محاولة لإصلاح العلاقات الأمريكية ــ التركية قبل فوات الأوان - العالم يفكر - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 8:37 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

محاولة لإصلاح العلاقات الأمريكية ــ التركية قبل فوات الأوان

نشر فى : الأحد 18 فبراير 2018 - 10:15 م | آخر تحديث : الأحد 18 فبراير 2018 - 10:15 م

نشرت مؤسسة «Brookings» مقالا للباحثة بمعهد بروكنجز «أماندا سلوت»، الذى يتناول تحليل الزيارات الثلاث التى قام بها كبار المسئولين الأمريكيين إلى تركيا فى الفترة الأخيرة لمحاولة إصلاح العلاقات بين البلدين بعدما توترت بسبب ملف التعاون الأمريكى مع الميليشيات الكردية فى سوريا وتقديم المساعدات الاقتصادية والدعم العسكرى لها، مما أدى إلى قيام تركيا بشن حملة عسكرية فى منطقة عفرين بسوريا.

استهلت الباحثة حديثها بالإشارة إلى الاجتماعات التى انعقدت بين كل من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة الأخيرة؛ فيوم الأحد الماضى اجتمع مستشار الأمن القومى الأمريكى «هربرت ماكماستر» مع نظيره التركى «إبراهيم كالين» فى إسطنبول، كما أجريت محادثات بين وزير الدفاع الأمريكى «جيمس مايتس» ونظيره التركى «نورالدين جانيكلى» فى بروكسل على هامش اجتماع وزراء دفاع حلف شمال الأطلسى. والزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الأمريكى «ريكس تيلرسون» إلى أنقرة لإجراء محادثات مع الرئيس التركى «رجب طيب أردوغان» ووزير خارجيته.

وأشارت الباحثة إلى تعليق وزير الخارجية التركى «مولود جاويش أوغلو» بشأن توتر العلاقات بين البلدين قائلا: «إما إصلاح العلاقات أو إنهاؤها»، كما قال رئيس الوزراء التركى
«بن على يلدريم» «إنه ينبغى على حليف الناتو والشريك الاستراتيجى أن يتخذ قرارا فعالا» وجاءت هذه التصريحات بعد زيارة «ماكماستر» مما يشير إلى أن الاجتماع لم يؤت بثماره.

يعتبر الملف السورى هو أهم القضايا المطروحة فى المباحثات بين البلدين، نظرا لاعتراض تركيا على تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع «وحدات حماية الشعب الكردية» فى الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وذلك بسبب ارتباط تلك القوات بحزب العمال الكردستانى المصنف كجماعة إرهابية فى كلٍ من تركيا والولايات المتحدة الأمريكية. ويبدو أن الهدف الرئيسى للتدخل التركى فى سوريا هو منع قيام دولة كردية مستقلة على طول الحدود التركية الذى من شأنه أن يهدد الأمن القومى التركى.

ومن الجدير بالذكر أن حدة التوترات بين البلدين زادت فى يناير الماضى عندما أعلن مسئولون عسكريون أمريكيون خططا لتدريب 30.000 من وحدات حماية الشعب بالقرب من الحدود التركية. ونظرا لغضب تركيا من هذا القرار أعلن تيلرسون «أن الولايات المتحدة تريد التأكد فقط من أن العناصر المحلية قادرة على توفير الأمن للمناطق المحررة»، وأوضح فى سياق آخر «أن الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا يستهدف محاربة داعش والعمل على تقويضها ومواجهة إيران، فضلا عن تقديم المساعدات للسلطات المدنية المحلية الشرعية لممارسة الحكم فى المناطق المحررة».

ونتيجة لذلك شنت تركيا عملية «غصن الزيتون» ضد الميليشيات الكردية فى منطقة عفرين بشمالى سوريا. كما هددت تركيا بتوسيع عمليتها على بعد 60 ميلا شرقا نحو «منبج»، الذى من شأنه أن يوتر العلاقات مع الولايات المتحدة التى تدعم قوات وحدات حماية الشعب الكردية. كنتيجة لتركيز الحكومة الأمريكية على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية والصراع العسكرى وإيجاد قوات برية قادرة على البقاء لكى تتمكن من القيام بهذا الجهد، كان النهج الدبلوماسى التركى يعبر عن المخاوف الأمنية المتزايدة لدى تركيا بخصوص هذا الشأن. وتعتبر العملية العسكرية فى عفرين تعبيرا عن الإحباطات التركية وتسليط الضوء على التناقضات فى سياسة الولايات المتحدة.

