الفارق كبير بين اللعب خارج الأرض وداخلها.. وأحاديث السحر والسحرة والأسحار تظل مجرد حكايات بلا يقين
تشكيل العودة كان هجوميًا فيه روح المغامرة والحيوية .. وتفوق حازم إمام وعمرو زكى وأحمد فتحى وحسام غالى
حضور جماهيرى رائع يؤكد أن كرة القدم تضىء مشاعل الأمل والتفاؤل وسط صور العبث والتهريج فى الشارع
«جمهور كبير.. جمهور عظيم..». ظل يرادونى هذا الهتاف الصامت منذ بدأت مباراة مصر وغانا وسط هذا الحشد الجماهيرى الذى تميز بوعيه وحسه الوطنى وبروحه الرياضية فلم يخرج على النص طوال المباراة. وقد كان هذا الإقبال الجماهيرى الرائع على مواجهة محسومة فى نتيجتها تقريبا من أهم مفاجآت اللقاء الذى جرى بين مصر وغانا باستاد 30 يونيو. فقد احتشد ما يقرب من 30 ألف متفرج بمدرجات الملعب الذى يقع على أطراف العاصمة وكل منهم يطارد أملا ضئيلا جدا لا يتعدى نصفا فى المائة أو فى الألف أن يتأهل المنتخب إلى كأس العالم. هكذا وسط مشاهد الفوضى والإرهاب الخسيس التى تدفع لليأس توقظ كرة القدم المشاعر القومية وتضىء مشاعل الأمل والتفاؤل.. وهكذا أضاء ملعب 30 يونيو الصورة فى بلادنا، وقد كانت هناك صور أخرى تنطق بالعبث والتهريج حين وقعت اشتباكات فى أطراف ميدان التحرير بين شباب وشباب كلاهما لا يعرف لماذا يشتبك مع الآخر.. وعندما بدأت المباراة توجهت أنظار هذا الشباب وهذا الشباب المشتبك إلى شاشات التليفزيون لمتابعة اللقاء بشغف وصمت وأمل.. وحين اطلق الحكم صفارة النهاية كانت تلك صفارة البداية كى تتجدد الاشتباكات بلا مبرر حقيقى؟!
انتهت جولة التصفيات الإفريقية وحجز منتخب الجزائر الشقيق تذاكر السفر إلى البرازيل بفوزه بهدف للاشىء على منافسه بوركينا فاسو فى البليدة، وهو المنتخب العربى الوحيد الذى يمثل الكرة العربية فى حفل الكرة العالمية. وقد أكمل حلقة المنتخبات الإفريقية الخمسة التى تأهلت لمونديال البرازيل وهى نفسها المنتخبات التى كانت تأهلت لمونديال جنوب إفريقيا الماضى.
يوم 6 ديسمبر المقبل يقام حفل إجراء قرعة نهائيات المونديال فى منتجع كوستا دو ساويبى على شاطئ الأطلسى فى مدينة باهيا البرازيلية الساحرة التى تزينها أشجار النخيل، والبحيرات، والأنهار، ويعكس الحفل الثقافة الموسيقية البرازيلية ويحضره 1300 مدعو وأكثر من 2000 صحفى وإعلامى. وتنقله 193 دولة على الهواء مباشرة، وسوف نتذكر فداحة الخسارة فى كوماسى مرة أخرى حين نشاهد منتخبات 32 دولة تحتفل بوجودها فى أهم حدث كروى عالمى عرفه الإنسان.
تساءل الكثيرون أثناء مباراة العودة وبعدها: لماذا لم نلعب فى كوماسى كما لعبنا بالقاهرة؟
لم يكن واردا أو ممكنا أن يلعب المنتخب فى كوماسى بنفس الأسلوب الهجومى لأن منتخب غانا لم يكن ليلعب على أرضه كما لعب فى القاهرة وهو فائز بستة أهداف.. والواقع أن المنتخب لم يلعب فى كوماسى أصلا وكان مفترضا أن يحسن الدافع واستهلاك الوقت والحفاظ على أقل فارق فى الأهداف، لاسيما بعد هدف أبوتريكة فى الدقيقة 38 من ضربة جزاء. لكن الدقائق الست أربكت الفريق ترتب عليها هدف ثالث سجله عبدالوارث فى الدقيقة 44 من الشوط الأول وكان هذا الهدف بمثابة «القشة التى قصمت ظهر الفريق».. لم يحسن المنتخب الدفاع كأسلوب فى مواجهته الأولى مع غانا، ومهما كانت أحاديث السحر والأسحار والسحرة، وقد كانت هناك مثل تلك الأحاديث، بل وتلقى أحد أعضاء الجهاز الفنى اتصالا تليفونيا من دولة عربية شقيقة عرض فيها المتصل خدمات ساحر ورفض عضو الجهاز الفنى هذا الكلام واعتبره كأنه لم يكن، ونشكره على ذلك، لكننا نعرف عن إفريقيا أنها تستعين بالسحر فى كرة القدم وهناك ما يعرف بالفودو فى جذور اللعبة السمراء وفى جذور الحياة فى القارة. لكننا سنظل نشك فى حقيقتها وحقيقة تأثيرها لأنها مجرد حكايات بلا يقين مشهود.. فالمشهود فى حدود المستطيل الأخضر كان سوء إدارة برادلى للمباراة، وسوء أداء من اللاعبين، وفقدان للسيطرة، وحالات توهان لنجوم، ودفاعات مستباحة، وتوفيق بالغ للاعبى غانا.
