العرب البائدة بين الحقائق المزيفة وأوهام العودة - سيد قاسم المصري - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 8:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

العرب البائدة بين الحقائق المزيفة وأوهام العودة

نشر فى : الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 10:45 م | آخر تحديث : الأربعاء 19 سبتمبر 2018 - 10:45 م

ترامب ومعاونوه وإدارته مغرمون بكلمات fake و fals أى مزيف ومفبرك ومزور.. فكل ما ينشر عن فضائحه الجنسية والسياسية هى أنباء مزيفة fake news وكل نقد لسياساته هو مزيف وأكاذيب، والآن أصبحت مشكلة القدس ومشكلة اللاجئين الفلسطينيين من الحقائق المزيفة false realities، وفقا لتصريحات جارد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب ومستشار الرئيس الأمريكى المكلف بملف الشرق الأوسط.. ففى الكلمة التى ألقاها بمناسبة مرور 25 عاما على اتفاق أوسلو.. ذكر أن الخطوات التى اتخذتها إدارة ترامب سواء تجاه القدس أو اللاجئين الفلسطينيين «ستساعد على إتمام صفقة السلام وليست ــ كما يقال ــ ستعرقل الوصول إلى السلام»، وأضاف فى حديث مع جريدة نيويورك تايمز:
«لقد تم خلق حقائق زائفة كثيرة وأصبح الناس يقدسونها وكان من الضرورى إزاحتها من الطريق وهو الأمر الذى لم تجرؤ أن تفعله إدارة أخرى».
فبعد أن أزاح ترامب قضية القدس من على طاولة التفاوض ــ حسب تعبيره ــ وذلك بإعطائها كاملة إلى إسرائيل، شرع فى إزاحة قضية اللاجئين، وذلك من خلال تصفية الأونروا (وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين)، من خلال سحب التمويل عنها ثم المطالبة بإعادة تعريف اللاجئ حيث يقتصر التعريف على أولئك الذين نزحوا من فلسطين عام 1948 (وعددهم لا يتجاوز نصف المليون، والباقون على قيد الحياة منهم حاليا هم نسبة ضئيلة من هذا الرقم بينما يتجاوز العدد المسجل فى الأونروا الآن الخمسة ملايين لاجئ (باحتساب النمو الطبيعى «الأولاد والأحفاد»).
***
وإن كان لإدارة ترامب ميزة واحدة فهى الوضوح، فهم لا يغلفون سياساتهم، ولا يخفون أهدافهم، فقد صرح كوشنر بأن وجود الأونروا يرسخ أوهاما لدى الفلسطينيين بإمكان العودة إلى بيوتهم التى تركوها إبان حرب 1948.
ووفقا لجريدة نيويورك تايمز فقد اقترح كوشنر إعادة توجيه الأموال التى كانت تعطى للأونروا وإعطائها إلى الحكومة الأردنية لخدمة اللاجئين لديها بشرط قبولها عدم التمسك بحق العودة للاجئين وهذا الأمر الذى رفضته الأردن.. والمبلغ كله الذى حجبته الولايات المتحدة عن الوكالة هو 360 مليون دولار وهو لا يصل إلى ثمن يخت من اليخوت التى يشتريها أمراء البترول أو لوحة زيتية للتعليق على الجدران.
ولكن حجبه المفاجئ عن الوكالة أدى إلى تقليص خدماتها التعليمية (300 ألف طفل فى مراحل التعليم المختلفة) والصحية والإغاثية.. وأدى إلى الاستغناء عن ألف موظف بين مدرس وعامل.. وما زالت وكالة الغوث تستغيث المانحين لزيادة مساهمتهم لتعويض العجز، وقد استجابت دول أوروبية بمبالغ متواضعة بينما صرح مفوض الأونروا بيير كرينبول أن الوكالة فى حاجة إلى 445 مليون دولار لكى تستمر فى خدماتها وأن دول البريكس الخمس (البرازيل والهند والصين وروسيا وجنوب أفريقيا) رفعت مساهماتها إلى 18 مليون دولار كلا منها، وأن السعودية والإمارات والكويت رفعت مساهماتها إلى 50 مليون دولار كل منهم، وما زالت الفجوة كبيرة، وما زالت الدول العربية عاجزة أو خائفة من سد الفجوة التى لا تمثل شيئا يذكر بالنسبة لهم، وذلك حتى لا تثير غضب البيت الأبيض وساكنه المتهور.
***
لم تكتف إدارة ترامب بوقف مساهمتها فى ميزانية الأونروا بل أوقفت جميع المساعدات التى كانت تقدم للسلطة الفلسطينية عدا مبلغ 42 مليون دولار لتغطية جوانب التعاون الأمنى مع إسرائيل، كما أغلقت مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن.. وأعلن كبار المسئولين بإدارة ترامب أن الاجراءات المتخذة لعقاب الفلسطينيين ستؤدى إلى قبولهم لصفقة السلام (صفقة القرن كما أصبحت تعرف أو صفقة تصفية قضية فلسطين كما هى فى الواقع).
