الهند.. ومصالحها بين أمريكا وروسيا - قضايا إستراتيجية - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:41 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الهند.. ومصالحها بين أمريكا وروسيا

نشر فى : الخميس 18 مايو 2023 - 7:45 م | آخر تحديث : الخميس 18 مايو 2023 - 7:47 م

نشرت مؤسسة الفكر العربى مقالا للكاتب عدنان كريمة، تناول فيه دور الهند فى الحرب الاقتصادية الحالية بين القطبين الأمريكى والصينى، وكيف تضمن مصالحها.. نعرض من المقال ما يلى:
مع استمرار الحرب الروسيّة ــ الأوكرانيّة فى سنتها الثانية، تُظهر التطوّراتُ أن لا حلَّ قريبا لها. وإذا كانت روسيا تعتبرها حربا دفاعية عن مجالها الحيوى ووحدتها، فإن الغرب يعتبرها دفاعا عن البوّابة الشرقيّة لأوروبا وحلف «الناتو». وتخوض الولايات المتحدة هذه الحرب مدعومة بقوى النظام الرأسمالى العالمى، وخصوصا مجموعة الدول الصناعية السبع، وبقوّة التحالف الأطلسى، حفظا وتعزيزا لتفرّدها بقيادة الاقتصاد العالمى، وتسخيره لخدمة أمنها ومصالحها العليا. وتهدف فى الوقت نفسه إلى احتواء القوّة الصينيّة الصاعدة التى تدعم روسيا وتحجيمها؛ لإدراكها أنّ بكين تسعى بالتنسيق مع روسيا لتعديل موازين القوى الدوليّة، ولديها القدرة العسكريّة والتكنولوجيّة والديبلوماسيّة على ترجمة ذلك، ولاسيّما أنّ «طرقات الحرير الجديدة»، وهو مشروع الصين «الاستراتيجى» المتواصل، لم يعُد مجرّد مشروع اقتصادى، بل أصبح فى رأى واشنطن استراتيجيّة صينيّة لإعادة تشكيل النظام العالمى.
قبل جائحة «كورونا» واندلاع الحرب الروسيّة ــ الأوكرانيّة فى فبراير 2022، أجمعت تقارير عدّة على توقُّع حدوث متغيّرات مهمّة فى مراكز القوى الاقتصاديّة فى العالَم، وترتيب الدول الخمس الأكبر، وفق تطوّرها للعام 2050، ورشَّح تقريرٌ صَدَرَ عن شركة «PWC» ــ وهى مهنيّة مختصّة بالشئون الاقتصاديّة ــ الصين للمرتبة الأولى بحجم اقتصادى بلغَ 58,499 تريليون دولار، بدلا من الولايات المتّحدة التى تتراجع إلى المرتبة الثالثة بحوالى 34,102 تريليون دولار، والهند إلى المرتبة الثانية بحوالى 44,128 دولار، وإندونيسيا إلى المرتبة الرّابعة بحوالى 10,502 تريليون دولار، وبعدها البرازيل فى المرتبة الخامسة بحوالى 7,54 تريليون دولار. لكن بعد الجائحة، واستمرار الحرب الروسية ــ الأوكرانية وتداعياتها، طرأت متغيّراتٌ كثيرة نتيجة الخسائر الكبيرة التى لحقت باقتصادات تلك الدول.
وكان اللافت فى تلك التوقعات، تسجيل الاقتصاد الهندى قفزات متقدمة؛ ففى العام 2017 قفز إلى المرتبة السادسة، بين أقوى اقتصادات العالم متجاوزا الاقتصاد الفرنسى. وعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التى لحقت به جراء تداعيات «كورونا»، تقدم فى العام 2019 إلى المرتبة الخامسة بحجم 2.94 تريليون دولار، متجاوزا الاقتصاد البريطانى الذى سجّل 2.84 تريليون دولار.

