انفراد: الإرهاب يحقق سبقا تليفزيونيا - حسام السكرى - بوابة الشروق
الخميس 25 أبريل 2024 5:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

انفراد: الإرهاب يحقق سبقا تليفزيونيا

نشر فى : السبت 18 نوفمبر 2017 - 8:40 م | آخر تحديث : السبت 18 نوفمبر 2017 - 8:40 م

افترض أنك رئيس تحرير محطة تليفزيونية إخبارية. وصلك مظروف بداخله "فلاشة" عليها مقاطع فيديو واضحة لعملية إرهاب تحفل بمشاهد القتل والذبح وسفك الدماء. كيف ستتصرف؟ هل ستقفز طربا وتهرع لغرفة الأخبار لبثها على الملايين قبل أن يسبقك إلى ذلك أحد، لتعلن للعالم أنك حققت سبقا وانفرادا؟
أو لنقل إنك مذيع مشهور. وصلتك رسالة تفيد باستعداد واحد من أكبر وأهم وأخطر زعماء الجماعات الجهادية لإجراء حوار معك. هل تذهب؟ هل تجريه؟ ولماذا؟

هذه الأسئلة لم تعد جديدة وإجابتها ليست صعبة. ناقشتها وشاركت في حوارات وندوات حولها عندما كنت رئيسا لبي بي سي العربية وكنا نتلقى كغيرنا أقراصا مدمجة تحوى بيانات أو تعليقات أو مواد مصورة من عمليات القاعدة التي تسابق كثيرون لبث ما يصلهم منها والترويج له باعتباره سبقا وانفرادا. كنا نسأل أنفسنا دائما:
هل نبث؟ متى نبث؟ وماذا نبث؟ ولماذا؟

يتعين للإجابة على هذه الأسئلة أن نطرح في عجالة مفهومين أساسيين:
الأول هو "القيمة الخبرية". لو كان ما تذيعه أو تقدمه سيعطي معلومة جديدة ربما كانت هناك ضرورة للبث. على سبيل المثال لو كان يتضمن، لأول مرة، اعترافا أو بيانا بالتورط في عملية إرهاب أو معلومات جديدة عن كيفية تنفيذها بما يساعد في تجنبها والحيلولة دون حدوثها في المستقبل ستكون هذه مبررات كافية للبث.

هذا المفهوم أيضا يحدد لنا "ماذا نبث". يتعين علينا أن نختار من المادة المصورة ما يحقق هذه الإضافة الخبرية ولا يزيد عليها. أي ما يؤكد في حالتنا مسؤولية هذه المجموعة أو تلك عن الجريمة دون تجاوز هذا إلى بث مشاهد القتل والذبح والجثث التي تخترق حدود المسموح أخلاقيا، وتساعد جماعات الإرهاب على نشر الذعر أو تجنيد الأتباع أو دفع بعض القطاعات للتعاون معها خوفا من بطشها.

أما المفهوم الثاني فهو مفهوم "الرسالة" الذي لا نعني به الإنشائيات الوعظية للجمهور، بقدر ما نعني دلالة ما نبثه أو نعرضه عند الجمهور الذي يتلقاه. الرسالة في هذه الحالة ليست ما ينطق به المذيع أو يحرص على تأكيده لمن يسمعونه، وإنما هي الخلاصة أو الاستنتاج الذي يصل إليه من يشاهد المادة المقدمة سواء أكانت مقطع فيديو أو حوارا مع إرهابي، أو متهم بالإرهاب. هل يجرم، يفهم، يتعاطف، يدين، يستنكر، يرفض، يخاف؟

في هذا الإطار لا أستطيع أن أصل إلى القيمة الخبرية أو الرسالة التي كانت تسعى إلها قناة الحياة عندما "انفردت" بلقاء مع متهم رئيسي في جريمة الواحات التي راح ضحيتها ضباط وجنود شرطة. كنا أمام نموذج لمتطرف عقائدي يسعى للشهادة ويستخدم نفس مفردات الإسلام الوسطي التي يروج لها مشايخ الدولة وأئمة الدعوة والسماحة في المساجد وبرامج التليفزيون ومناهج الدراسة. قالها بصراحة وثبات: "نريدها خلافة على منهاج النبوة وأريد شهادة في سبيل الله".
حتى الإعلامي عماد أديب بدا مهزوزا عندما وصل مع محاوره إلى هذه النقطة "هنخش ف.. ف.. أنا مش عاوز مساجلة فكرية".
ماذا تريدون إذن وماذا كان الهدف من الحوار؟
هل طرح أحدهم هذا السؤال أثناء التخطيط له وقبل إجرائه وبثه؟
وهل كانت هناك إجابة بخلاف أنه سيكون "ضربة إعلامية" و"سبقا" و"انفرادا" يدعم مركز المحطة عند المعلنين ويجذب المتابعين ويرفع "الترافيك" على موقع المحطة ومنصاتها المختلفة؟

هل كان المتوقع بعد أن ألقى المذيع على المتهم وعظية عن الانتخاب والديمقراطية (!!)، وعن خروج الشعب في 30 يونيو، أن يعلن الأخير ندمه وتوبته ويهتف على الهواء مباشرة: تحيا مصر تلات مرات؟!

لا شك في أن لمثل هذه الحوارات قيمة بعيدا عن شاشة التليفزيون. فهي سبيلنا الوحيد لفهم دوافع معتنقي فكر الإرهاب وممارسيه، ولاستيعاب أن الحل الأمني سيظل قاصرا عن حماية المجتمع طالما أننا لم ندرك بعد علاقة الظلم والدكتاتورية والفاشية والقمع والجهل والمزايدة الدينية وانهيار التعليم وحصار الفكر والفن والثقافة، بانتشار فكر الإرهاب وتأمين إمداده بالأتباع والموالين المتحمسين لـ" الشهادة في سبيل العقيدة".

عموما لابد من التسليم بأن المسألة لم تخل من إيجابيات، منها أننا وجدنا مناسبة للحديث عن بعض مبادئ ومفردات الإعلام المنتهك في عصر سيادة التوجيه المعنوي. كما أن الإنصاف يقتضي أن نقر بحدوث "سبق" تمكن فيه معتنق لفكر الإرهاب من بث رسالته على الملايين عبر محطة تلفزيونية تابعة، بشكل ما، للدولة.
..
ملحوظة على هامش السياق: هل نطمع في حوار متلفز بين الأستاذ عماد أديب ومتهمين آخرين مثل علاء عبد الفتاح أو أحمد دومة؟ أم أن هذا شرف يحظى به المتهمون بالإرهاب فحسب؟

التعليقات