فى اجتماعات هذا الأسبوع، طلب القادة الأتراك من نظائرهم الأمريكيين الوفاء بوعدين. أولهما: الموافقة على الطلب التركى بعدم توفير الأسلحة والتدريب لقوات وحدات حماية الشعب الكردية خشية بأن يعود بالنفع على حزب العمال الكردستانى فى تركيا. وثانيهما: وانسحاب قوات وحدات حماية الشعب الكردية من منبج. وفى ربيع عام2016، اتفقت أنقرة مع الولايات المتحدة على ضرورة عبور مسلحى وحدات حماية الشعب الكردية الموجودين فى مدينة منبج ومحيطها إلى شرق نهر الفرات، رفضت وحدات حماية الشعب المغادرة فتوسعت نحو الغرب، مما أدى إلى قيام تركيا بإطلاق عملية درع الفرات فى أغسطس 2016 لإحباط تلك الجماعة. إن استمرار وجود وحدات حماية الشعب فى منبج من شأنه أن يدفع تركيا إلى شن عمليات عسكرية.

لا شك أن ماكمستر وماتيس، وتيلرسون يتفهمون المخاوف الأمنية التركية وخاصة فى ظل غياب استراتيجية أمريكية واضحة. وأكد المسئولون الأمريكيون على ضرورة أن تحد تركيا من عمليتها، وأن تتجنب وقوع خسائر بين المدنيين، وأن توقف تحركها نحو القوات الأمريكية ووحدات حماية الشعب فى منبج.

ومن غير المرجح أن تلبى الاجتماعات التركية الأمريكية طموحات أنقرة لحل هذه المعضلة السياسية، ويرجع ذلك إلى استمرار المعارك داخل إدارة ترامب حول الصراع التركى ــ الكردى فى سوريا. وظهر هذا الخلاف فى الرسائل العلنية المتناقضة فمن جهته أبلغ الرئيس الأمريكى نظيره التركى أن الولايات المتحدة ستوقف تسليح وحدات حماية الشعب، ووصف مسئولون فى وزارة الدفاع العلاقة مع المقاتلين الأكراد بأنها مؤقتة وتكتيكية، بيد أن المسئولين العسكريين وخصوصا فى القيادة المركزية وقيادة العمليات الخاصة أوضحوا أنه لا نية للتخلى عن الشركاء الأكراد.

على الرغم من ضرورة هزيمة الدولة الإسلامية إلا أنه لا ينبغى أن يكون هذا هو الهدف الوحيد لواضعى السياسات فى الولايات المتحدة، ومن ثم يجب على واشنطن أن تضع استراتيجية أكثر شمولية تعالج تعقيدات القضايا المتقاطعة نظرا للمصالح الأمريكية فى تركيا والمنطقة ككل.
ترى الباحثة أنه لا بد أن تساعد الولايات المتحدة تركيا فى حل مشكلتها مع الأكراد من خلال قيام المسئولين الأمريكيين بحث الحكومة التركية على استئناف محادثات السلام مع حزب العمال الكردستانى التى انهارت فى يوليو 2015 بعد وقف إطلاق النار لمدة 30 شهرا. وإن هذه المعركة مدمرة للسياسات الداخلية التركية، ومكلفة للسكان المدنيين، كما أنها تعيق الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار فى المنطقة. ومن الضرورى أن تدفع الولايات المتحدة حزب العمال الكردستانى ــ من خلال مشاركته مع وحدات حماية الشعب ــ إلى وقف إطلاق النار داخل تركيا، مما يزيل أحد المبررات لاستمرار حالة الطوارئ. وعلی نحو مماثل، ينبغى على وحدات حماية الشعب قطع علاقاتها مع حزب العمال الكردستانى.

يدرك المسئولون الأتراك أهمية هذه الزيارات وإنها محاولة من جانب الولايات المتحدة لإصلاح العلاقات، ومن الجدير بالذكر أن المسئولين الأمريكيين يظهرون قلقهم من انتهاكات تركيا للدستور وقرارات السياسة الخارجية المشكوك فيها، كما أن هناك مواطنين أمريكيين وموظفين تركيين فى القنصليات الأمريكية مسجونين بتهم إرهابية زائفة، فضلا عن خطابها المناهض للغرب والتوترات المتصاعدة فى بحر إيجة فى اليونان وقبرص.

ختاما، تعتبر زيارات واشنطن إلى أنقرة شىء إيجابى، نجد أن مشاركة كبار مسئولى الولايات المتحدة الثلاثة مع نظرائهم الأتراك فى الأسبوع نفسه يرسل إشارة قوية حول الجدية التى تتعامل بها الولايات المتحدة فى هذه العلاقة. ويبدو أن الولايات المتحدة لن تلبى لتركيا كل ما تطلبه، وهى تحتاج إلى تطوير استراتيجية للحكم والأمن فى سوريا لتوفير الاستقرار فى المنطقة بشكل عام، ولكنها ستستمر فى الحوار من أجل بناء الثقة للمضى قدما نحو حل. وفى الوقت نفسه، يجب على المسئولين فى الولايات المتحدة أن يعربوا عن قلقهم إزاء الأعمال التركية التى تسهم فى توتر العلاقات، ويجب على كلا الجانبين العمل معا لإصلاح العلاقة قبل فوات الأوان.

إعداد: زينب حسنى عزالدين
النص الأصلى

التعليقات