مزاعم إسرائيلية لتبرير اقتحام مستشفى الشفاء - دوريات أجنبية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 3:52 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

مزاعم إسرائيلية لتبرير اقتحام مستشفى الشفاء

نشر فى : الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 7:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 21 نوفمبر 2023 - 7:55 م

نشرت مجلة فورين بوليسى مقالا للكاتب هوارد دبليو. فرينش، يقول فيه إن مزاعم إسرائيل لتبرير عملية اقتحام مجمع الشفاء الطبى لا تشفع لها الاستهانة بحياة المئات من الأبرياء، فتسبب هذا الاقتحام فى استشهاد المئات من المرضى والجرحى، بينهم أطفال خدج. لذا يدعو الكاتب إلى ضرورة التوقف عن تبرير هذه الأعمال الهمجية حتى لا تنزلق الحملة الإسرائيلية إلى خطر الإبادة الجماعية... نعرض من المقال ما يلى:
بداية، يقول كاتب المقال إن اللقطات التى نشرها الجيش الإسرائيلى من داخل مستشفى الشفاء فى قطاع غزة، بعد اقتحامه فجر يوم الأربعاء الماضى، أحدثت ضجة على وسائل التواصل الاجتماعى. ويظهر فى الفيديو ضابط فى الجيش الإسرائيلى يأخذ المشاهدين فى جولة قصيرة فى قسم التصوير بالرنين المغناطيسى، مشيرا إلى عدة أماكن عثر فيها الجيش الإسرائيلى على حقائب تحتوى على أسلحة ومعدات عسكرية ــ يزعم أنها مخزنة هناك من قبل حماس. وتشمل هذه العناصر ذخيرة، وقنبلة حية، وسترة واقية من الرصاص، وأحذية، وبندقية كلاشينكوف (AKــ47) وهو ما وصفه الضابط بأنه «مجموعة عسكرية كاملة لإرهابى واحد من حماس».
وهنا، من المفترض على المشاهدين أن يصدقوا أن هذا دليل على عدالة الحصار الذى تفرضه إسرائيل.. استهدافها العسكرى لأكبر مستشفى فى غزة، والذى اعتبرته بمثابة قاعدة لمقاتلى حماس.
كما دعا الجيش الإسرائيلى صحفيين من هيئة الإذاعة البريطانية (بى. بى. سى) وطاقم تلفزيون آخر إلى قسم التصوير بالرنين المغناطيسى لمشاهدة الأسلحة التى زعمت القوات الإسرائيلية أنها عثرت عليها. واستكمل ضابط الجيش الإسرائيلى الحديث لمراسلة الـ«بى بى سى»، قائلا «ثلاثة مخابئ صغيرة من بنادق كلاشينكوف وذخيرة وسترات واقية من الرصاص»، بالإضافة إلى «بعض الكتيبات والمنشورات العسكرية وخريطة تحمل علامات دخول وطرق الخروج من المستشفى». وأضافت المراسلة: «يقول الضابط إنهم عثروا على نحو 15 قطعة سلاح، إلى جانب بعض القنابل اليدوية»، وتابعت الحديث «كانت زيارتنا خاضعة لرقابة مشددة.. كان لدينا وقت محدود للغاية على الأرض ولم نتمكن من التحدث إلى الأطباء أو المرضى هناك».
لكن فيما بعد حذفت قوات الاحتلال الفيديو وأعادت نشر نسخة معدلة، إذ حذفت بضع ثوانٍ من نهاية النسخة الأصلية. فى النسخة الأصلية من الفيديو يظهر جهاز كمبيوتر محمول تم الاستيلاء عليه وعلى شاشته صورة جندى إسرائيلى محتجز كأسير لدى حماس ــ كما زعم الضابط الإسرائيلى. لكن فى النسخة المعدلة، تكون شاشة الكمبيوتر المحمول غير واضحة، وينقطع الفيديو قبل أن يذكر الضابط أى شىء عن هذا الجندى. ولم يتم ذكر سبب التعديل، لكنه زاد من الشكوك الموجودة حول دقة اللقطات. وأكد تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية من صحة هذه الشكوك، حيث أشار التقرير إلى التناقضات بين ما أظهره فيديو الجيش الإسرائيلى وما شاهده فريق مراسلى بى بى سى أثناء استعراضه.
●●●
يوضح كاتب المقال أن عملية اقتحام مجمع الشفاء الطبى كانت مخيبة للآمال، لأن عدد الأسلحة التى زعم العثور عليها لا يقارن بالألم والمخاطر التى ألحقتها إسرائيل بمئات الفلسطينيين الذين يعالجون فى المجمع الطبى، حيث تم قطع الكهرباء والوقود والإمدادات الطبية عن مستشفى الشفاء. أضف إلى ذلك، حرمان الصحفيين وغيرهم من المراقبين من الوصول فى اللحظة الأولى للاقتحام لمشاهدة ما يحدث على الأرض، وبالتالى حرمان العالم من مصادر مستقلة للمعلومات حول ما يجرى بالفعل فى الداخل.
وبقدر إصرار إسرائيل والولايات المتحدة على الادعاءات بأن مستشفى الشفاء قد تم استخدامه كقاعدة رئيسية لعمليات حماس، فقد نفت حركة حماس ــ وكذلك العاملون فى المستشفى ــ ذلك. ويبدو أن النتيجة المبكرة للأدلة المتاحة للجمهور، مثل مقطع الفيديو الخاص بمخبأ الأسلحة المزعوم، لا ترقى إلى مستوى فكرة أن المستشفى يشبه أى شىء من هذا القبيل. ولم تقدم إسرائيل أى دليل حتى الآن على مركز القيادة تحت الأرض والأنفاق التى قالت إن حماس تستخدمهما. وبطبيعة الحال، فإن المزيد من الوقت يعنى الحصول على معلومات من الصحفيين المستقلين القادرين على أداء عملهم بحرية، وبالتالى توليد صورة مختلفة فى نهاية المطاف. وهذا، فى الواقع، هو السبيل الوحيد لإثبات الحقيقة بمصداقية.
