الحاسوب الكَمومى.. أحدث مساعى إسرائيل لتطوير التقنيات فى المجال العسكرى الأمنى - قضايا تكنولوجية - بوابة الشروق
الأحد 16 يونيو 2024 3:48 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحاسوب الكَمومى.. أحدث مساعى إسرائيل لتطوير التقنيات فى المجال العسكرى الأمنى

نشر فى : الأربعاء 22 مايو 2024 - 6:25 م | آخر تحديث : الأربعاء 22 مايو 2024 - 6:25 م

قبل 120 سنة افتتح تاريخ العلوم عهدًا مختلفًا على نحو جذرى، مع تطوير نظرية الكم الفيزيائية. وبلغت، فى العقد الثالث من القرن الماضى، الفيزياء التجريبية مرحلة تمكّنها من إجراء نمط التجارب الكَموميّة فى المختبر، عبر قياس مستويات الطاقة الخاصة بالجسيمات، كما تركيبتها الداخلية، واحتمال حركتها على هذا النحو أو ذلك، وتوصيف حركة الذرة بوصفها محصّلة احتمالات حركتها (مبدأ التراكب superposition). بينما، فى راهن أيامنا، تتسابق دول العالم فى الاستثمار فى ما يعتبر «ثورة الكم الثانية» متمثلة فى «الحاسوب الكَمومى» بوصفه يتجاوز قصور الحاسوب الكلاسيكى الذى نستخدمه اليوم، عن الأداء المتزامن فى مستويات مختلفة ومتعددة، والوقت الطويل الذى يحتاجه من أجل أداء مهمات حسابية وقياسية معينة.

يقوم هذا التقرير بعرض مسعى إسرائيل للاستثمار فى تطوير «الحاسوب الكَمومى» لديها، ويقدّم أيضًا مادة حول توظيف هذا الحاسوب فى مجالات الأمن وفى العمليات العسكرية.

 ما حجم الاستثمار الإسرائيلى فى «المستقبل»؟

بحسب تقرير «الأكاديمية القومية الإسرائيلية للعلوم»، تستثمر إسرائيل نحو 5.4% من مجمل الناتج القومى المحلى فى البحث العلمى لديها. ورغم ما طرأ على إسرائيل فى العامين الأخيرين، من أزمة «الإصلاح القضائى» والحرب مع الفلسطينيين، 2023-2024، ما أدى إلى تراجع تصنيف إسرائيل فى قائمة مصاف الدول المستثمرة فى البحث العلمى بشكل عام؛ ما زال مجال التقنيات المتطورة يشكل 18% من مجمل الناتج القومى المحلى، ونحو 40% من مجمل الاقتصاد الإسرائيلى، وما زالت إسرائيل تقف فى المرتبة الرابعة فى مجال «الابتكار التقنى/ستارت آب» على مستوى العالم، والذى سجّل هذا العام استثمارًا بنحو 1.6 مليار دولار، 38% فى مجال السايبر.

فى هذا السياق، صدر فى فبراير الماضى عن معهد أبحاث الأمن القومى - جامعة تل أبيب، بحث «الحوسبة الكَموميّة: المستقبل هنا». يشير البحث إلى استثمار «البرنامج القومى للعلم والتقنية» حتى عام 2020، بنحو 1.5 مليار شيكل، بتمويل 200 مليون شيكل من «سلطة التطوير» و«المعهد لتطوير معدّات القتال فى وزارة الدفاع» بالتشارك مع شركات إسرائيلية ووزارات أخرى، بالحاسوب الكَمومى قيد التطوير. فى حين بلغ الاستثمار فى مجال التقنيات الكَمومية بين الأعوام 2018-2023، 480 مليون دولار. وفى مسعى تطوير حاسوب كَمومى ذى عشرات وحدات المعلومات الكَمومية «كيوبيت» Qubit (وحدة القياس الكَمومية الأساسية للبيانات فى الحاسوب)، صادقت السلطة أعلاه على ميزانية بمقدار 115 مليون شيكل.

 ونسبة للإنتاج القومى، تقف إسرائيل فى الدرجة الثانية عالميًا، بعد الصين، فى الاستثمار فى مجال التقنيات الكَمومية.

