نقاش فى باكستان حول احتمالات الاعتراف بإسرائيل - أحمد فاضل يعقوب - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 2:33 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

نقاش فى باكستان حول احتمالات الاعتراف بإسرائيل

نشر فى : السبت 18 يونيو 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : السبت 18 يونيو 2022 - 7:15 م

أثير فى باكستان، خلال الأسبوعين الماضيين، ردود فعل غاضبة على ما أعلنه الرئيس الإسرائيلى إسحاق هرتزوج فى 26 مايو 2022 من أن إسرائيل قد استقبلت وفدا من الباكستانيين الذين يعيشون فى الخارج، ووصفه هذه الزيارة بأنها أمر رائع وتعكس تغييرا كبيرا فى العالم الإسلامى تجاه إسرائيل. كما كان من بين ردود الفعل أن فتح النقاش كذلك حول احتمالات اعتراف باكستان بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها، فبالإضافة لتصريحات من شاركوا فى الزيارة تلك من الباكستانيين تأييدا لتطوير العلاقات مع إسرائيل، فقد نشرت صحيفة Dawn الباكستانية العريقة بتاريخ 15 يونيو الجارى مقالا لأحد الكتاب أيد فيه اعتراف باكستان بإسرائيل باعتباره لا ضرر منه ومركزا على بعض أوجه التشابه فى نشأة الدولتين.
وقد كان من أبرز ردود الفعل الغاضبة حول هذه الزيارة ما جاء على لسان رئيس وزراء باكستان السابق عمران خان، الذى اتهم الحكومة الباكستانية الحالية برئاسة خلفه شهباز شريف بأنها حكومة عميلة للولايات المتحدة، ولذلك فإنها تعتزم الاعتراف بإسرائيل، بالإضافة إلى توقيع اتفاق مع الهند على حساب الكشميريين. أما على المستوى الرسمى الحكومى فقد أصدرت الخارجية الباكستانية على الفور بيانا نفت فيه أن تكون هذه الزيارة، التى تحدث عنها الرئيس الإسرائيلى، تمثل وفدا رسميا بل قامت بها منظمتان غير حكوميتين مقرهما خارج باكستان، كما أكدت على موقفها التاريخى الثابت المؤيد للقضية الفلسطينية والذى لا يعترف بإسرائيل. وحينما تبين أن أحد المشاركين فى الوفد الذى زار إسرائيل يعمل فى التليفزيون الباكستانى، فقد أعلنت السلطات الباكستانية عن إقالته على الفور.
• • •
أدت هذه الواقعة وما أثارته من جدال، على المستويين السياسى والإعلامى فى باكستان، إلى تكهنات فى الإعلام الإسرائيلى حول احتمالات اعتراف باكستان بإسرائيل، فقد نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية مقالا لأحد كتاب الرأى فى 6 يونيو الجارى تحدث فيه عن أن الظروف الحالية والتطورات السياسية فى المنطقة العربية تجعل من مسألة اعتراف باكستان بإسرائيل أمرا حتميا. فهل بالفعل يمكن أن تعترف باكستان بإسرائيل فى المرحلة الحالية؟ وللإجابة عن هذا السؤال يمكن أن نشير إلى ما يلى:
أولا: ليست هذه هى المرة الأولى التى تُثار فيها قضية العلاقات بين الدولتين فى باكستان، أو تُثار شكوك حول اتصالات تمهيدية غير مباشرة وبشكل غير رسمى. وعلى سبيل المثال، فقد أثيرت هذه القضية أثناء الانتخابات البرلمانية الماضية والتى شارك فيها رئيس الوزراء السابق عمران خان وحزبه (PTI)، فمع إرهاصات فوز حزبه واحتمالات تشكيله للحكومة، تطرق البعض لفرص بدء اتصالات أو علاقات بين البلدين على خلفية زواج عمران خان سابقا من السيدة اليهودية «خميما جولدسميث» Jemima Goldsmith والتى لديه منها أبناء، ولا يزال يحتفظ بعلاقات ودية معها ومع عائلتها اليهودية. حيث كانت السيدة «خميما» تشيد بزوجها السابق وتثنى عليه فى أحاديثها للإعلام، كما عبرت بعد ذلك عن سعادتها لوصوله لمنصب رئيس الوزراء، على عكس موقف إحدى زوجاته السابقات الباكستانيات المسلمات، والتى أصدرت كتابا، أثناء حملته الانتخابية، أساءت فيه لشخصه ولأسرته، وتناولت حياتهما الخاصة بشكل سلبي! ثم أثير موضوع العلاقات بين باكستان وإسرائيل مرة ثانية خلال فترة حكم عمران خان، وتحديدا فى أكتوبر عام 2018، حيث تناول الإعلام الباكستانى أنباء عن هبوط طائرة مدنية إسرائيلية فى أحد مطارات باكستان لعدة ساعات، وقيل إنها كانت تحمل مجموعة من رجال الأعمال الإسرائيليين. وأدى ذلك لانتقادات واسعة لحكومة عمران خان التى نفت تماما حدوث ذلك. ثم أثير نفس الموضوع للمرة الثالثة فى يونيو 2021، حيث نقلت بعض الصحف الباكستانية عن مصادر إعلامية إسرائيلية أن مستشارا لدولة إسلامية كبرى قد زار إسرائيل بجواز سفر بريطانى فى ديسمبر 2020، وأنه قد التقى رئيس جهاز الموساد الإسرائيلى، وأن الهدف من الزيارة كان نقل رسالة شفاهية من قيادة هذه الدولة الإسلامية إلى إسرائيل. وتكهنت بعض الصحف الباكستانية بأن من قام بهذه الزيارة هو المستشار السابق لعمران خان ذولفى بخارى، وهو ما نفاه بخارى نفسه كما نفته الحكومة الباكستانية كذلك. ووصف رئيس الوزراء هذه الأخبار بأنها زائفة، كما نفاه وزير الخارجية حينذاك محمود قريشى.
ثانيا: يُلاحَظ كذلك أنه عقب كل تطور يؤدى إلى اعتراف دول عربية بإسرائيل يحدث جدال فى باكستان، أحيانا خافتا وفى أحيان أخرى صاخبا، حول احتمالات قيام باكستان بتحول على سياستها التاريخية إزاء إسرائيل والاعتراف بها. فقد حدث هذا الجدال عقب اتفاقيات كامب ديفيد فى أواخر سبعينيات القرن الماضى، ثم تكرر هذا النقاش عقب اتفاقيات أوسلو فى منتصف التسعينيات، كما تكرر كذلك أخيرا عقب توقيع ما سُمى بالاتفاقيات الإبراهيمية والتى تضمنت اعتراف أربع دول عربية بإسرائيل وتطبيعا كاملا معها، وهى الإمارات والبحرين فى 15 سبتمبر 2020، والسودان فى 23 أكتوبر 2020، والمغرب فى 10 ديسمبر 2020، إضافة إلى ما يروج له الإعلام الغربى والإسرائيلى من احتمالات قيام دولة عربية كبرى إضافية باعترافها بإسرائيل قريبا. وعقب كل حدث من هذه التطورات، كانت باكستان تؤكد دوما على موقفها الثابت والتاريخى المتمثل فى عدم الاعتراف بإسرائيل إلا فى إطار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة القادرة، وعاصمتها القدس الشريف، على حدود ما قبل 5 يونيو 1967.
• • •
هنا نذكِر بأن الموقف الباكستانى من إسرائيل يعود إلى ما قبل نشأة الدولتين وبداية من وعد بلفور فى 1917، حيث رفض تنظيم (رابطة كل مسلمى الهند) بقيادة محمد على جناح الذى يُعَد الأب المؤسس لباكستان وعد بلفور، كما رفضه كذلك المهاتما غاندى وحزب المؤتمر الهندى. أما الاهتمام الإسرائيلى بباكستان فيعود كذلك إلى نفس المرحلة، حيث إنه من الثابت تاريخيا أن بن جوريون حاول التراسل أكثر من مرة مع على جناح بلا رد من الأخير، وفور انضمام باكستان للأمم المتحدة عام 1947 رفضت قرار تقسيم فلسطين وكانت مشاركة من خلال وزير خارجيتها ظافر الله خان فى لجنة الأمم المتحدة حول فلسطين ثم رأستها. كما صوتت ضد انضمام إسرائيل للأمم المتحدة، وظل هذا الموقف حاكما للسياسة الخارجية الباكستانية منذ نشأة الدولة الباكستانية قبل 75 عاما، ويوجد شبه إجماع وطنى من كافة فئات الشعب بأحزابه التاريخية ومؤسساته الأمنية حول هذه السياسة. وإن كان هذا الموقف لم يمنع حدوث بعض اللقاءات أو الاتصالات العلنية المتفرقة، ولكنها لم تكن إطلاقا بهدف الاعتراف. ومن ذلك لقاء وزيرى خارجية البلدين فى إسطنبول عام 2005، كما حدثت مصافحة شهيرة فى نفس العام فى تركيا كذلك بين الجنرال برفيز مشرف رئيس باكستان والجنرال إريل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلى.
وعادةَ ما يشير مؤيدو اعتراف باكستان بإسرائيل، سواء من الباكستانيين أو الإسرائيليين أو غيرهم، إلى وجود وجوه تشابه متعددة بينهما منها:

