الرئيس «انهزم» وانتصرت أمريكا - أشرف البربرى - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 12:54 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الرئيس «انهزم» وانتصرت أمريكا

نشر فى : الخميس 22 نوفمبر 2018 - 12:00 ص | آخر تحديث : الخميس 22 نوفمبر 2018 - 12:00 ص

لأن رئيس أكبر دولة فى العالم، وحامل حقيبة الشفرة النووية القادرة على إبادة الحياة على كوكب الأرض، وصاحب الإمبراطورية المالية الضخمة، لم يستطع سحب بطاقة اعتماد مراسل قناة تلفزيونية لتغطية أخبار هذا الرئيس ومقر الرئاسة، فإن دولته ظلت أكبر اقتصاد وأقوى جيش فى العالم وحلم الباحثين عن حياة أفضل على مدى أكثر من 70 عاما.
هذه هى خلاصة المعركة الخاطفة بين الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومراسل شبكة «سى إن إن» التلفزيونية الأمريكية جيم أكوستا، الذى تحدى طريقة إدارة الرئيس لأحد المؤتمرات الصحفية وأصر على توجيه أسئلته إليه يوم 7 نوفمبر الحالى، فما كان من الإدارة الأمريكية إلا أن أعلنت حرمان أكوستا من دخول البيت الأبيض، وطالبت القناة التلفزيونية باختيار مراسل جديد.
لم يحتج الصحفى ومعه الإعلام الأمريكى أكثر من 13 يوما حتى يجبر أحد أشد رؤساء أمريكا عنصرية وعداء للإعلام على «رفع الراية البيضاء»، والاعتراف بحق المجتمع الأمريكى فى إعلام حر قادر على مناطحة السلطة فى إطار القانون والدستور.
لم يكن الإعلام الأمريكى بمختلف ميوله، بما فى ذلك المؤيد للرئيس ترامب، منحازا إلى المهنة فقط عندما قرر الوقوف إلى جانب أكوستا و«سى إن إن» فى هذه الأزمة، وإنما منحازا إلى قيم الحرية وحق الشعب فى المعرفة باعتبار هذه القيم كلمة السر فى تطور وازدهار أمريكا منذ استقلالها فى القرن الثامن عشر.
هزيمة الرئيس ترامب واستسلامه السريع فى هذه المعركة الخاطفة، لم يكن إلا انتصارا للدولة الأمريكية، وللقيم التى ضمنت لها التفوق على كل من نافسها على مدى نحو قرن من الزمان. فعندما كان الجيش الأمريكى غارقا فى مستنقع فيتنام فى ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، كانت الصحافة الأمريكية تكشف أوجه القصور فى أداء المؤسستين السياسية والعسكرية، وتتحدى الأصوات المضللة التى ترى أن قيام الإعلام بدوره فى كشف الحقائق وتنوير الرأى العام تهديدا للأمن القومى. وكانت النتيجة خروج أمريكا مهزومة عسكريا من فيتنام، لكنها ظلت قادرة على الحفاظ على مكانتها كقوة عظمى فى العالم.
فى المقابل غرق الاتحاد السوفيتى فى مستنقع أفغانستان فى الثمانينيات، ولم يكن لديه ذلك الإعلام الحر الذى يكشف أوجه القصور، ويقطع الطريق على القصور فى الأداء، فكانت النتيجة هزيمة عسكرية فى أفغانستان، وانهيار وتفكك القوة العظمى الثانية فى العالم فى ذلك الوقت.
والحقيقة أن نظرة سريعة على صعود وهبوط الدول والقوى فى العصر الحديث ستصل بنا إلى نتيجة واحدة وهى أن الإعلام الحر، ونظام الحكم الديمقراطى وتداول السلطة هى كلمة السر فى بقاء دول وتقدمها من أمريكا إلى بريطانيا وفرنسا وألمانيا الغربية، وأن غياب الحرية وتأبيد الحكم كان السرطان الذى أدى إلى انهيار دول وقوى أخرى من الاتحاد السوفيتى إلى ألمانيا الشرقية وحتى الصومال.
فالاتحاد السوفيتى كان يمتلك من الأسلحة مثل ما تمتلكه أمريكا، ومن الموارد الطبيعية ما لا تمتلكه أمريكا، لكنه كان لديه صحيفة «برافدا» الحكومية ووكالة أنباء تاس التابعة للدولة والحزب الشيوعى الحاكم والوحيد، فى حين امتلكت أمريكا صحفا حرة مثل واشنطن بوست ونيويورك تايمز ووكالة أنباء مستقلة هى أسوشيتد برس وقنوات تلفزيونية خاصة وصناعة سينما قادرة على الإبداع، فانهار الاتحاد السوفيتى وبقيت أمريكا.

التعليقات