***
إذن المسألة كلها هى إسرائيل.. هكذا اختتم المعلق تقريره فى قناة «سى إن إن» بقوله:
So it is all about Israel
وكان التقرير الإخبارى حول التصريح الذى أدلى به جون بولتون مستشار الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومى والذى هاجم فيه بشدة المحكمة الجنائية الدولية واتهمها بأنها محكمة غير شرعية وتشكل تهديدا لسيادة أمريكا ومصالحها وأمنها القومى وهدد بتوقيع عقوبات على قضاة المحكمة والمحامين بها إن هى مضت فى التحقيق فى «مزاعم» جرائم الحرب التى تزعم أنها ارتكبت بواسطة أمريكا وحلفائها.
ومضى فى تهديداته قائلا بأن الولايات المتحدة لن تتعاون مع هذه المحكمة وستصادر أموالها وستحاكم قضاتها أمام المحاكم الأمريكية.
فما الذى أثار أمريكا ضد هذه المحكمة الدولية إلى هذا الحد وهى المحكمة التى تضم 122 دولة فى عضويتها من بينهم معظم حلفاء أمريكا. وتربطها معاهدة بالأمم المتحدة ونظامها الأساسى يعطى لمجلس الأمن اختصاصا وسلطانا عليها؛ حيث له الحق فى إحالة قضية لها أو مطالبتها بوقف نظر قضية، كما أن معظم الدول الغربية ليسوا فقط أعضاء بها بل كانوا وراء إنشائها ومن أشد المتحمسين لها خاصة بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا ودول الشمال..
صحيح أن أمريكا عارضت إنشاء المحكمة وكانت تخشى تعرض جنودها المنتشرين فى بقاع الأرض لتهم ارتكاب جرائم حرب أو إبادة أو جرائم ضد الإنسانية، ولكن الولايات المتحدة أخذت تعهدات مكتوبة من عدد كبير من الدول ــ من بينهم مصر ــ يتعهدون فيها بعدم استخدام هذه المحكمة ضد الرعايا الأمريكيين، وصحيح أن المدعية العامة للمحكمة أعلنت أنها لا ترى مانعا من التحقيق فى ادعاءات التعذيب والجرائم الأخرى التى ارتكبت فى أفغانستان سواء من جانب القوات الأمريكية أو طالبان أو قوات حقان.
ولكن ذلك كان فى نوفمبر من العام الماضى أى 2017 ولم يحدث شيء من ذلك الحين.. فما الذى قلب كيان أمريكا إلى الحد الذى تهدد فيه محكمة دولية بمحاكمة قضاتها إن هم اقتربوا من رعايا أمريكا أو حلفائها.
***
الجواب طبعا واضح وكلمة السر هنا: هى «وحلفاؤها»، فلا يوجد حلفاء لأمريكا يواجهون تهديدا جديا من المحكمة الدولية سوى إسرائيل.. فبعد أن اعترفت الأمم المتحدة بفلسطين كدولة غير عضو فى الأمم المتحدة ومنحتها صفة المراقب، قامت السلطة الفلسطينية بالتوقيع على كثير من الاتفاقيات المبرمة فى إطار الأمم المتحدة أو ذات الصلة بها ومن بينها اتفاقية روما لعام 1997 المنشأة للمحكمة الجنائية الدولية وبذلك أصبحت عضوا بالمحكمة.
وهذه المحكمة وإن كان مقرها لاهاى شأنها شأن محكمة العدل الدولية إلا أنها تختلف عنها فى
أن محكمة العدل تختص بالدول، أى النزاعات بين الدول، ولكن الجنائية الدولية تختص بمحاكمة الأفراد الذين يرتكبون جرائم حرب أو إبادة جنس أو جرائم ضد الإنسانية.. وكثير من قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين معرضون للمساءلة أمام هذه المحكمة.. إذًا فالقصة كلها هى إسرائيل.
***
قيل إن العرب ينقسمون إلى ثلاث فئات:
العرب العاربة: وهم أصل العرب الذين يقطنون اليمن وخرج بعضهم من اليمن ليستوطن أجزاء من شبه الجزيرة العربية.
العرب المستعربة: وهم غالبية الشعوب العربية الحالية وهى الشعوب التى تبنت الثقافة واللغة العربية بعد دخولها فى الإسلام.
العرب البائدة: وهذه القبائل العربية التى جاء ذكرها فى القرآن الكريم والتى أهلكت بالصاعقة أو بريح صرصر عاتية.
أخشى أن يكون العرب الحاليين.. عاربهم ومستعربهم فى طريقهم للحاق بالعرب البائدة!!

سيد قاسم المصري مساعد وزير الخارجية الأسبق
التعليقات