علاقة خطرة - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:17 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

علاقة خطرة

نشر فى : الأحد 19 يوليه 2015 - 9:00 ص | آخر تحديث : الأحد 19 يوليه 2015 - 9:00 ص

كل ما يجرى الآن على الساحة وكل ما تطالعنا به الأخبار يطرح بشدة إشكالية العلاقة بين الصحافة والسلطة السياسية. وفى مواقف بعينها يتضح لنا ثقل الميراث الناصرى الذى يلقى بوزنه على الوضع الراهن، فنشعر بتكرار بعض الأفعال، أحيانا نفسها، وأحيانا بتصرف. ونقول لو أن الصحافة استوعبت درس الماضى القريب لما حدث ما حدث، لو حاولت أن تشكل فيما بينها جبهة ترتكز على التعاون والمهنية لمنع أى مساس بحرية الصحفى لما حدث ما حدث.

المشهد لم يتغير كثيرا بعد ثورة يوليو 52 و30 يونيو 2013، فقط ازداد عدد العاملين بالصحافة (ولا أفرق بين الصحافة والإعلام، فالحديث هنا عمن يزاول مهنة الصحافة سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئية)، وتعددت وسائط البعض نظرا للتقدم التكنولوجى، لكن قلت مهنية الأغلبية. وكل ما سأحاول عمله فى السطور القادمة هو التذكير ببعض المواقف التى يرجع تاريخها لخمسينيات وستينيات القرن المنصرم، وأترك للقارئ حرية المقارنة.

***

كان هناك تشريعات تضمن حرية الصحافة، كما جرت العادة، ورؤساء تحرير يلعبون دور «حراس البوابة» حرصا على علاقاتهم وكراسيهم. وفى ظل غياب خطة استراتيجية للتعامل مع القوى السياسية التى كانت تحكم وقتها وقعت صدامات كانت الصحافة أبرز مجالاتها. ويرجع ذلك بالطبع إلى الاختلاف الجذرى بين توجهات النخبة العسكرية وحداثة تعاملهم مع رجال السياسة والصحافة، إذ لم يتعود هؤلاء على هذا النمط من السلوك السياسى الذى تشرب بالروح العسكرية، وفكرة الصحافة المتجانسة التى تصطف مع الدولة تحت أى ظرف. وبالتالى من لم يكن على استعداد لقبول العمل بهذه الشروط والسير فى ركاب الفرد ــ القائد كان عليه أن يترك وظيفته أو إرغامه على تركها أو استمالته.

يروى الصحفى الراحل جلال الدين الحمامصى فى كتابه «القربة المقطوعة»، الصادر فى ثمانينيات القرن الماضى، كواليس تلك الفترة، فيذكر ضمن ما يذكر زيارة صيفية إلى بيت جمال عبدالناصر فى منشية البكرى، وقد اصطحبه السادات. امتد الحديث حتى بعد منتصف الليل، سعى خلاله الحمامصى إلى فهم ما يدور فى ذهن الرئيس سياسيا، وخاصة بالنسبة للصحافة. وكان تعليقه فى نهاية الزيارة هو الآتى: «لست أدعى أنى خرجت من هذه المقابلة الطويلة بإجابات شاملة وصريحة لهذه الأسئلة وغيرها، ولكن الذى أحسست به هو أن الرجل يخفى داخله شيئا ما لا يفصح عنه، وأنه لا يريد، ولا ينوى الالتزام حاليا بمنهج معين، أو اتجاه مكشوف يمكن أن يناقش فيها يوما إذا خرج عنه. ولكن الذى لمسته أنه رجل مازال يتحسس طريقه السياسى وأنه من أجل هذا يحب أن يسمع ولا يرتبط بأمر ما، بل يبدو للجالس معه كما لو كان يريد أن يفهم أكثر مما يملى».

***

وفى النصف الثانى من كتابه فى فصل بعنوان «تاريخ وتاريخ» يصف يوم التأميم (24 مايو 1960)، أو ما سمى «تنظيم الصحافة» أو «ملكية الصحافة للشعب». اتصلت سكرتارية السيدين على صبرى وسامى شرف بالأعضاء المختارين لمجالس إدارات الصحف المؤممة لدعوتهم لمقابلة السيد على صبرى بمكتبه بمصر الجديدة، دون ذكر السبب. وسبق ذلك إجراءات بوليسية للاستيلاء على دور الصحف فى الصباح الباكر. اعتقد كل واحد من الصحفيين أنه دعى لمقابلة خاصة، فإذا بالكل يفاجأون بتجمعهم فى قاعة الانتظار وبخبر التأميم الذى نزل عليهم كالصاعقة، لكن لم يفعلوا شيئا مضادا يستحق الذكر.

ثم كان يوم 28 مايو الذى أطلق عليه البعض«مذبحة القلعة» حين استقبل ناصر رؤساء التحرير ورؤساء مجالس الإدارات بقصر القبة، فى لقاء تاريخى ليشرح لهم موقفه من الصحافة وكيف أنه يعتبرها«رسالة أكثر منها سلعة أو تجارة» وأعطى توصياته بالنسبة للمستقبل القريب. تحول الصحفيون إلى مجموعة من الكتبة الموظفين الذين لا يحق لهم التحرك إلا إذا رسم لهم خط تحركهم واتجاههم. ويعلق جلال الدين الحمامصى مجددا:« لا يمكن أن نلقى اللوم على جمال عبدالناصر وحده. لقد ظل طوال السنوات السابقة على تأميم الصحافة يختبر الأسرة الصحفية ويدرس طباعها (...) ثم خرج بهذه الدراسة بقرار واحد سليم. وهو أن الأسرة الصحفية لا يمكن أن تقف فى وجهه. وأنه يوم يقدم على خطوة التأميم فإنه قادر على تجنيد الجميع، بلا استثناء، لكى يكونوا خدما فى بلاط حكمه».

التأميم بالطبع ليس واردا فى وقتنا الحالى، لكنه نموذج لمعركة دارت فى القرن الماضى وكيف أديرت وبأى قواعد. قد تتشابه أصول اللعبة وقد تختلف بعض الظروف والسيناريوهات، لكن أهل الصحافة هم دوما شركاء فى المسئولية وشركاء فى صنع الشباك التى يسهل صيدهم بها. ولازالت «القربة مقطوعة».

التعليقات