التجربة العراقية.. - سلامة أحمد سلامة - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 2:01 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التجربة العراقية..

نشر فى : السبت 20 مارس 2010 - 10:34 ص | آخر تحديث : السبت 20 مارس 2010 - 10:35 ص

 لم تكن الانتخابات التى تجرى فى أى دولة عربية محط اهتمام العالم الخارجى فى أى وقت من الأوقات، ولم تأخذها النظم الديمقراطية مأخذ الجد.. نظرا لما تميزت به من تزوير ورشوة وتدخل أمنى، جعلت من الانتخابات مجرد أداة للإبقاء على النظام الحاكم فى موقعه، دون تغيير يسمح بتداول السلطة أو بتحقيق تقدم نحو الإصلاح السياسى.

ولا تختلف الانتخابات التى جرت أخيرا فى العراق عن هذا النمط.. اللهم إلا فى أنها تمثل الفصل الأخير من مغامرة الاحتلال الأمريكى الطائشة، التى دمرت العراق وضاعفت انقساماته الداخلية وألبت طوائفه ضد بعضها البعض.. فراح ضحية الحرب على العراق أكثر من مائة ألف عراقى، وعدة مئات من الجنود الأمريكيين وقوات الاحتلال. وأحدثت اضطرابا شديدا فى موازين القوى فى الشرق الأوسط، دعمت نفوذ إسرائيل، وورطت أمريكا فى أفغانستان وباكستان تحت دعوى مطاردة القاعدة ومحاربة الإرهاب.

وأصبحت المعضلة التى تواجه أمريكا الآن هى كيف تخرج من مستنقع العراق، وكيف تنجح فى احتواء إيران وكبح نفوذها النووى فى الخليج.

ومن الممكن أن تحصد أمريكا ما تشاء من مكاسب أو خسائر نتيجة ثمانى سنوات من الاحتلال. ولكن ما يهمنا هو أن يخرج العراق من هذه المحنة بالحد الأدنى من أوضاع تقربه على طريق الاستقرار والديمقراطية، وتقلب صفحة كريهة من حكم الاستبداد، الذى زرعه صدام حسين، ومن أوزار الاحتلال الأمريكى، الذى فجر أنهارا من الدماء والمذابح الطائفية لم تتوقف حتى الآن.

وبالرغم من ذلك، فقد شهد العراق خلال هذه الفترة إجراء الانتخابات مرتين. فى المرة الأولى بدا عمق التفسخ والعداء الطائفى بين الشيعة والسنة. ودفع السنة ثمن إحجامهم عن المشاركة فى العملية السياسية.

ولكن فى هذه المرة شهد العراقيون إقبالا كثيفا على صناديق الاقتراع، بلغت نسبته 62٪، وهى نسبة فى التصويت لم تعرفها مصر ولا أى دولة عربية. وذلك بالرغم من محاولات «الاجتثاث» التى استهدفت اقتلاع البعثيين من العملية السياسية. وهو نفس الأسلوب الذى تنتهجه مصر مع الإخوان المسلمين.

فى هذه الانتخابات بدت الرغبة فى التغيير والخروج من عنف المأزق الطائفى ووطأة الاحتلال الأمريكى، هى المحرك الأقوى لدى نسبة كبيرة من العراقيين. ومع ذلك فالخريطة السياسية بدت واضحة المعالم موزعة بين ثلاث كتل رئيسية: هى دولة القانون ويرأسها المالكى، والائتلاف الشيعى برياسة الجعفرى، والكتلة العراقية برياسة العلاوى. تضاف إليها كتلة رابعة هى التحالف الكردى.

لعبت الاتهامات بالتزوير والتلاعب بالأصوات دورا حاسما فى التأثير على النتائج بالرغم من تطبيق نظام القائمة النسبية وإشراف المفوضية العليا على الانتخابات. ومع ذلك فليس من السهل تصور نجاح التجربة العراقية بمجرد ظهور النتائج النهائية والاتفاق على تشكيل حكومة جديدة. فالأرجح أن تستغرق وقتا طويلا من المساومات والمناورات حتى يتم التوافق على تكوين ائتلاف يضم الكتل الثلاث أو اثنتين منهما على الأقل.

وسوف يتوقف الأمر فى النهاية على قدرة العراقيين على تسوية خلافاتهم والحد من التدخلات الخارجية سواء من إيران أو أمريكا. ومع ذلك فسوف يظل قدر العراق الذى لا فكاك منه محكوما بمدى قدرة العقل السياسى العراقى على التحرر من البعد الطائفى.

سلامة أحمد سلامة صحفي وكاتب مصري كبير وصاحب آراء ليبرالية قوية وجريئة وبناءة في مسيرة الصحافة العربية. يشغل منصبي رئيس مجلس تحرير جريدة الشروق ورئيس مجلس تحرير مجلة وجهات نظر. هو صاحب العمود اليومي من قريب في جريدة الشروق وكان في السابق نائبا لرئيس تحرير الأهرام.
التعليقات