انقسام عالمى
مع استمرار الحرب الروسية ــ الأوكرانية واتساع نطاقها، وتراكم تداعياتها، التى تشمل عقوبات متبادلة تطال الدول المتحالفة، يشهد الاقتصاد العالمى انقساما بين تكتليْن كبيرين متنافسين، أحدهما تكتل مجموعة «البريكس» ويضمّ روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا.
أما التكتل الثانى، فهو مجموعة الدول الصناعية السبع بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وتضم ألمانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة. ويعمل كل تكتل على إضعاف التكتل الآخر. وتبرز فى هذا المجال أهمية «الحصار المالى» ضد روسيا، من طرف التحالف المؤيد للعقوبات، والذى يضم غالبية النظام المالى العالمى، ومختلف المؤسّسات الماليّة الرئيسة. كما تبرز قوة «السلاح الروسى» من النفط والغاز والمواد الغذائية. بما يهدد حاجة أوروبا الاستهلاكيّة و«الاستراتيجية» لاقتصادها.
وفى ميزان القوى، لوحظ أن حصة مجموعة «بريكس» فى الاقتصاد العالمى بلغت 31.5%، وهى للمرة الأولى تتجاوز حصة مجموعة الدول السبع الكبار التى بلغت 30.7%، وذلك وفق أحدث مؤشر نقلته مجلة «فوربس» عن معهد «أكورن ماكرو» البريطانى للاستشارات.
وعلى الرغم من موقعها الجغرافى البعيد آلاف الأميال عن المنطقة، انضمت مؤخرا المملكة المتحدة إلى التكتل التجارى بين المحيطين الهندى والهادى الذى يضم اليابان والبيرو والمكسيك وسنغافورة وماليزيا وكندا وتشيلى ونيوزيلندا وأستراليا وبروناى وفيتنام. وفى سياق الإعلان عن هذا الانضمام، حرصت وزيرة التجارة البريطانيّة كيمى بادنوش على تسليط الضوء على الفارق الجلى بين الانتماء إلى الشراكة التجارية لمنطقة المحيطين الهندى والهادى، والانتماء إلى الاتّحاد الأوروبى الذى يتلخّص وفق تعبيرها «بقدرتنا على وضع القواعد واللّوائح وفقا لمعاييرنا». بينما الأعضاء الكبار فى التكتلات يفرضون قواعدهم وأنظمتهم على الآخرين. ولكن يتساءل المراقبون الذين ينتقدون الموقف البريطانى: ما هو موقف دولة تحلق بمفردها خارج السرب، ثمّ تجد نفسها مرغمة على تنفيذ ما يمليه عليها الآخرون؟

دور الهند ومصالحها
فى ضوء التطورات الراهنة واستمرار الحرب الروسية ــ الأوكرانية، ما هو دور الهند فى الحرب الاقتصادية العالمية؟ وهل تستطيع ضمان مصالحها؟
على الرغم من أن الهند تُعد من بين الدول الديموقراطية التى تعتمد النظام الرأسمالى فى إدارة اقتصادها، فهى ثانى أكبر اقتصاد بعد الصين فى تكتل «بريكس»، وقد رفضت إدانة موسكو والعقوبات على روسيا؛ لكنها فى الوقت عينه تحرص على الاحتفاظ بالعلاقات الودية مع المعسكر الغربى، وخصوصا الولايات المتحدة. ولذلك تعرضت مؤخرا لانتقادات شديدة من «مجموعة الدول السبع» التى اتهمتها بعرقلة العقوبات الغربية، لجهة زيادة وارداتها بنحو 25 ضعفا من الخدمات الروسية، وتعويض شركات الطاقة عن خسارتها للسوق الأوروبية، ولاسيما أن «المجموعة» تدرس حاليا كيفية التعامل مع الدول التى تخرق العقوبات الغربية، وعلى رأسها الشركات الصينية والهندية. ومن هنا تتخوف الهند من ارتداد موقفها سلبا على تجارتها الخارجية التى تؤكد أن مصلحتها تقتضى أيضا بالإبقاء على علاقاتها ممتازة مع التكتل المعارض لروسيا والداعم لأوكرانيا.
وبلغة الأرقام، فإن حجم تجارة الهند مع الكتل الثلاث الرئيسة (أوروبا، وبريطانيا، والولايات المتحدة) يُقدر بنحو 259 مليار دولار سنويا، مقارنة بـ 8.1 مليار دولار فى العام 2021 مع روسيا، وهو مبلغ ضئيل جدا، ولا يتجاوز 1.19% من إجمالى حجم التجارة الهندية المقدر بتريليون دولار. إضافة إلى ذلك، تُعد الهند بين الدول المؤهلة لجذب شركات التقنية الأمريكية المهاجرة من الصين، نظرا لضخامة سوقها الاستهلاكية المقدرة بأكثر من 1.4 مليار نسمة، وطبقة وسطى نامية، وقوى عاملة مدربة، وهى ميزات تغرى الشركات الأمريكية.
فى مقابل هذه المصالح الاقتصادية، ثمة مصالح استراتيجية تربط الهند بروسيا، وخصوصا لجهة الاعتماد عليها كمصدر رئيس للتسلح عالى التقنية ومواجهة الهيمنة الصينية فى آسيا، ولذلك فإن معظم بنية الهند العسكرية الحديثة، تشكلت وتتشكل من السلاح الروسى، وخصوصا سلاح الجو، ونُظُم الصواريخ «إس 400».. فضلا عن الغواصات الذرية. ويقدر الخبراء العسكريون الدوليون المتوسط السنوى للمشتريات العسكرية الهندية من روسيا بقيمة مليار دولار كل عام. وهكذا باتت بلاد غاندى ترسم وتبنى قرارها الاستراتيجى وفق مصالحها الاقتصادية ومتطلباتها الأمنية الاستراتيجية بشكل عام.
والهند اليوم هى من المُشترين الرئيسيين للنفط الروسى، وتحصل على حاجتها منه بأسعار مخفّضة، قياسا على سعر السوق الدولية. ولا ضير فى الأمر، مادام يؤدى إلى دعْم الاقتصاد الروسى، ويحول دون «انهياره السريع»، كما توقع ذلك الرئيس الأمريكى جو بايدن فى الربيع الماضى. وخلافا لتوقعه هذا، حقق الميزان التجارى الروسى فائضا فى الدخل وصل إلى 70 مليار دولار فى العام 2022، إذ بلغت الصادرات 150 مليار دولار، مقابل 80 مليار دولار للمُستوردات. وبرزت أهمية الصين فى هذا الفائض بزيادة مستورداتها من روسيا بنسبة 60%، وبلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 180 مليار دولار. وكذلك الهند التى اشترت منها ثلث مستورداتها النفطيّة (4.9 مليون برميل يوميا) مستفيدة من خصومات كبيرة. ووفق البيانات الرسمية، استمر العراق كأكبر مورد للنفط إلى الهند، بينما تفوّقت روسيا على السعودية فى مجال توريده لتحتل المرتبة الثانية بدلا منها.

