الشرق الأوسط ــ لندن: .. فى أنّ وعينا المناهض للحرب شبه معدوم - صحافة عربية - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 2:11 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الشرق الأوسط ــ لندن: .. فى أنّ وعينا المناهض للحرب شبه معدوم

نشر فى : الجمعة 22 يوليه 2022 - 7:15 م | آخر تحديث : الجمعة 22 يوليه 2022 - 7:15 م

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية مقالا بتاريخ 20 يوليو للكاتب حازم صاغية، يقول فيه إن (أغلبية) الشعب اللبنانى غير قادر على بلورة وعى يعبر به عن رفضه لعقلية حزب الله (الأقلية) المتجهة دائما إلى الحرب. يأتى ذلك فى وقت تزداد فيه احتمالية نشوب حرب بسبب تصادم إيرانى ــ إسرائيلى يدفعه حزب الله بدعوى حماية حقوق لبنان فى النفط والغاز، وأن حزب الله سيمضى فى هذه الحرب غصبا عن موقف أغلبية الشعب اللبناني!... نعرض من المقال ما يلى.
حين يقول واحدنا مرّة بعد مرّة بعد مرّة، وبكثير من التوتّر العصبيّ، إنّه لا يحبّ الحرب لكنّه لا يخافها، أو إنّه لا يريد الحرب لكنّه على أتمّ الاستعداد لخوضها، فإنّه لا يكون يقول إلا أنّه يحبّ الحرب ويريد خوضها، وأنّه ربّما كان يستعجل نشوبها أيضا، فإذا لم تنشب تولّى إنشابها.
العبارة هذه حين تتكرّر لا تعلن إلا امتلاء صاحبها بفكرة الحرب، وبافتراضها أمرا شبه حتميّ، والتعامل معها باعتبارها أداة وحيدة للسياسة، ومن ثمّ دفع الآخرين لأن يتعايشوا مع وقوعها، وبالتالى تسهيل توقّعها عليهم.
وليس مصادفة أنّ العبارة أعلاه التى يردّدها قادة «حزب الله» ونوّابه بصورة شبه يوميّة تترافق مع عبارة إيرانيّة محكومة بنفس البناء المنطقى وإن قيلت بصِيغ مختلفة: لسنا راغبين فى إنتاج سلاح نووى إلا أنّنا بتنا نملك القدرة الفنّيّة على إنتاجه.
إنّ فائض القدرة على شنّ الحرب، وضعف القوى القادرة على منع شنّها، يحاصران ما يُزعم عن ضعف الرغبة فيها، ويُغريان بتكبير تلك الرغبة. ونحن، بعد كلّ حساب، نتحدّث عن كائن حربيّ، مادّة تباهيه الأساسى هى الصواريخ التى يملكها واستسهال تقديم الشهداء بلا حدود ولا حساب.
والقوّة والحرب لدى الكائن الحربيّ هما الأساس الصانع لما عداه. إنّهما ما يعادل الإرادة عند شوبنهاور، أو البنية التحتيّة فى الماركسيّة، أو اللا وعى فى الفرويديّة.. من هنا نبدأ وإليه نعود.
وحتى لو صدّقنا عدم رغبة الحزب فى الحرب، يبقى أنّ فائض القدرة على شنّها يتحوّل وحشا يصعب ضبطه والسيطرة عليه داخل قمقم هشّ وصغير. ذاك أنّ فى وسع طاقة الحرب ونشاطيّتها أن تكيّفا الرغبة فيها أكثر مما تستطيع الرغبة، أو اللا رغبة، تكييفهما.
واقع الحال أنّ احتمال الحرب اليوم هو أكثر ما يتهدّد الشعب اللبنانى. السيناريوهات المحتملة قد تكون كثيرة، يتصدّرها بالطبع تصادُم إسرائيلى ــ إيرانى يجرّنا إليه «حزب الله» بذريعة حقوقنا فى النفط والغاز. لكنّ النتيجة، بغضّ النظر عن السيناريوهات، ستكون واحدة: موتا أكثر ودمارا أكبر وتعميقا للمأساة الراهنة وتكريسا لها باعتبارها واقعا نهائيا يلغى كلّ إمكانيّة للتعافى فى وقت لاحق.
وإلى ضعف الدولة وقلّة اكتراث الخارج كطرفين مانعين نظريّا للحرب، يدلّنا عقل الحزب وخياراته العميقة على أنّ هذه الوجهة هى المرجّحة فى الأحوال جميعا. لنراجع مثلا كيف انتقل الحزب من تقديم مقاومته فى التسعينيات كمحطّة إجماع لبنانى إلى الإقرار، بعد 2005، بحقيقة أنّها ليست موضع إجماع. أمّا اليوم فكثيرا ما نسمع من قادته أو من حاشية المُوالين له ذمّا للزمن لأنّ أكثريّة الشعب اللبنانى باتت «عديمة الكرامة» لا تريد أن تقاوم. لكنّ هذا الواقع والاعتراف به لم يحملا الحزب، ولن يحملاه، على وقف تلك المقاومة. فهو، بغضّ النظر عن موقف الأكثريّة، سوف يمضى فى «تحريرنا» غصبا عنّا، وفى «إرجاع أرضنا وثرواتنا» لنا غصبا عنّا كذلك.
طرفٌ كهذا لا يردعه مطلق شيء عن الحرب حين تبدو له مطلوبة وضروريّة.
إلى ذلك، لا يستوقف الحزب بتاتا أنّ طريقته فى حساب الانتصار والهزيمة مختلفة تماما عن طريقة الحساب التى تعتمدها أكثريّة الشعب اللبنانى ولا تعنيه بتاتا.
هذا ما يوحى، مأخوذا فى مجموعه، أنّنا قد نكون قاب قوسين من حرب أخرى، لكنّنا قد نكون أمام ما هو أدهى: سهولة أن نساق كالنعاج إليها، وإلى الموت المنجرّ عنها، وإلا متنا، وفق تحذير الأمين العامّ للحزب، على الأفران! فرفض الحرب الذى يشمل الأكثريّة الساحقة من الشعب لم يتحوّل جسما ماديا، بل لم يبلور أى وعى رافض لها يتعدّى تصريحا من هنا ومقالة من هناك. ومع أنّنا بلد خبر الحروب ودفع أكلافها الباهظة، وجزءٌ كبير من الأزمة الراهنة هو من تلك الأكلاف، فإنّ الوعى التغييرى السائد لم يُفرد لمناهضة الحرب بندا أساسيا، صريحا ومباشرا، من برنامجه. إنّ المعارضة فيما احتمال الحرب قائم وكبير ليست من قبيل business as usual.
لقائل/ة أن يقول إنّ وعيا كهذا لن يستطيع منع الحرب، بل حتّى لو نشأت حركة مناهضة لها فإنّها ستعجز عن ذلك. هذا ربّما كان صحيحا فى ظلّ الانقسامات الطائفيّة المعزّزة بثقافة سائدة فى منطقتنا غير مشهورة بطلب السلام. لكنّ فشلا كهذا ليس جديدا على أشكال من الوعى والتنظيم هزمتها الحروب فى بلدان أخرى، وفى أزمنة أخرى. مع هذا ففى وسعنا، على الأقلّ، أن نقول لأنفسنا وللعالم شيئين متلازمين: إنّنا لسنا مخدوعين بالحجج الحربيّة المعهودة، وإنّ الحرب إذا ما نشبت لن تُخاض باسمنا حتّى لو تذرّع بنا خائضوها الذين «يحرّروننا» غصبا عنّا.

التعليقات