 ما الجديد فى هذا الحاسوب؟

ينطوى الحاسوب على ثلاث خصائص مميزة:

أ- وحدة قياسه «كيوبيت»، والتى تمكن قياس الجسيم Particle فى وضعية معيّنة من مستوى طاقة واحتمالات أسلوب حركته بطريق معيّنة، أو كتركيب لهذه الطرق، استنادًا لمبدأ التراكب superposition . على سبيل المثال، يتمتّع الحاسوب المطوّر فى مختبرات شركة IBM بـ127 وحدة معلوماتيّة كَموميّة «كيوبيت»، ما يحرره من الإزاحة الكَمومية وضرورة حساب احتمال الخطأ فى عمليّة القياس.

ب- معالجته لظاهرة «التشابك الكمّى quantum entanglement». فى هذه الظاهرة، ترتبط ذرتان ببعضهما البعض، وتؤثّران ببعضهما البعض على نحو متبادل، ما لا يمكن قياس وضعيّة أى ذرة باستثناء تلك التى ترتبط بها.

ج- تعرّض الوضعيات المركّبة لتشويش، بواسطة جسيم الضوء الأولى فوتون photon، على سبيل المثال، وانهيارها، ما يوفّر معرفة واسعة عن هذه الوضعيّة الكَموميّة.

بواسطة هذه الخصائص، يوفّر الحاسوب قدرة على قياس طبقات أعمق للجسيمات، قياسًا بما عهده الإنسان حتى يومنا هذا، لناحية ظواهر ذرية أو دون-ذرية (جسيم كَمومى، على سبيل المثال، بوسون Boson أو فرميون  Fermion) تنطوى على درجات قياس غير مرئية، يتعذّر الحاسوب الكلاسيكى عن قياسها فى مختبر متطور. كما أن الحاسوب الكَمومى يسرّع معالجة المعطيات التى يوفّرها انعكاس الكهرومغناطيسية Infrared، وغيرها، على مواد معينّة. وعمومًا، صحيح أن تناسب السرعة فى قياس ظواهر فيزيائية لا يصل فارق الحساب الرياضى بين الحاسوبين، بمعدّل 1 ثانية: 50 سنة، ألّا أن سرعة الحاسوب فى القياس الفيزيائى قادرة على حل معضلات أساسيّة فى علم الفيزياء، مثل إنتاج تفاعل الجسيمات لجسيمات جديدة، الأمر الذى قد يحتاج كاشف جسيمات Particle Detector متطوّر، دون هذا الحاسوب، سنوات لكشفها. موازاة مع ذلك، يتمتّع الحاسوب الكَمومى بقدرة معالجة وحساب معطيات متعددة وبكميّات فائقة، على نحو متزامن، على عكس الأسلوب التتابعى serical للحاسوب الكلاسيكى.

بهذا الأسلوب، فإن القدرات المذهلة التى يوفّرها الحاسوب الكَمومى، تقف على تجاوزها للعالم الحسّى، والتقنيات المنجزة حتى الآن؛ يلحق هذا بسرعة كبيرة فى معالجة المعطيات قياسًا بالوتيرة الحالية، والقيام بمعالجات مختلفة المستويات والأبعاد على نحو متزامن.

واستنادًا لهذه العناصر فى الحاسوب، يعدد الباحث فى معهد أبحاث الأمن القومى يهوشع كليسكى القدرات التالية التى يوفرها الحاسوب فى مجالات الأمن والصناعة العسكرية:

أ- تشفير المعلومات والقدرة العالية على تخزينها وإحكام السريّة عليها، بالإضافة للقدرة على نقلها، بسرعة فائقة، من قواعد البيانات الضخمة إلى الخوادم الحسابية.

ب- القدرة على كسر آليات التشفير لدى العدو، فى غضون ثوان معدودة، ما سيغيّر البعد الرقمى فى المعارك، والحرب السيبرانية، على نحو حاسم من المصفوفات الرقمية إلى التقنيات الكَموميّة.

ج- تحييد قدرة العدو على التنصّت فى المجال العسكرى والاستخباراتى.

