كيف يمكننا فهم دبلوماسية تركيا العدائية؟ - العالم يفكر - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 7:25 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

كيف يمكننا فهم دبلوماسية تركيا العدائية؟

نشر فى : الجمعة 21 أغسطس 2020 - 10:55 م | آخر تحديث : الجمعة 21 أغسطس 2020 - 10:55 م

نشرت مؤسسة German Marshall Fund of the United States مقالا للكاتبŞaban Kardaş تناول فيه ما تتبناه تركيا من دبلوماسية عدائية فى سياساتها الخارجية والذى سمح لها بتحقيق بعض المنافع إلا أنه فى نفس الوقت يفرض عليها أخطارا.. نعرض منه ما يلى.

يُقال إن تحركات تركيا المختلفة مؤخرًا فى شرق البحر المتوسط تهدف إلى تعطيل مخططات الدول الأخرى. وباستخدام القوة العسكرية، واجهت تركيا خصومها الإقليميين بمن فيهم حلفاؤها من الناتو. ما تسببه تركيا من إزعاج يوجد هدف وراءه، ومثل هذه التحركات من الأفضل النظر إليها فى ضوء الدبلوماسية العدائية والتى تقوم على التهديد بالعقاب لتحقيق أهدافها المرجوة.
لدى تركيا توجه استراتيجى يتمحور حول عسكرة أدوات السياسة الخارجية، ولجوئها من حين إلى آخر لاستخدام العنف أو التهديد يعتمد على منطق استراتيجى معين. ترتبط تصرفات تركيا مباشرة بحساباتها للقوة النسبية. قدرتها على حجب النتائج التى لا تصب فى مصلحتها يجب أن يؤخذ فى الحسبان عند تحليل سياساتها الخارجية. ركزت العديد من التحليلات على فشل سياسات تركيا فى الإقليم، وتجاهل الكثيرون قدرتها على التدخل لإحداث تغييرات فى مسار أحداث المنطقة. فعلى سبيل المثال، حضرت هذه الاستراتيجية فى شرق المتوسط لتعطيل عمليات التنقيب.
***
ما تقوم به تركيا من أفعال تخريبية هى جزء من دبلوماسيتها العدائية، والتى أصبحت سمة أخرى محددة لسلوكها مؤخرًا. الدول عند تبنيها دبلوماسية عدائية تهدف إما إلى ردع خصومها عن القيام بأعمال معينة أو إجبارهم على التصرف بطرق معينة. فى كلتا الحالتين، تعتمد الدبلوماسية العدائية على تهديد يعتمد فى النهاية على القدرات المادية والقدرة على توظيفها. يمكن أن يتخذ التهديد شكلين: العقوبة أو الحرمان.
أى خطوة عدائية دبلوماسية تستند إلى اعتقاد من شنها بأنه يتحكم فى ما يحدث من تصعيد. إذا شعر الخصم بأن لديه خيارات أفضل من الامتثال للتهديد، فمن يشن العداء سيواجه معضلة؛ فإما سيلجأ إلى التراجع وستضرر سمعته أو سيلجأ إلى التصعيد والذى من الممكن أن يتحول إلى مواجهة عسكرية. ولأن ليس من هدف الدبلوماسية العدائية الوصول إلى أى من تلك النتائج، فيجب على من يستخدمها أن يجرى حساباته بحذر.
فى العديد من الحالات التى استخدمت فيها تركيا الدبلوماسية العدائية، حققت تفوقا على منافسيها الإقليميين، على الرغم من مواجهتها لقوى كبرى مثل فرنسا فى ليبيا والولايات المتحدة أو روسيا فى سوريا. ما يتم التركيز عليه عند تبنى الدبلوماسية العدائية هو حساب المخاطر التى قد ينتج من هذه الدبلوماسية أكثر من التركيز على القوة المادية.

