هل هذه أمة على أبواب نهضة؟ - جلال أمين - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 7:44 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

هل هذه أمة على أبواب نهضة؟

نشر فى : الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 9:00 ص | آخر تحديث : الجمعة 21 سبتمبر 2012 - 9:00 ص

شعرت بإحباط شديد خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية، من جراء ما سمعت وقرأت عما يجرى فى مصر. كما أعرف، مما أسمع وأقرأ، أننى لست الوحيد الذى يشعر بمثل هذا الإحباط، ولنفس السبب.

 

أستاذ جامعى يدرس تفسير الدين، يصدر على الملأ أحكاما شديدة القسوة وبالغة الإهانة على ممثلة سينمائية مصرية مشهورة، وتتعلق بحياتها الخاصة.

 

مستشارة محترمة لرئيس الجمهورية، وهى أيضا طبيبة وأستاذة جامعية، تعبر عن رأى مدهش فى موضوع ختان البنات، متعارض مع ما استقر عليه رأى خبراء محترمين فى الطب والدين، وفى الشرق والغرب. نعم، لقد قالت مثلهم إن ختان البنات عادة وليست عبادة، ولكن نسب إليها أيضا القول بأن البنت التى لم تخضع لعملية الختان ناقصة الإيمان. فلما هب كثيرون احتجاجا، نفت صدور هذا القول عنها، ولكنها استخدمت تعبير «مكرمة للبنت» فى وصف الختان، وقالت إنها نصحت بألا تجرى عملية الختان قبل وصول البنت إلى سن الخامسة عشرة. من الواضح إذن أن الدكتورة الفاضلة مترددة بشأن الختان، أو أنها لا تريد أن تفصح عن رأيها بصدده، رغم أهمية الموضوع واحتلالها منصبا يمكن أن يكون له أثر قوى فى السياسة المتبعة بشأنه.

 

ثم قرأنا عن ضباط للشرطة يطالبون بأن يسمح لهم بإطلاق اللحية. فلما اعترض البعض على ذلك لانه ينطوى على إعلان من جانب رجال رسميين يمثلون الدولة المصرية، عن انتمائهم لفريق من المصريين دون غيرهم، مما قد يثير شبهة التحيز فى وظيفة تفترض الحياد التام فى تطبيق القانون، أثيرت ضجة أن الضابط الملتحى يتبع سنة النبى الكريم، فكيف نمنعه من ذلك إذا أراد؟

 

ثم ثار الجدل حول اقتراض مصر من صندوق النقد الدولى، فكان احتجاج البعض على هذا القرض، ليس مدى نفعه أو ضرره لمصر، بل ما إذا كان سعر الفائدة (الذى لا يتجاوز 1.5٪) حلالا أم حراما، مع أن فقهاء يتمتعون باحترام وتقدير كاملين، فى مصر وخارجها، أصدروا الفتاوى المتكررة، طوال المائة عام الماضية، بأن الربا ليس هو مجرد اقتضاء أى فائدة على القروض بل اقتضاء فائدة باهظة.

 

ثم سمعنا عن معاملة غليظة، أو التوعد بمعاملة غليظة، لمجموعة من الشباب يجتمعون بين الحين والآخر للغناء والرقص، برغم أنهم يعبدون الشيطان.

 

أصبحنا إذن، فى كل يوم جديد، نسمع أو نقرأ عن جدل من هذا النوع، تلتهب له العواطف ويكاد يغيب عنه العقل. وفى كل يوم جديد نتمنى أن ينتهى مثل هذا ونلتفت إلى أمور أكثر صلة بمشاكلنا الحقيقية، التى تتراكم وتشتد يوما بعد يوم، وان نتخذ إزاء هذه المشكلات مواقف عقلانية تحقق مصلحة المجتمع، ومن ثم لا يمكن أن تتعارض مع شرع الله، لأن شرع الله لا يمكن أن يتعارض مع ما يقضى به العقل أو يحقق مصلحة المجتمع ونحن الآن فى أعقاب ثورة جميلة كنا نستبشر بها خيرا، ورفعت شعارات لا يمكن أن يختلف عليها اثنان عاقلان، كالحرية والخبز والكرامة الإنسانية، فلماذا يتحول الاهتمام والنقاش إلى أمور من هذا النوع؟

 

ولكن كل يوم جديد يأتينا بموقف من نفس هذا النوع المدهش. يقوم بعض المتآمرين ضدنا بإنتاج فيلم سينمائى فى الولايات المتحدة يتضمن إساءة للإسلام والنبى الكريم ويتجاوز حدود الأدب، ولكن يجمع كل من شاهده على أنه فيلم ردئ للغاية فنيا وفكريا. فما هو التصرف العاقل فى مثل هذه المواقف؟ هل هو الهجوم على السفارة الأمريكية وتمزيق العلم الأمريكى ورفع أعلام بديلة تعلى من شأن الإسلام، وتوجيه الاتهام إلى أبرياء من الأجانب والأقباط؟ أم أن العقل يقتضى بأدلة تقصى الحقائق وتحديد شخصية المتآمرين من القائمين بإنتاج هذا الفيلم ثم فضحهم ومقاضاتهم بمختلف أنواع المقاضاة الممكنة؟ إن الراجح (بل يكاد أن يكون من المؤكد) أن الذين انتجوا وعرضوا هذا الفيلم لم يستهدفوا إلا أن يكون رد الفعل من جانبنا هو كما حدث بالفعل، صياح هيستيرى وتخريب وإلقاء الحجارة واتهام الأبرياء، حتى نقوم بأنفسنا بتشويه صورتنا فى أعين العالم وتخريب علاقاتنا بدول بعينها، خاصة عندما رأوا تقاربا أمريكيا مصريا، واستعدادا من جانب الإدارة الأمريكية لدعم النظام الجديد فى مصر. فهل يطمع هؤلاء فى شىء أفضل مما فعلناه بأنفسنا؟