كان الأمر مختلفا فى القاهرة، فقد سيطر المنتخب الوطنى على المباراة وقدم عرضا جيدا اتسم بالجدية والسرعة والروح العالية، ونجح لاعبو الفريق فى تضييق المساحات، وإفساد محاولات غانا الهادئة لبناء هجمات. والواقع أن أداء النجوم السوداء ساهم فى المساحة التى منحت لمنتخب مصر. فلم يكن هدف غانا هو الفوز أو استعراض العضلات، وذلك لأنهم محترفون عقلا وشكلا ويدركون أن اللعب فى كأس العالم للمرة الثالثة على التوالى أهم من فتح الملعب أمام المصريين ومجاراتهم فى الهجوم.
التشكيل الذى لعب به منتخب مصر كان فيه المغامرة الهجومية، والحيوية وهبط بمعدل أعمار الفريق قليلا، وكانت الوجوه التى دخلت هذه المرة من نجوم اللقاء. هم عمرو زكى، وحازم إمام، وعبدالشافى، بالإضافة إلى أحمد فتحى بمركزه الجديد فى الوسط وحسام غالى الذى مارس دوره كبناء من الخطوط الخلفية للهجمات، وهو ما لم يفعله فى مباراة الذهاب.. ثم محمد صلاح. كذلك نجح نجيب وربيعة فى الدفاع. مع التأكيد على أنهما لم يتعرضا لاختبارات حقيقية على مدار التسعين دقيقة إلا عندما سجلت غانا هدفها الوحيد الذى كان مثل ملح زائد أفسد الطعام.
النتيجة من النتائج المنطقية فى مباريات مصر وغانا. فمن الوارد أن يفوز الفريق الغانى بفارق هدفين أو هدف والأمر نفسه بالنسبة لمصر. لكن ما حدث فى كوماسى لم يكن طبيعيا. كان المنتخب تائها كله، وجهازه الفنى حائرا لا يرى ما يجرى. والفوز بستة أهداف ليس من النتائج المنطقية فى لقاءات الفريقين.. فهل هو فارق التشكيل أم فارق الروح أم فارق إدارة المباراة؟ إنه هذا كله. تشكيل فيه حيوية وسرعة. وروح قتالية تمثلت فى الانقضاض والاندفاع والضغط، وإدارة مباراة، وهذا لم يكن متاحا فى مباراة الذهاب التى تلاعب فيها الغانيون بلاعبى المنتخب..
النقطة السيئة فى هذه المباراة نجاح غانا فى تسجيل هدف فى الدقائق الأخيرة، ومن خطأ تقليدى دفاعى مصرى، حيث مضت الكرة العرضية القادمة من اليمين كومضة، أو كشعاع ضوء كان أسرع من مدافعينا وأسرع من صوت التفاهم بين المدافعين وبين حارس المرمى..
المفاجأة هى الحضور الجماهيرى الكبير وسلوكه الرياضى فى معظم المباراة باستثناء كثير من الليزر وقليل من الشماريخ.. لكن المباراة كانت فرصة للمتعاركين والمتناوشين والمختلفين فى ميدان التحرير لالتقاط الأنفاس ومتابعة المواجهة عبر شاشات وضعت فى الميدان أو وضعها «معلم» فى الميدان، فأنشأ هدنة بين الشباب المتعارك، لكنها لم تستمر فقد عادت الاشتباكات بعد انتهاء المباراة..
عجيبة يا مصر.. وهارد لك يا منتخب مصر. وشكرا ياجمهور مصر الحقيقى. وعلينا أن نبدأ الاستعداد لمونديال روسيا لعل وعسى، ونسأل الله ألا تكون عسى..
درجات اللاعبين
شريف إكرامى (5). محمد نجيب (6) رامى ربيعة (7 ). حازم إمام (9). محمد عبدالشافى (6). حسام غالى (8). أحمد فتحى (8). أبوتريكة (5). كهربا (4) محمد صلاح (6) عمرو زكى (8.5). حسنى عبدربه (7). شيكابالا (4). جدو (6).