيام كان مقال فى الأهرام أو برنامج فى صوت العرب يكفى لهز أركان أى دولة فى المنطقة. ويمكن القول إن صوت العرب كله له دور كبير فى إسقاط حلف بغداد ومشروع ايزنهاور ومن ثم كانت الإذاعة المصرية من الأهداف المرصودة فى الاعتداء الثلاثى عام 56. لعلى أكرر هنا عنوان فيلم مصرى ظهر فى الثمانينيات وأقول «انتبهوا أيها السادة» إعلام مصر فى خطر، صوت مصر فى خطر عقل ووجدان مصر فى خطر.

•••

لقد قدم الإعلامى المصرى فى فترة أجمل وأكمل ما فى مصر ولعله كان مبالغا فى ذلك بإغفال السلبيات ولكننا الآن أصبحنا نقدم أقبح وأبشع ما فى مصر بكثير من المبالغة وحرص غريب على تشويه ايجابيات الماضى فأصبح المصرى فى الدراما التى نقدمها إما بلطجيا فجا أو مهرجا أهطل أو مرتشيا فاسدا.

لعله قد آن الأوان لتحرير الإعلام من سطوة الإعلان وأن نعيد التوازن إلى إعلامنا بمكوناته العلمية والثقافية والاقتصادية والسياسية والترفيهية، ونعيد الوقار والرزانة إلى لغة خطابنا الإعلامى قبل أن يؤثر الانحدار الإعلامى على مكانة الإعلام المصرى بل على مكانة مصر ذاتها إقليميا ودوليا.

محمد عبدالمنعم الشاذلي عضو المجمع العلمي المصري
التعليقات