***
مع أخذ هذه الأفكار النظرية فى الاعتبار، فعلى الأقل هناك ثلاث روايات مترابطة تجعل القادة الأتراك واثقين من امتلاكهم القدرة على التصعيد، وبالتالى أخذ خطوات تصعيدية عالية المخاطر.
الرواية الأولى تعتمد على قراءة تركيا للبيئة الاستراتيجية فى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهى ترى أن تعميق عدم الاستقرار وفراغ السلطة هما القوتان السائدتان اللتان تخلقان تحديات هيكلية. فى هذا الوضع الغامض، يتم التعامل مع القوة العسكرية كمكون أساسى فى سياسة تركيا والتى تسعى من خلاله الـتأكيد على قوتها وقدرتها على القيادة الإقليمية. وإقامة صلة مباشرة بين القوة العسكرية والنفوذ الدبلوماسى أصبح سمة مميزة للسياسة الخارجية الأخيرة تغذيها تجربة تركيا فى سوريا.
الرواية الثانية تعتمد على أن تركيا انخرطت بالفعل فى العمل العسكرى منذ أن شنت حملتها العسكرية الأولى فى سوريا سنة 2016. فبعد أن تجاوزت قلق اللجوء إلى العمل العسكرى والذى حقق مكاسب سياسية، سهل ذلك من القيام بعمليات لاحقة والحصول على الدعم الشعبى. تعتبر هذه العمليات الأولى من نوعها، وبالتالى تعطى إشارات واضحة أن تركيا لا تزال مصممة على مساندة تهديداتها بالقوة إذا فشل خصومها فى الاستجابة لمطالبها.
الرواية الثالثة ترى أن سلوك تركيا الأخير يستند إلى افتراض أن الدول الأخرى ستجد صعوبة فى التصعيد ضدها، إما بسبب عدم رغبتهم فى الدخول لما يرونه مصدرا للإزعاج أو عدم قدرتهم على مواجهة التحدى التركى.
***
تشير هذه العوامل مجتمعة إلى أنه بالإضافة إلى ما تمتلكه تركيا من قدرات مادية تميزها عن منافسيها الإقليميين، فهى ترى أن الدبلوماسية العدائية المدعومة بأدوات عسكرية ممكنة. ومع ذلك، فإن منطق الدبلوماسية العدائية معقد ويجب إدارته بحكمة بسبب اقترابه من تطبيق القوة العسكرية. يجب أن تدرك السياسة الخارجية السليمة التى تعتمد على الدبلوماسية العدائية الاعتبارات التالية؛ تحديد مصالح الدولة الحقيقية، تحقيق الشرعية داخليا وخارجيا، عدم استخدام الدبلوماسية العدائية بشكل مكثف حتى لا تتشكل تحالفات مضادة، تزايد خطر المواجهات العسكرية، ومثل أى استراتيجية يجب أن يكون للدبلوماسية العدائية طريقة لإنهائها. قد تلحق الدبلوماسية العدائية التى لا تراعى بعناية هذه العناصر مخاطر كبيرة لتركيا. فيمكن أن تؤدى الحسابات الخاطئة بسهولة إلى دوامة تصعيد غير منضبطة ومعضلة أمنية، والتى قد تحول سياساتها التخريبية إلى مواجهات مدمرة.
***
لقد حققت بعض تحركات تركيا التخريبية ثمارها بشكل عام من خلال حرمان الخصوم من القدرة على تحقيق أهدافهم أو حملهم على التصرف بما يتماشى مع مصالح تركيا. فى سوريا والعراق وليبيا، تمكنت تركيا من تغيير قواعد اللعبة بالاعتماد على التهديد بالعقاب والحرمان. على الرغم من رؤية البعض أن تحركات تركيا ستؤدى إلى مخاطر عالية، إلا أن النتيجة فى كثير من الحالات أثبتت عكس ذلك. حتى الآن، ثبت فعالية قرار تركيا بالتصعيد، كما اتضح من سياسة حافة الهاوية التى اتخذتها ضد فرنسا بشأن ليبيا، وفى هذه الحالة أيضًا حسبت بشكل صحيح ردود الفعل الأوروبية والأمريكية المحتملة، ما أدى إلى تهميش فرنسا.