د- تقليل الخطر فى إجراء التجارب النووية، وتوفير معدّات مختبرية وطواقم بحثيّة من أجل تطوير معدّات قتالية وبنجاعة أعلى، مثل المواد المتفجّرة، أو معدّات دفاعية ضد السلاح الكيميائى أو البيولوجى.

ه- فى ميدان المعركة، سيوفّر الحاسوب بواسطة توجيه موجات ليزر، قدرة على تقدير المسالك الأكثر أمنًا للقوات المتقدّمة فى محاور توغّلها، ويذكر الباحث: يوفّر الحاسوب الكَمومى القدرة على حساب الخطر الكامن فى عدّة مسارات محتملة، أو عناوين محددة، أو على نطاق أوسع، المسارات المنطوية على تعدد فى متغيّرات يجرى إحصاء مجمل ما تحتمله. بهذا الأسلوب، يوفّر الحاسوب الحل الأمثل بحساب متزامن لجميع المسارات المتاحة والمتغيّرات الكامنة فيها (وهى فى «لغة الفيزياء»، سلسلة الحلول الممكنة) وفى الوقت ذاته تُظهر الحل بوصفه ما تقيسه وحدة المعلومات الكَمومية كأكثر مستويات الطاقة انخفاضًا [وهو المسار المفضّل بالنسبة لحركة الجسيمات- الكاتب]. خيار آخر لمثاليّة اقتراح المسار المحتمل، هى استخدام «الحاسوب البصرى» quantum annealing القائم على توظيف أشعة الليزر. ماهيّة الحاسوب هذا تختلف بتفاعل الفيزياء البصرية ونظريّة الكمquantum optics.

يجدر بالذكر أن هذا الحاسوب لا يجرى حسابات مجرّدة، بل يطوّر حلولًا لإشكاليات عينيّة وخاصة. بهذا الأسلوب، فإن مثاليّة اقتراح المسار المحتمل، "تمر" بواسطة عنصر بصرى يتبع مسار موجات الليزر التى «تبحث»، على نحو متزامن وبسرعة الضوء من بين جميع المسارات المقترحة، عن مسار مثاليّ محدد، قيسَت فيه الطاقة الأكثر انخفاضًا من بين المسارات المختلفة. فى المستوى الأمنى، توفّر هذه القدرات تكيّفًا مثاليًا مع أكثر السيناريوهات تطرفًا فى محاور القتال المستقبلى، مثل التعامل مع هجوم متعدد المستويات والأبعاد، ضمن بلورة تقنيات طيفية وكهروضوئية spectral and electro-optical مبتكرة، ترجّح القرار الأكثر مثاليّة، وتتيح إصداره.

تختلف المصادر فى تقديرها الفترة اللازمة لخروج الحاسوب الكَمومى إلى الضوء، من 3 إلى 20 سنة. لكن من المؤكد حول هذا الحاسوب، هو إنذاره بتغيير وجه الحروب على نحو حاسم. لقد شهدت حروب العقد الأخير، بينها الحرب بين الفلسطينيين وإسرائيل 2023-2024، تطوّرًا متطرّفًا فى توظيف التقنيات العالية، بينها ما يعرف بالذكاء الاصطناعى، لخدمة العمليات العسكرية والأمنية، من الاغتيالات، إلى توسيع نطاق «بنك الأهداف» للقصف بواسطة الطائرات المقاتلة، الأمر الذى وسّع من المساحة الهائلة بين السلاح الهجومى واشتمال الهدف على تكتّل بشرى، يضاف إلى هذا الإنتاج السينمائى (المبهر) للعمليات العسكرية، فضلًا عن تعقّب الأهداف «تحت الأرض». وتجاوزًا لهذا، يجسّد مسعى إسرائيل، وغيرها من دول العالم، لتطوير الحاسوب الكَمومى، تطلّع العقل البشرى إلى خلق تطوّر ما بعد تقنى، ينقل الأدوات الهجومية والدفاعية، وحرب الاستخبارات العسكرية، إلى مستويات يصعب تخيّل تطبيقها العلميّاتى، فى هذه اللحظات.

 جمال مصطفى

 المركز الفلسطينى للدراسات الإسرائيلية «مدار»

النص الأصلى

قضايا تكنولوجية قضايا تكنولوجية
التعليقات