تقترب الانتخابات الرئاسية فيزداد الجدل، وتحتدم المناقشات حول غياب عنصر التنافسية بما يحفز الناس على الذهاب إلى صندوق الاقتراع، وسط دعوات صريحة من القوى المدنية الديمقراطية للمقاطعة، ما اعتبره المؤيدون للرئيس عبدالفتاح السيسى ضربا من «الخيانة» وانقلابا واضحا على اللعبة الديمقراطية، وبادرت بعض الأصوات الموالية فى الإعلام إلى «تجريس» كل من يقترب من منطقة «المقاطعة» المحظورة، وتشويه مسيرته، رغم أن البعض منهم كانوا إلى الأمس القريب من داخل البيت ذاته!
المعارضون للرئيس السيسى لم يقفوا مكتوفى الأيدى، ووجدوا فى انسحاب الفريق أحمد شفيق، وخالد على، والقبض على الفريق سامى عنان، والمرشح الرئاسى السابق عبدالمنعم أبوالفتوح، بعد عودته من الخارج عقب عدد من الحوارات التلفزيونية التى انتقد فيها الأوضاع الراهنة، فرصة للتدليل على تضييق النظام على اصحاب الرأى المخالف، والإصرار على المضى قدما بمرشح رئاسى شبه وحيد، ما يمثل خطرا على فكرة التعددية والديمقراطية، بل والحرية التى طالبت بها ثورة 25 يناير.
فى المقابل، نشطت الائتلافات البرلمانية، والحركات المؤيدة للرئيس، بالحديث فى الإعلام، وعبر المؤتمرات السياسية التى استخدم بعضها دور العبادة، فى الدفاع عن الانجازات التى يرون أنها تحققت، وبات واجبا منح الرئيس السيسى فرصة جديدة لاستكمال ما بدأه قبل نحو 4 سنوات، وراح هؤلاء يعددون المشروعات التى انجزت وتلك التى اوشكت على الانتهاء، وفى مقدمتها شبكة الطرق التى تصل إلى 7 آلاف كيلومتر، ومشروع 1.5 مليون فدان، وقناة السويس الجديدة، وآلاف الوحدات السكنية لمحدودى الدخل، وغيرها من المشروعات التى مثلت نشاطا للرئيس فى سنوات ولايته الأولى.
الرئيس السيسى حاول تذكير الناس فى أكثر من مناسبة وخلال لقاءاته فى الأشهر الأخيرة، بحجم ما تم انجازه من مشروعات فى الداخل، وإعادة علاقات مصر الخارجية، التى ارتبكت بعد 30 يونيو 2013، مع الانفتاح شرقا صوب آسيا، وهو ما انعكس على استعادة زمام المبادرة فى العديد من الملفات، وخاصة فى ملف مكافحة الإرهاب، وزيادة قدرات الجيش المصرى التسليحية بصفقات مع فرنسا وألمانيا وروسيا، وغيرها من البلدان.
فى ملف مكافحة الإرهاب ربما تكون «العملية الشاملة سيناء 2018»، خير دليل على مدى جاهزية القوات المسلحة فى التعامل مع التحدى الأمنى الذى يحاصر مصر من كل جانب، وهى العملية التى تحظى بتأييد واسع حتى ممن ينتقدون النظام فى ملفات عديدة ومن بينها على سبيل المثال التأثير السلبى الواضح على السواد الأعظم من الناس عقب تحرير سعر الصرف وما أطلقه من موجة غلاء دمرت قدرة الطبقات الفقيرة والوسطى على العيش الكريم وتدبير متطلبات الحياة اليومية البسيطة.
دعم ومساندة قواتنا المسلحة والشرطة المدنية فى حربها على الإرهاب، لم يمنع البعض من توجيه اللوم وانتقاد النظام فى ملف الحريات، حيث لا يرى هؤلاء أى ضرورة لسلب المعارضين حق التعبير عن آرائهم، ورفض ما يتبع من إجراءات، وبشكل خاص فى الانتخابات الرئاسية، وما رافقها من التضييق على كل من كانت لديه فرصة محتملة للمنافسة على المقعد الأهم فى الدولة المصرية، ويعتقد بعض هؤلاء أن حرمان مصر من هذه الفرصة «جريمة» فى حق التطور الديمقراطى للحياة السياسية المصرية.
والسؤال: هل هناك تعارض بين أن تحقق الأنظمة نجاحات فى ملفات الأمن ومكافحة الإرهاب، وضرب الفساد، وشق الطرق وبناء المدن الجديدة، مع إعطاء الناس حقهم فى التعبير عن آرائهم بكل حرية، وضمان اجراء الانتخابات بأنواعها المختلفة (رئاسية ونيابة ومحلية) فى ظل من التنافسية والشفافية؟، وهل تحول الانجازت بين الحريات؟، وإذا كنا نطالب الناس بالصبر على الصعوبات المعيشية لحين تحقيق اختراق فى الملف الاقتصادى، لماذا لا يكون لدى الطرف الآخر رحابة الصدر لتحمل النقد والمعارضة الصريحة لبعض السياسات التى يراها البعض تخصم من حقه فى «الحرية»؟. والسؤال الأخير متى تنتهى ثنائية «الانجازات مقابل الحريات»؟.
فى ظنى أن الوقت قد حان لأن تصبح الحريات فى مقدمة الانجازات.