الصحفيون في فلسطين.. عين الحقيقة المستهدفة - مواقع عربية - بوابة الشروق
الخميس 9 مايو 2024 6:39 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الصحفيون في فلسطين.. عين الحقيقة المستهدفة

نشر فى : الثلاثاء 20 يونيو 2023 - 7:20 م | آخر تحديث : الثلاثاء 20 يونيو 2023 - 7:20 م

نشر موقع درج مقالا للكاتب أحمد الرجبى، يسلط الضوء فيه على استهداف جيش الاحتلال الإسرائيلى عيون الصحفيين الفلسطينيين، إذ تعرض الصحفى معاذ عمارنة للإصابة بعيار نارى أطلقه قناص إسرائيلى استقر فى عين الصحفى ــ بالرغم من ارتدائه ملابس وخوذة الصحافة ــ أثناء تغطيته للأحداث فى بلدة صوريف. كما أشار الكاتب إلى أن الجندى الإسرائيلى لا يحتاج إلى مبرر قوى لإطلاق النار على الفلسطينيين فقط يكفى الشعور بالخطر طبقا لرؤيته وتقديره... نعرض من المقال ما يلى.
عبر سلسلة من الإجراءات التعسفية يستهدف جيش الاحتلال الإسرائيلى الصحفيين الفلسطينيين، تارة بمنعهم من التنقل والحركة، وطورا بمنعهم من التغطية والتضييق على عملهم، أو باستهدافهم بالرصاص بمختلف أنواعه، وبقنابل الغاز السام المسيل للدموع وقنابل الصوت، وصولا إلى استهداف عيونهم، بل وإصابتهم وقتلهم كما حصل مع الصحفية شيرين أبوعاقلة العام الماضى.
رصد تقرير الحريات لعام 2022 الذى أعدته «نقابة الصحفيين الفلسطينيين»، أن الانتهاكات الإسرائيلية تنوعت بين الاحتجاز والمنع من التغطية، وهى ممارسات كان لها النصيب الأكبر من حيث عدد الحالات التى سجلت بواقع 320 حالة، والقتل المتعمد والاعتقال والاستهداف بالرصاص، إذ اخترقت 51 رصاصة أجساد صحفيين، إضافة إلى المنع من السفر والعرض على المحاكم والاستدعاءات والاعتداء بالضرب وغيرها من الانتهاكات التى تهدف إلى منع الصحفيين من ممارسة عملهم.
• • •
لم يكن المصور الصحفى معاذ عمارنة (35 سنة) يعلم أن ذهابه فى 15 نوفمبر 2019، إلى بلدة صوريف شمال غربى الخليل جنوب الضفة الغربية، لتغطية فعالية أسبوعية، بإقامة صلاة الجمعة على أراضٍ تمت مصادرتها لصالح الاستيطان، ستفقده عينه، برغم أنه تجهز بكل ما يلزم، وتحصن وراء ساتر، كما يفعل الصحفيون وقت التغطية.
يدرك معاذ عمارنة طبيعة تغطية الأحداث، كما اعتاد تصوير مئات الانتهاكات الإسرائيلية، لكنه فى حادثة إصابته تحصن خلف ساتر ترابى، يقول: «لقد كانت المواجهات فى الشارع، وكنت أحتمى بجانب الشارع، حيث يغطى درع الصحافة صدرى، ودائما إصابات الجيش حين الاستهداف تكون بالأطراف، حينها اختبأت خلف الساتر الترابى ولم يكن أى شىء ظاهرا منى سوى الجزء العلوى من جسدى، لكن تم استهدافى»!
رغم الإجراءات الاحترازية لحمايته والتى تحول دون تعرضه للخطر، بعد دراسته لميدان العمل، لكن معاذ عمارنة لم يسلم من الإصابة، فقد استهدفه قناص إسرائيلى بعيار نارى استقر بعينه، واستبدلت عينه بعد رحلة من العلاج بأخرى بلاستيكية تجميلية، والرصاصة ما زالت بمكانها لا تمكن إزالتها كونها تشكل خطرا على حياته.