تمكنت تركيا أيضًا من تجنب بعض مخطر الدبلوماسية العدائية. فداخليا حظت على الشرعية الجماهيرية وقدمت حجة قوية تؤكد أن الغاية تبرر الوسيلة مما اكسبها دعم المعارضة. فكما وضعت تركيا مشاركتها فى سوريا والعراق كوسيلة لإحباط التهديدات الوجودية لبقاء البلاد وسلامتها الإقليمية، فإن سياستها فى ليبيا وشرق البحر المتوسط ربطتها بالدفاع عن الحقوق السيادية. كما أنها أثبتت قدرتها على احتواء التصعيد فى حالات كثيرة، فعندما واجهت لاعبين أقوياء تراجعت تركيا أو وافقت على صفقات حفظ ماء الوجه، كما كان الحال مع مذكرة موسكو فى مارس بشأن الوضع فى إدلب فى سوريا. لقد خففت من حدة التصعيد وأفسحت المجال للمفاوضات الدبلوماسية ومنحت الخصم فرصة لإعادة النظر فى الخيارات. إن قرار تركيا بوقف الاستكشافات فى مياه شرق المتوسط لتخفيف التوترات مع اليونان، بوساطة ألمانية، أوضح هذا التكتيك، الذى عزز من شرعيتها.
من ناحية أخرى، واجهت دبلوماسية تركيا العدائية بعض المشاكل. فاللجوء المتكرر إلى استخدام القوة أو التهديد سبب مشكلة رئيسية فى سياستها الخارجية، فلم تعد قادرة على استخدام أدوات دبلوماسية أخرى وأهمها بناء التحالفات. واستمرار تبرير سياساتها العدائية والعسكرية كضرورة للحفاظ على بقاء الدولة سيثير التساؤلات حول تعمد تركيا إلى تضخيم التهديدات وإضفاء الطابع الأمنى عليها، وهذا من شأنه تقويض الدعم المحلى وفى النهاية مصداقية الدبلوماسية العدائية. وبدأت العوائد تتناقص بالفعل وأدركت تركيا أنه لا توجد مكافآت ومكاسب دبلوماسية دائمة من الاستراتيجيات العدائية. إلى جانب ذلك، أدت سياسات تركيا التخريبية بالفعل إلى خلق تحالفات موازنة بين منافسيها، الذين يستعدون أيضًا لاستخدام الدبلوماسية العدائية ضد تركيا، مما يجعل الوضع مهيئًا لمزيد من التصعيد فى شرق البحر المتوسط على سبيل المثال. وأخيرًا وليس آخرًا، ليس هناك استراتيجية خروج واضحة لما تنتهجه السياسة الخارجية التركية حاليا. حتى الآن، تتجنب تركيا التورط فى المستنقعات العسكرية من خلال خفض التصعيد عند الضرورة. ومع ذلك، فهى تقوم حاليا بعدة عمليات عبر الحدود وتواصل التهديد باستخدام القوة. بالنظر إلى عدم الاستقرار وفراغ السلطة فى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإن البيئة الإقليمية المتقلبة تجعل الدبلوماسية العدائية خيارًا محفوفًا بالمخاطر. بالنظر إلى التفاعلات الاستراتيجية المكثفة بين عدد لا يحصى من الفواعل فى شرق البحر المتوسط والإشارات المتزايدة إلى أن الدول الأخرى ترى أن المكاسب من استخدام القوة أو التهديد بها تفوق مخاطرها، فقد تجد تركيا نفسها مضطرة للدفاع عنما حصلت عليه، وبالتالى الدخول فى دوامة تصعيد غير منضبطة مما يسحب أنقرة إلى خيار صعب بين التراجع أو الوقوع فى مواجهات عسكرية خطيرة بشأن قضايا ربما تكون غير هامة.

إعداد: ابتهال أحمد عبدالغنى
النص الأصلى
https://bit.ly/3j1bdNU

التعليقات