عدم الانحياز
منذ زمن تنظر الهند إلى روسيا، باعتبارها شريكا لا غنى عنه فى استراتيجيتها المسماة «عدم الانحياز»، والتى ترفض من خلالها تشكيل تحالفات خاصة مع أى قوة عظمى، بغية الحفاظ على شراكات استراتيجية مثمرة مع عدد من تلك القوى الدولية. ويبدو أن القادة الهنود يرون أن هذه الاستراتيجية ما زالت قائمة، وهم يؤيدون دوام قوة روسيا، على الرغم من قوة العقوبات الغربية ضدها. ويتوقعون أن ترزح أوروبا تحت ضغوط التضخم ونقص إمدادات الطاقة. وفى المقابل تنتعش روسيا بفضل ارتفاع أسعار المواد. ويرجح هؤلاء القادة تحول الحرب فى أوكرانيا إلى مأزق عسكرى ينتهى عبر المفاوضات بوقف إطلاق النار، يليه اتفاق مستقبلى سيسمح لروسيا بالانخراط مجددا فى المجتمع الدولى. وتراهن نيودلهى على قيام الشركات الهندية باستثمار مُشترك فى مشروعات الطاقة الروسية، كمشروع استخراج النفط والغاز فى «سخالين» فى أقصى الشرق، وأن تضاعف هذه الشركات إسهاماتها فى بحوثٍ مستقبلية مُشتركة، وعمليات تطوير بعض التكنولوجيات الدفاعية، بينها صواريخ كروز الاستراتيجية من طراز «براهموس».
وعلى الرغم من علاقات الهند الوثيقة مع روسيا، فإن شراكتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة لم تتأثر البتة، فهى لم تزل تمثل الشريك الأهم لها، اقتصاديا وتكنولوجيا. ولا يزال بإمكان واشنطن أن تكسب كثيرا فى مجالات التعاون الناشط مع نيودلهى، ولاسيما أن صناع السياسة الغربيين راهنوا بشكل كبير على الهند، باعتبارها الدولة «المتأرجحة» (فى العلاقة ما بين الغرب وروسيا) الأكثر أهمية فى النّظام الدولى، وذلك بغية تحقيق التوازن إزاء الصعود الصينى ومُناصرة نظام «دولى» مستند إلى القواعد والقانون. بيد أنّ الهند تبقى أكثر انشغالا فى التركيز على توازُن القوى فى منطقة المحيطَيْن الهندى والهادئ. وإذا استطاع صناع السياسة الأمريكيون الاستمرارَ فى الاعتماد عليها فى تحقيق توازن حقيقى وواضح أمام الصين، وفى محيطها، فسيكون أسهل على الولايات المتحدة القبول بأثمان شراكة الهند المستمرّة مع روسيا المُتراجعة.
لكن لا بد من الإشارة إلى أن ثمة مواقف أيديولوجية مُشتركة تبقى الهند بعلاقة صداقة وطيدة مع روسيا، إذ يتبنى المسئولون الهنود والروس رؤية عن نظامٍ عالَمى «متعدّد الأقطاب»، حيث لا تسود سيطرة طرف واحد مهيمِن على نظير له، وتحافظ القوى الكبرى المتعددة على نطاقات تأثيرها. وتؤمن كلٌّ من نيودلهى وموسكو بأن هكذا بنية لنظامٍ عالمى تبقى أكثر استقرارا وثباتا من بنية أحادية تتحكم بها قوّة عظمى واحدة.

النص الأصلي

التعليقات