لم يتوقع معاذ أن تكون إصابته بالوجه أو الرأس، فهو كما يقول: «يرتدى ملابس وخوذة الصحافة، وأخذت بالحسبان احتياطاتى الكاملة، وكان الجيش يرانى بشكل واضح، أنا أعتقد أن الإصابة كانت متعمدة».
• • •
لا يحتاج الجندى الإسرائيلى إلى مبرر قوى لإطلاق النار على أى فلسطينى، فالجندى بحسب «نداف وايمان» نائب مدير منظمة «كسر الصمت»، وجندى سابق فى الجيش الإسرائيلى فى وحدة القنص خدم فى قطاع غزة والضفة الغربية بين عامى 2005 و2008، يستطيع إطلاق النار على أى فلسطينى وقتله، بالرغم من أنه يكون قادرا على إطلاق النار على المناطق السفلية لكن هذا لا يحصل كثيرا، ويكفى الجندى الإسرائيلى مبرر «الشعور بالخطر» لإطلاق النار وقتل أى فلسطينى.
منظمة «كسر الصمت» هى منظمة إسرائيلية تأسست عام 2004 من قبل جنود مسرحين من الجيش الإسرائيلى خدموا فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، وهى مناهضة للاحتلال، ومتخصصة بنشر انتهاكات جنود الجيش الإسرائيلى بحق الفلسطينيين فى المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتؤكد أن هدفها «رفع مستوى الوعى للواقع اليومى، الذى يعيشه الفلسطينيون».
هناك مساحة واسعة أمام الجندى الإسرائيلى للقيام بما يريد، حيث يقول وايمان: «عندما كنت جنديا كان هنالك ما يسمونه spice up، وهذا يعنى أن الجندى الإسرائيلى بإمكانه إضافة أى تفاصيل يريدها لوصف الحدث الذى أمامه لقائده المباشر».
فى الغالب، وبحسب وايمان، فإن الجنود الذين أطلقوا النار على الفلسطينيين لم يكن يفترض أن يطلقوا النار، كما لا يحاكم أحد منهم عند قتله أى فلسطينى، بذريعة عدم وجود أدلة كافية، ويبدأ التحقيق عادة بعد انتهاء الخدمة العسكرية لذلك الجندى، والتحقيق يكون تغطية على الحدث الحقيقى، والجنود يعلمون أنهم لن يعاقبوا على أفعالهم، حتى إذا قتلوا صحفيين وأطفالا، «وحتى لو جمعت الأدلة لم نرَ جنودا ذهبوا إلى السجن، ولم يرسل أحد لهيئة المحلفين».
يذكر أنه وفى حالات نادرة جدا يخضع الجنود للمحاسبة فى اعتدائهم على الفلسطينيين وفى الغالب تكون العقوبات غير متناسبة مع الفعل، كما حدث مع الجندى «أليئور أزاريا» الذى أُدين بتهمة القتل العمد بهدف الانتقام بعد قتله الشاب عبدالفتاح الشريف فى مدينة الخليل عام 2016، وحُكم عليه لمدة 18 شهرا ثم تم تخفيضها إلى 4 أشهر.
مدير «برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية»، فيليب لوثر يعقب على تقرير بعنوان «سعداء بالضغط على الزناد»: تهور الجيش الإسرائيلى فى استخدام القوة فى الضفة الغربية، بالقول: «إن التقرير يعرض مجموعة من الأدلة التى تُظهر وجود نمط مروع من عمليات القتل غير المشروع، وإلحاق الإصابات بالآخرين، دون داعٍ تمارسه القوات الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين فى الضفة الغربية».
ويؤكد لوثر، «أن تكرار لجوء الجنود وأفراد الشرطة الإسرائيليين إلى استخدام القوة التعسفية والمسيئة ضد المحتجين السلميين فى الضفة الغربية ــ وما يتمتع الجناة به من إفلات من العقاب على أفعالهم ــ إلى أن ذلك يتم كما لو كان تنفيذا لسياسة معتمدة».
