ضبط إيقاع النقاش العام.. إعلاميًّا - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
السبت 14 ديسمبر 2024 10:21 م القاهرة

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ضبط إيقاع النقاش العام.. إعلاميًّا

نشر فى : الخميس 19 مايو 2011 - 8:53 ص | آخر تحديث : الخميس 19 مايو 2011 - 8:53 ص

 تماما كما نحتاج اليوم فى مصر إلى ضبط إيقاع الأداء الحكومى على نحو يقنع المواطن بفاعلية الحكومة ووضوح رؤيتها السياسية، نحتاج وبشدة إلى ضبط إيقاع النقاش العام بما يتواءم مع قضايا وتحديات المرحلة الانتقالية الراهنة. والمسئولية هنا ملقاة على عاتق وسائل الإعلام ذات الدور الرئيسى فى صياغة تفضيلات المواطنات والمواطنين ذوى الاهتمام بالشأن العام والسياسى.

لم يعد مقبولا أن تركز وسائل الإعلام على قضايا الإثارة المرتبطة بالمرحلة الراهنة وتهمش المهام السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية الكبرى للعمل الوطنى. على إثارتها، لا تمثل التحقيقات مع آل مبارك ورموز النظام القديم بتطوراتها خلال الساعات الأخيرة إلا مستوى من مستويات المساءلة والمحاسبة القانونية على الفساد المالى وانتهاكات حقوق الإنسان وتعذيب وقتل المصريين التى ارتكبها نظام مبارك خلال العقود الماضية.

كذلك لا تمثل المساءلة والمحاسبة القانونية هذه، وعلى مركزيتها للانتصار لسيادة القانون، إلا مهمة واحدة بين الكثير من مهام الانتقال الديمقراطى المطروحة علينا اليوم. فالمساءلة والمحاسبة القانونية للنظام القديم تهدف لاستكمال هدمه بمعاقبة من تورطوا فى جرائم الفساد والاستبداد، ولتطهر المجتمع الرمزى منه بوضع بعض رموزه خلف القضبان. أما المهام الكبرى الأخرى فترتبط بتفاصيل البناء الديمقراطى من حوار وطنى وانتخابات ودستور وجدول زمنى حاكم وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة (وليس فقط المؤسسات الأمنية) وفقا لمرتكزات سيادة القانون واحترام حقوق الإنسان ومعايير النزاهة والشفافية والكفاءة، وبتفاصيل العمل الوطنى فى المجال الاقتصادى والأمنى.

على الرغم من ذلك تطغى التحقيقات مع آل مبارك ورموز النظام القديم على عناوين الصحف وأعمدتها الرئيسية تماما كما تهيمن خباياها وتطوراتها على البرامج الحوارية. فى الوقت الذى يبحث به المواطن عن تحليل لقانون مباشرة الحقوق السياسية ولنظام الانتخابات القادم فلا يجد، أو يفتش عن تقديرات دقيقة للأوضاع الاقتصادية والأمنية الراهنة فلا يجد إلا أحاديث مرسلة تارة تخيف من اليوم والغد وتارة تستخف بهما، أو يريد قراءة تفسير موضوعى يبتعد عن الإثارة للأحداث الطائفية الأخيرة فلا يجده إلا فيما ندر.

بل إن الإفراط فى صناعة الإثارة الإعلامية حول التحقيقات مع آل مبارك ورموز نظامه، وبجانب إخراجها للنقاش الإعلامى من خانة التركيز على مهام البناء الديمقراطى، ترتب سالبين إضافيين شديدى الخطورة. الأول هو نشر ثقافة ثأر وانتقام فى المجتمع تتناقض مع واجب استكمال هدم القديم بمساءلة قانونية منضبطة، كما تتناقض جملة وتفصيلا مع ثقافة التسامح والعمل الإيجابى الضرورية للديمقراطية. أما السالب الثانى فهو تهديد نزاهة التحقيقات وإجراءات التقاضى من بوابة ضغط الرأى العام وأحكام المواطنين المسبقة.

هذه دعوة لوسائل الإعلام وللفاعلين بداخلها للالتفات إلى ضبط الإيقاع والمساعدة فى توجيه النقاش العام باتجاه البناء وليس الهدم، ثقافة التسامح والعمل الإيجابى وليس الثأر والانتقام.

عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات