عيشة كومبو - داليا شمس - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 6:02 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عيشة كومبو

نشر فى : السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:05 ص | آخر تحديث : السبت 20 أكتوبر 2012 - 8:05 ص

يحملق فى السقف، ثم يجول ببصره تجاه الإعلانات الملونة التى تعرض عليه وجبات «كومبو» بسعر ثابت، تتكون عادة من عنصرين أو ثلاثة: ساندوتش وبطاطس محمرة ومياه غازية مثلجة، ويشير بإصبعه للقائم على خدمته «أعطنى الكومبو رقم 3 لو سمحت».. موقف شبه متكرر فى مطاعم الوجبات السريعة.. وقد يدور أيضا حوار متكرر عندما تطلب إحداهن قطعتين من الدجاج ونوع من مثلجات الفانيليا، فيحاول العاملون اقناعها فورا بأن تحصل على وجبة كومبو مع بعض التعديلات، وينتهى الأمر بأن تجد نفسها قد استسلمت وأكلت أكثر من المتوقع، طمعا أو استسهالا.. بل ولم تنل مثلجات الفانيليا التى اشتهتها لأنها لم تدخل فى «الكومبو»، فتنازلت عنها.

 

●●●

 

يمكننا أن نقيس على ذلك العديد من أمور الحياة لنكتشف أن الأغلبية تعيش بعقلية «الكومبو»، الشيء لزوم الشىء.. مجموعة أشخاص أو عناصر علينا أن نقبلهم مجتمعين على طريقة «الباقة» وكأنهم قدرمحتوم، على اعتبار أن فى هذا راحة الزبون ومصلحة المحل.. وإذا حدث تغيير ما فى التركيبة يتم استبدالهم بعناصر مشابهة.. وبالتالى لا يترك مجالا للابتكار حتى فى طلب الأكل.. نمطية فى العادات وفى التفكير، وضحالة تمهد لها ثقافة «الفاست فود» أو الوجبات السريعة، لنغوص فى عالم «الكومبو»، حيث التدابير والتوافيق، حيث يرغب معظم الأفراد أن يظل كل شيء فى مستواه العادى دون مجهود حتى فى الاختيار، إيمانا بفكرة خير الأمور الوسط ونفورا من المغالاة أو الشطط، فمن المتعارف عليه مثلا أنه عندما تعرض محلات الخدمة السريعة ثلاثة أحجام من القهوة يميل الناس لشراء الحجم الوسط، فالخيار الوسط هو دائما الأكثر أمانا بالنسبة للأغلبية، هكذا يقول خبراء التسويق، مؤكدين أنه يمكننا دوما ترجمة الأكل وعاداته لسياسة واقتصاد.

 

●●●

 

هناك مثلا تداخل عنيف بين عالم «الوجبات السريعة» وطريقة تشغيل قطاع التجزئة من تدمير للشركات الصغيرة وطمس للفروقات بين المناطق المختلفة وتكريس شكل معين من البيزنس «العولمى» ينتشر فى شتى أنحاء العالم الذى أضحى ممسوخا ومتشابها. مجموعة عملاقة كماكدونلاندز أصبحت تسيطر على 43 % من حجم سوق «الفاست فود»، من خلال حوالى 31 ألف فرع فى 119 دولة، موزعين على 6 قارات.

 

وهى تفتح حوالى ألفى مطعم سنويا، وتوفر نسبة كبيرة من فرص العمل داخل الولايات المتحدة وخارجها، لذا أصبحت رمزا لتغلغل الثقافة الأمريكية. فقد كانت أول سلسلة مطاعم سريعة تنتشر خارج البلاد عام 1967، مع افتتاح مطعم فى كندا وآخر فى بورتوريكو، كما كانت ( مع كانتاكى فرايد تشيكن) من أوائل الشركات التى طبقت نظام الامتياز التجارى (فرنشايز) فى ثلاثينات وأربعينات القرن الفائت، وذلك بأن تؤجر الشركة علامتها التجارية وكذلك نظمها الإدارية والتسويقية والإنتجاية لشركة أخرى مقابل مبلغ مادى. كل ذلك ساهم فى ترسيخ ثقافة «الفاست فود» منذ ظهورها على النمط الأمريكى فى ولاية كانساس عام 1921، ومع مرور الوقت تطورت الطرق التسويقية وظهر نمط الكومبو، ليصبح تدريجيا من لا يتماشى معه شخصا غير متوائم مع المنظومة، يرفض الإتفاق الضمنى والسيناريو المكرر، يريد أن يختار لنفسه ويغرد خارج السرب..

 

والمدهش أن عدد هؤلاء، على عكس ما قد نتصور، يزداد داخل الولايات المتحدة، فوفقا لآخر الدراسات التسويقية التى قامت بها شركة (أن بى دى) هناك تراجع كبير فى الإقبال على طلب وجبات الكومبو، حوالى 12% مقارنة بالخمس سنوات الأخيرة، أى 8 بلايين وجبة كومبو فى نهاية يناير 2012 بدلا من 9 بلايين فى السنوات السابقة. وقد لوحظ هذا التراجع خاصة بين الفئة التى تتراوح أعمارها بين 18 و34 سنة..

 

البعض يرجع الأسباب للركود الاقتصادى، إلا أن الدراسة تؤكد أن المستهلكين يتوقون للاختيار الحر.. تمردوا على «الكومبو» بأنواعه، فهموا أن ذلك ليس بالضرورة الأفضل لهم.. وبما أننا فى مصر لا نعرف تحديدا مدى الطلب أو الاحجام على الكومبو ومدى رغبة الناس فى التمرد عليه، وبما أن الحياة أحيانا فى ظل أسلوب «الكومبو» تزداد غرابة، فلا يسعنا سوى أن نلتهم بعض حبات الفشار الطازجة ونتابع المشهد، مع مراعاة فروق التوقيت بين البلدين.

 

التعليقات