وقد نددت المؤسسات الدولية مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمات المجتمع المدنى مثل «هيومن رايتس ووتش» بالحصار الإسرائيلى للمستشفى باعتباره دليلا على الاستهتار المتعمد بحياة الأبرياء، وهو أمر يستحق تعليقا رسميا، مثلا التحقيق فى جرائم الحرب. لكن القانون الدولى ليس مفيدا فى تحديد ما يعتبر أو لا يعتبر جريمة حرب أو متى يجوز استهداف مستشفى كجزء من عملية عسكرية. هناك الكثير من المناطق الرمادية حيث تترك الأسئلة الرئيسية مفتوحة للتفسير.
●●●
إن حرمان المرضى المصابين بأمراض خطيرة من الكهرباء، أو الأطفال المبتسرين من الحاضنات، أو مرضى العمليات الجراحية من التخدير والإضاءة المناسبة ما هو إلا أمر غير إنسانى ودون منطق. وفى الأيام الأخيرة، ومع توقف الرعاية فى المستشفى، اضطر المستشفى إلى اللجوء إلى دفن الموتى فى مقابر جماعية، وقال مدير المستشفى إن الكلاب بدأت تتغذى على الجثث المتناثرة على الأرض. وإذا لم تكن هناك مقاومة مسلحة شديدة ونشطة لإسرائيل من داخل المستشفى نفسه أو من تحته، سيكون من الصعب تبرير الحملة الإسرائيلية ضد مستشفى الشفاء، وهذا على الأرجح ما دفع الرئيس الأمريكى جو بايدن فى وقت متأخر جدا بدعوة إسرائيل لحماية حياة الإنسان فى المجمع الطبى.
ومع ذلك، لا تعد عملية مستشفى الشفاء الإثم الوحيد لإسرائيل، إذ تسببت عملياتها العسكرية فى تدمير أعداد هائلة من المبانى، وقتل ما يصل إلى واحد من كل 200 فرد من سكان غزة؛ مما أدى إلى نزوح أعداد كبيرة من المدنيين من الشمال إلى الجنوب حيث مناطق مكتظة وخطرة أيضا. وسواء ثبت أن مستشفى الشفاء كان قاعدة عملياتية رئيسية لحماس أم لا، فإن هذه الحملة الإسرائيلية اتخذت طابع العقاب الجماعى والعشوائى ضد مواطنى فلسطين.
وكما كتب الصحفى عاموس هرئيل أخيرا فى صحيفة هاآرتس، فإن «معظم ساحات القتال فى شمال غزة ستكون غير صالحة للسكن البشرى لأشهر، إن لم يكن لسنوات. لقد تم تدمير أحياء بأكملها فى مدينة غزة وضواحيها، ناهينا عن كمية الذخائر التى ستبقى فى المنطقة».
على صعيد آخر، عند المقارنة بين الغزو الروسى لأوكرانيا والحرب الإسرائيلية على غزة، سنجد أن تكتيكات موسكو العسكرية دفعت وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن إلى التصريح أمام الأمم المتحدة قائلا: «لا يمكننا أبدا أن نسمح للجرائم التى ترتكبها روسيا بأن تصبح أمرا طبيعيا جديدا لدينا... قصف المدارس والمستشفيات والمبانى السكنية وتحويلها إلى أنقاض ليس أمرا طبيعيا». لكن هذه الأمور أصبحت طبيعية فى غزة، كما أصبحت موجة من الخطاب الإسرائيلى الذى يعلن صراحة عن الرغبة فى تسوية غزة بالأرض، فى حين استمرت الولايات المتحدة فى إظهار تحفظ كبير تجاه التحدث علنا عما يمكن أن تفعله.
●●●
وهنا، يشير كاتب المقال إلى اللغز الأخلاقى الكامن فى قلب هذا الصراع. بمعنى أوضح يرفض الكاتب تسمية هذا الصراع بالحرب لأن الحرب تحدث بين الدول، وبالرغم من حجم الأضرار التى ألحقتها حماس بإسرائيل يوم 7 أكتوبر إلا أنها لا تملك إلا القليل من القوة.
إن مثل هذه اللغة اللاإنسانية والتكتيكات العسكرية هى التى دفعت الخبراء فى شئون المحرقة والإبادة الجماعية إلى التحذير من الخطر الحقيقى المتمثل فى احتمال انزلاق الحملة التى تشنها إسرائيل ضد حماس فى غزة إلى إبادة جماعية.
خلاصة القول، السبيل الوحيد لمنع الإبادة يتلخص فى التوقف عن تبرير أى عمل عنيف تتخذه المؤسسة العسكرية الإسرائيلية فى غزة باعتباره مشروعا، لأن هدفها النهائى يتلخص فى القضاء على حماس. ولا ينبغى للإسرائيليين، الذين كان مجتمعهم ضحية للأحداث التى وقعت فى السابع من أكتوبر، أن يسمحوا لأنفسهم بالابتهاج بانتقام أكثر فجاجة، ويتعين على الغرب، الذى سارع إلى دعم إسرائيل فى أعقاب هذا الرعب، أن يتحلى بالشجاعة الأخلاقية لمنع تفاقم هذه الأحداث. إن التحدث بوضوح عن الخسائر التى لحقت بالغالبية العظمى من الفلسطينيين فى غزة، الذين لم يكن لهم أى دور فى هذه الأحداث، يولد شعورا بالرعب.

ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلي

التعليقات