1ــ أن كلتا الدولتين نشأتا فى فترة زمنية واحدة، فقد نشأت باكستان فى 1947، ونشأت إسرائيل فى العام التالى 1948.
2ــ استناد كل منهما للعامل الدينى فى النشأة، فقد نشأت إسرائيل كوطن قومى لليهود من كل دول العالم، ونشأت باكستان كدولة لمسلمى الهند، ولكن هؤلاء يتجاهلون أن نشأة باكستان لم تكن لكل مسلمى العالم، ولا حتى لكل مسلمى الهند، بل نشأت للمسلمين الذين يشكلون أغلبية فى المناطق التى يتواجدون فيها فقط، كما كانوا جزءا أصيلا من سكان هذه المناطق، سواء فى باكستان الشرقية التى أصبحت بنجلاديش فى 1972، أو باكستان الغربية (باكستان الحالية)، بل وظل باقى مسلمى الهند كما هم فى باقى المناطق الأخرى كجزء من الدولة الهندية إلى الآن.

3ــ أن لكلٍ منهما برنامجا نوويا عسكريا، ولكن البرنامج النووى الباكستانى نشأ أساسا فى سبعينيات القرن الماضى ردا على السبق النووى الهندى وإجراء الهند لأول تجربة تفجير نووى، على حين أن البرنامج النووى الإسرائيلى نشأ بدون وجود أى حالة لسباق نووى فى المنطقة.
• • •
ويبقى التساؤل فى ضوء ما هو مُثار من جدال والتطورات فى المنطقة العربية، هل يُتوقع قيام باكستان بالاعتراف بإسرائيل فى المستقبل القريب كما يرى المؤيدون والمشجعون على ذلك فى الجانبين؟ سؤال سنسعى للإجابة عليه فى المقال القادم.

مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان

أحمد فاضل يعقوب مساعد وزير الخارجية الأسبق وسفير مصر السابق لدى باكستان
التعليقات