الإعجاب بتركيا.. لماذا؟ - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 8:37 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإعجاب بتركيا.. لماذا؟

نشر فى : الإثنين 18 يناير 2010 - 10:20 ص | آخر تحديث : الإثنين 18 يناير 2010 - 10:20 ص

 لا شىء يثير الشفقة على العالم العربى قدر ما يظهره من إحساس شديد بالحاجة إلى من يتخذ فى قضاياه وقفة جادة، تعيد إليه كرامته ومكانته، التى تراجعت بشدة، فى مواجهة الصلف الإسرائيلى. وقفة تلم شتاته وتعيد زمام المبادرة إليه.. ونحن نرى مظاهر الإعجاب والتصفيق التى اجتاحت الرأى العام العربى، وهو يرقب الأسلوب الذى تعاملت به تركيا مع إسرائيل. حين أساء نائب وزير الخارجية الإسرائيلى استقبال السفير التركى فى تل أبيب، وتعمد إهانته أمام عدسات التليفزيون، «فلطعه» أمام مكتبه ثم أجلسه على مقعد «أوطى» من المقعد الذى جلس عليه، ورفض أن يمد يده إليه بالتحية.. لم تقبل تركيا هذا السلوك المهين من نائب الوزير الإسرائيلى، وهددت بسحب سفيرها فورا إذا لم تقدم الحكومة الإسرائيلية اعتذارا كافيا.

كان سبب استدعاء السفير التركى إلى مقر الخارجية الإسرائيلية، الاحتجاج على مسلسل تليفزيونى تركى يصور عناصر المخابرات الإسرائيلية وهم يخطفون الأطفال. مما أثار ثائرة ليبرمان وزير الخارجية وزعيم الحزب الفاشى «إسرائيل بيتنا». ولكن أسلوب الصلف والخروج على اللياقة فى معاملة السفير التركى لم يمر ببساطة وتناقلته الفضائيات الأوروبية والعالمية دليلا على ما وصلت إليه الدبلوماسية الإسرائيلية من انحطاط. وجاء الإنذار التركى ليعيد الصواب إلى رأس تل أبيب، التى سارعت بالاعتذار للسفير التركى وللحكومة فى أنقرة.

مثل هذا التصرف الذى جعل إسرائيل تنبطح على وجهها اعتذارا وأسفا أمام تركيا، هو نتيجة للسياسات الصارمة التى انتهجتها تركيا فى ظل حكومة أردوغان، التى تقوم على توطيد مكانتها فى محيطها الاقليمى. تحقيقا للاستقرار والأمن سواء فى منطقة البلقان أو فى جوارها القريب فى الشرق الأوسط. ومن ثم فقد شهدت العلاقات التركية مع إسرائيل تطورا ملموسا لصالح تأييد ودعم القضية الفلسطينية، سواء عندما شنت إسرائيل عدوانها وفرضت حصارها على غزة، أو فى رفضها لسياسات إسرائيل المتعنتة إزاء جهود السلام. وفى خط موازٍ طرأ على السياسة التركية تحسن غير مسبوق فى العلاقات السياسية والاقتصادية مع سوريا ولبنان والأردن، وطرحت تركيا نفسها وسيطا لتحقيق تسوية سلمية بين إسرائيل وسوريا. كما اتخذت موقفا عادلا ومعارضا للتهديدات الأمريكية الإسرائيلية ضد إيران وحقها فى تطوير إمكاناتها النووية لأغراض سلمية.. لم تعد تركيا هى شرطى حلف الأطلنطى التابع لأمريكا الذى كانته فى أيام الحرب الباردة، ولكنها فى ظل حكومة أردوغان رسمت لنفسها طريقا ثالثا. وأغلب الظن أن تركيا سلكت هذا السبيل بعد أن ظهر حجم ما تكنه الدول الأوروبية من أحقاد وتحفظات إزاء انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى. وأصبح على تركيا أن تحافظ على حضورها ووزنها فى محيطها الاقليمى الذى تشغله الشعوب العربية والإسلامية.