• • •
خدمة الجنود الإسرائيليين فى قطاع غزة تبدو مختلفة نوعا ما، «فلا قواعد اشتباك خاصة هناك، على سبيل المثال: أثناء قمع مسيرات العودة السلمية الجنود كانوا يطلقون النار على أى شىء يتحرك، فلا حصانة لأحد»، يؤكد نداف وايمان.
ما حصل مع المصور الصحفى عطية درويش يوم 14 ديسمبر 2018، يثبت استهدافه فى منطقة العين، حيث إنه وأثناء تغطيته لمسيرات العودة فى قطاع غزة، جرى استهدافه بقنبلة غاز مسيل للدموع بشكل مباشر أصابته بوجهه (أسفل عينه اليسرى)، رغم ارتدائه الزى الصحفى الكامل، ووقوفه على بعد 300 متر من السياج الفاصل الذى ينتشر جنود الاحتلال على جانبه، وبعد نحو عام من الإصابة فقد درويش عينه وفشلت محاولات إنقاذها.
عانى درويش فى البداية من فقدان مؤقت للسمع والبصر فى الجهة اليسرى من الرأس، وصعوبة فى النطق، نتيجة تضرر الفك، وبعد نحو عام أكد له الأطباء بعدم وجود أمل فى علاج عينه، وأنه فقد البصر فيها بشكل كلى.
بعد أشهر كان المصور فى قناة «الأقصى» سامى جمال طالب مصران، وتحديدا فى 19 يوليو 2019، هدفا آخر للجنود الإسرائيليين، وبينما كان يغطى مسيرة العودة السلمية شرق غزة أصيب بشظايا عيار نارى متفجر فى عينه اليسرى، تسببت بتهتك فى عينه وإصابة القرنية وماء العين، وفقد الرؤية فى عينه بشكل كامل.
• • •
بعد استقرار الحالة الصحية للمصور الصحفى معاذ عمارنة، وبدئه التعايش مع عينه البلاستيكية الجديدة، تواصل مع محاميه لرفع دعوى قضائية على القوة التى استهدفته، وحينما تقدم بشكوى إلى الشرطة الإسرائيلية، سرعان ما جاء الرد بأن الشرطة قامت بتحرياتها ووجدت أن الشكوى ليست من اختصاصها، وأن الحدث وقع فى منطقة حرب، ولا صلاحية لهم بالتحقيق فيها أو متابعتها.
يقول معاذ عمارنة: «حين يدخل أى أحد مصاب بالرصاص إلى المستشفى، فإن الشرطة وعلى الأقل، تأخذ منه إفادة، لكن لم يسألنى أحد عن شىء! لقد تقدمت بشكوى لشرطة الاحتلال الإسرائيلية خلال 90 يوما من إصابتى، ولكن سرعان ما جاء الرد للمحامى بأنهم لن ينظروا بالقضية بحجة أن الأمر ليس من اختصاص الشرطة، وأن الإصابة لم تكن من قبل الجيش الإسرائيلى، رغم أنهم لم يستدعوا الشهود أو المصاب نفسه»!.
• • •
يكشف المصور الصحفى معاذ عمارنة عن توجه لدى الاتحاد الدولى للصحفيين برفع ملف قضيته إلى جانب 4 صحفيين آخرين إلى محكمة الجنايات الدولية، حيث قام بإعطائهم التوكيلات اللازمة.
تضمن اتفاقيات جنيف الأربعة لعام 1949 الحماية للصحفيين باعتبارهم أشخاصا مدنيين، وتكفل حمايتهم أثناء النزاع المسلح، والذى ورد فى المادتين (79) و(52) من البروتوكول الإضافى الأول لعام 1977، التى تنص على حماية الصحفيين بالنزاعات العسكرية، والحماية العامة للأعيان المدنية.
ويعتبر ما يتعرض له الصحفيون من انتهاكات جسيمة للقانون الدولى الإنسانى والقانون الدولى الجنائى ــ علما بأنه يمكن التعرف إلى الصحفيين من خلال ما يرتدونه فى الميدان ــ جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، بحسب ما جاء فى المادتين (7) و(8) من ميثاق روما (النظام الأساسى لمحكمة الجنائية الدولية) لعام 1998.

النص الأصلي
https://bit.ly/3qUboDC

التعليقات