 

إن الخطأ وسوء التصرف موجودان ليس فقط فى تصرفنا إزاء الفيلم المسىء للإسلام، بل وفى كل الأمثلة السابقة: فى الجدل حول سلوك ممثلة، وحول الختان، وحول تصرف الشبان المتهمين بعبادة الشيطان...الخ. فإذا استمر حالنا على هذا المنوال لمدة طويلة، فهل هذا هو حال أمة على أبواب نهضة؟ وما هو المطلوب بالضبط، والحال كذلك، من رئيس جديد استبشر الكثيرون بمجيئه، بعد فترة فساد وقنوط طويلة، ولايزال الكثيرون يعلقون عليه الآمال؟

 

لنفرض أن الذين يشيعون هذا الجو المحبط، فيثيرون أسئلة مضادة تماما لما هو مطلوب لبعث نهضة جديدة،

 

هم حفنة قليلة لا تعبر عن الاتجاه العام للحزب الحاكم أو للرئيس الجديد الذى يؤيده هذا الحزب، فلماذا لم نسمع من قادة هذا الحزب (بل ولا من الرئيس الجديد) ما يكفى لوقف هذا العبث، بل ولا ما يدحضه بالدرجة الواجبة من الحزم؟ إن هذا الحزم الواجب فى مواجهة هذه القلة التى تعبث بمصير هذا الوطن هو بالضبط ما يلزم لكى يتحول الرئيس الجديد من مجرد رئيس للجمهورية إلى زعيم وطنى.. وهذا الحزم فى دحض هذه الأعمال المنافية لأى تفسير عقلانى ونهضوى يدين هو أيضا الواجب العاجل لمفكرينا وكتابنا الذين طالما وصفوا «بالمتدينين المستنيرين». فما بال كثيرين منهم يتقاعسون من القيام بهذا الواجب الآن، أو يقومون به بحذر وعلى استحياء؟ هل السبب يا ترى هو الخوف من فقدان الشعبية وسط الجمهور فَقَدَ كثير من أفراده وعيهم ففقدوا القدرة على التمييز بين الخطأ والصواب؟

 

فلنقارن بين هذا الموقف المائع، بما كتبه ذلك الكاتب الرائع، الدكتور أيمن الجندى، الذى لم يكف عن التعبير عن إيمانه العميق بالله وتدينه، فى عاموده اليومى فى جريدة المصرى اليوم، قبل وبعد ثورة يناير، وكذلك قبل وبعد صول الرئيس الجديد للحكم، ولكنه ذلك التدين الجميل المفعم بحب الحياة والناس.

 

كتب أيمن الجندى تعليقا بديعا بمناسبة توجيه الإهانات البذيئة للممثلة المشهورة، تحت عنوان «الخطاب الدينى العنيف» (المصرى اليوم 16/9/2012): «إننى مندهش ومنزعج ومشفق على الذين يتجرأون على الكلام باسمه سبحانه وتعالى ويزعمون أنهم يعبرون عن مراده.. اعلموا أن مكانة الناس عنده بقدر خشوع قلوبهم وإحساسهم بالمذلة تجاه مولاهم. واعلموا أن الله لا ينظر إلى ذقونكم وجلابيبكم ولكن ينظر إلى قلوبكم ومخافتكم إياه. يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء. من أنا حتى أتكلم باسم من خلقنى، ويقدر أن ينسفنى بددا؟

 

اسمعوا من العبد الفقير: من كان يظن أنه عند الله أفضل من إلهام شاهين، أو أفضل من أى إنسان من عصاة المسلمين، فهو فى خطأ عظيم. لا أحد يدرى من سيُختم له بالسوء ومن سيُختم له بالحسنى؟.. رُبّ معصية أورثت ذلا وانكسارا خير من طاعة أورثت تعاليا واستكبارا. مهما يكن ما بدا لك من ظاهر العبد فأنت لا تعرف السر الذى بينه وبين ربه، وقبل ان تحكم على غيرك، من فضلك تذكر ما فعلته أنت فى الغرف المغلقة حين كان الرقيب هو الله ومع ذلك سترك. لا أعنى طبعا ألا تُنكر المنكر أو تتردد فى وصف المشاهد الخارجة لإلهام شاهين بالخطأ ولكن لا تغلظ على العاصى ولا تتعال عليه. وادع له بالهداية وعامله بالحسنى».

 

لماذا لم نسمع أو نقرأ كلاما بهذه القوة والحسم من كتابنا المستنيرين، ولا من أى زعيم من زعماء حزب العدالة والحرية؟ هل وصل الخوف من الجمهور إلى هذا الحد؟

 

 

جلال أمين كاتب ومفكر مصري كبير ، وأستاذ مادة الاقتصاد في الجامعة الأمريكية ، من أشهر مؤلفاته : شخصيات لها تاريخ - ماذا حدث للمصريين؟ - عصر التشهير بالعرب والمسلمين - عولمة القهر : الولايات المتحدة والعرب والمسلمون قبل وبعد أحداث سبتمبر.
التعليقات