والملاحظ أن هذه التوجهات الجديدة فى السياسة التركية، لم تقلل من علاقاتها مع إسرائيل، فبعد الأزمة الدبلوماسية بسبب إهانة السفير التركى، كان وزير الدفاع الإسرائيلى يجرى مباحثات عسكرية فى أنقرة لإنجاز صفقة طائرات. ولكن ذلك لم يضعف حتى الآن من التزام تركيا تجاه القضية الفلسطينية، ومن انتقاداتها للموقف الإسرائيلى من قضية السلام.

يحدث هذا فى الوقت الذى يثور فيه جدل عنيف فى مصر حول من له حق الفيتو فى اختيار الرئيس. وهل يكون ذلك رهنا بموافقة أمريكا ورضا إسرائيل؟ وهى القضية التى أثارها الحديث الذى أدلى به مصطفى الفقى، وفتح الأستاذ هيكل حولها نوافذ لتساؤلات عديدة، زادت من عواصف الحيرة والبلبلة التى تحيط بمستقبل الحكم فى مصر.

والمشكلة حتى الآن هى أننا لا نستطيع أن نكون مثل إسرائيل، ولم نحاول أن نكون مثل تركيا.. فعلى الرغم من أننا أعطينا لأمريكا 99 بالمائة من أوراق كل شىء، واعتمدنا اعتمادا شبه تام على المساعدات الأمريكية، اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، وتركنا كثيرا من المفاتيح فى يد أمريكا بعد أن وضعنا مصالحنا فى السلة الأمريكية، إلا أن الانحياز الأمريكى لإسرائيل بقى كما هو، بل أخذ يتضاعف يوما بعد يوم حتى بدا وكأن أمريكا لم يعد لها أدنى تأثير على إسرائيل. بينما تزداد الضغوط على مصر والعالم العربى لتقديم مزيد من التنازلات، بحيث وجد العرب أنفسهم بين فكّى حصار أمريكى ــ إسرائيلى محكم. وخرجت قضية الشرق الأوسط من أيدى العرب أو كادت .

وكذلك لم نستطع ولم نحاول أن نكون مثل تركيا التى نجحت فى الاحتفاظ بدرجة ملحوظة من استقلالية القرار، مع الاحتفاظ بعلاقات قوية مع كل من أمريكا وإسرائيل وأوروبا وإيران ودول الخليج دون أن تتنازل عن مصالحها أو تضحى بدورها ومكانتها بالدرجة التى تجعلها عرضة للابتزاز والتدخل.

والواقع أن مصر لا تستطيع أن تكون مثل تركيا فى قضية الصراع العربى ــ الإسرائيلى بالذات، خصوصا بعد أن تضاعفت مسئوليتها التاريخية والسياسية والأخلاقية منذ وقّعت اتفاقية كامب ديفيد، وسعت جاهدة منذ ذلك الحين إلى إيجاد حل عادل للحفاظ على حقوق الشعب الفلسطينى.

ولكن منذ اللحظة التى حاولت أن تلعب مصر فيها دور «الوسيط» بين إسرائيل والفلسطينيين، غامرت بكثير من نفوذها وحياديتها، فلم ترض هؤلاء الذين يريدون مهادنة إسرائيل، ولا أولئك الذين يعارضونها. وعلى الرغم من إصرار مصر على أنها هى «الوسيط» الذى لا غنى عنه ولا بديل له، فإن دور «الوساطة» كلفها الكثير.. وضعها قريبا من أمريكا ولكنه لم يفض إلى نتائج ملموسة وأوقع السياسة المصرية فى تناقضات عنيفة، انعكست بقوة فى مشكلة غزة وما سببه الحصار لها من معاناة، جذبت تعاطف قوى المجتمع المدنى وبعض قطاعات واسعة من الأوروبيين، وأحدث موجة واسعة من الغضب العالمى، وقفت مصر جامدة وعاجزة عن استغلاله وتوجيهه لمصلحتها فى الضغط على إسرائيل، وفى إكمال المصالحة الفلسطينية. وحتى حين تأزمت العلاقة بين قوافل الإغاثة الأوروبية «شريان الحياة» وغيرها وجدت تركيا نفسها تتدخل لحل الأزمة.

ولذلك لم يكن غريبا أن يتطلع العرب بكثير من الإعجاب والتقدير للطريقة التى تعاملت بها تركيا مع العجرفة الإسرائيلية. وأن تصبح تركيا أردوغان هى المثل الأعلى لشعوب عربية ضائعة!

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات