قبل أن يُرفع الستار - أحمد يوسف أحمد - بوابة الشروق
الإثنين 29 أبريل 2024 5:18 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

قبل أن يُرفع الستار

نشر فى : الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص | آخر تحديث : الخميس 24 مايو 2012 - 8:00 ص

تشبه الكتابة عن الانتخابات الرئاسية اليوم ــ الذى يصادف ثانى أيام هذه الانتخابات ــ أن يطلب من ناقد الكتابة عن مسرحية لم يشاهدها، ولم يشعر بنبضها الحى مع الجمهور الذى حضر عرض المسرحية. والمشكلة أن المرء لا يمكنه تذرعا بما سبق أن ينكص عن تناول الانتخابات الرئاسية لأهميتها الفائقة من ناحية، لتسجيل ملاحظات واجبة عن المناخ الذى سبق بدء الانتخابات، وهى ــ أى تلك الملاحظات ــ مطروحة للتفكير كى يمكن الاستفادة منها فى تصحيح مسار العملية الانتخابية فى جولة الإعادة إن تمت.

 

●●●

 

تنبأت استطلاع الرأى العام التى أجرتها أكثر من جهة بنسبة مشاركة عالية فى الانتخابات تجاوزت حاجز الـ90% من الذين يتمتعون بحق التصويت وفقا لآخر استطلاع للرأى أجرته صحيفة «الشروق». ويثق المرء أن نسبة المشاركة ستكون عالية فى تكرار لخبرة الاستفتاء على التعديلات الدستورية والانتخابات التشريعية، غير أنه ليس من الضرورى أن تجىء النسبة بهذا الارتفاع الذى قد يكون سببه أن قطاعا واسعا من المبحوثين ربما لم يألف بعد التعامل مع استطلاعات الرأى العام، كما أنه قد يجيب عن بعض الأسئلة وفقا لما يتصور أنه يسُر القائمين بالاستطلاع، أو أن نسبة من الذين لم يحددوا مرشحهم قد تنكص عن المشاركة أصلا. ولو بعدنا قليلا عن السياسة فإن هذه الاستطلاعات تمثل فرصة لأى دارس كى يستطيع تقييم هذه الآلية التى باتت سلاحا مهما بيد من يريد ويقدر على توظيفها من أجل مصلحته. بقيت مسألة أخيرة فى استطلاعات الرأى العام، وهى أن نتائجها قد تتغير عما أعلن ليس لعيب فى منهاجيتها، ولكن لأن القوى التى ستتأثر مصالحها سلبا بتلك النتائج ستعمل ما فى وسعها لكى تؤثر فى الساحة السياسية على النحو الذى يغير نتائج الاستطلاعات التى لا تلائمها ببذل المزيد من الجهود الكثيفة من أجل هذه الغاية، وهو ما يعرف فى التحليل السياسى باسم «النبوءة الهادمة لذاتها» (Self-defeating prophecy)، بمعنى أن إعلان النبوءة فى حد ذاته يدفع أصحاب المصالح إلى العمل من أجل تحييد أثرها من خلال تحركات سياسية مكثفة.

 

فى كل الأحوال لا شك أن نسبة المشاركة سوف تكون مشرفة للشعب المصرى، ودليلا جديدا على تعطشه للديمقراطية، ومما يدعم هذا التوجه أن عملية الانتخابات قد صارت منظمة وسهلة إلى حد بعيد، فأنت تستطيع التعرف على مقر لجنتك الانتخابية ورقم لجنتك الفرعية ورقمك فى كشوف الانتخابات بوسائل ميسرة للغاية بما يمثل مفارقة تامة مع الأوضاع فيما قبل ثورة يناير، وما زلت أذكر بداية اهتمامى بالمشاركة فى الانتخابات فى ستينيات القرن الماضى، وكيف كان العثور على مقر اللجنة الانتخابية من رابع المستحيلات مرة واثنين وثلاثة وأربعة إلى أن أصابنى الملل فى بداية شبابى فلم أحاول بعدها المشاركة فى أية انتخابات، وعندما قدر لى أن أشارك فى مراقبة الانتخابات التشريعية لعام 2005 إبان عضويتى فى المجلس القومى لحقوق الإنسان ذُهلت حين وجدت أن الصورة لم تتغير بالمرة، وأن عشرات فى كل لجنة فرعية يعودون أدراجهم محبطين دون أن يتمكنوا من الإدلاء بأصواتهم.

 

●●●

 

غير أن الصورة المبهرة لتنظيم عملية الإدلاء بالأصوات لا يجب أن تحجب عنا ما وراءها، وقد رُصدت فى الاستفتاء على تعديل الدستور ثم فى الانتخابات التشريعية مخالفات عديدة تمثلت فى الخروج على القواعد المحددة للدعاية الانتخابية، وبالذات فيما يتعلق باستخدام الدين عامة والمساجد خاصة فى هذه الدعاية، ثم فى الرشى الانتخابية التى تتجه إلى البسطاء بما يساوى شراء أصواتهم، وقد مرت هذه المخالفات فى المرتين السابقتين بسلام ودون رادع، وتشير كافة المؤشرات حتى الآن إلى أن هذا سوف يحدث فى الانتخابات الرئاسية أيضا، والواقع أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية معذورة فى تقصيرها فى هذا الصدد، لأنها تحتاج جيشا جرارا كى يضبط هذه المخالفات ويرصدها، ناهيك عن إنزال العقوبة القانونية بمرتكبيها، وقد وصل الأمر باستخدام المساجد فى الدعاية السياسية إلى أن أصبح قسم من المصلين هو الذى يواجه هذه المخالفات ولو من خلال الاشتباكات بالأيدى مع مرتكبيها، أما الرشى الانتخابية فهى متروكة لضمير من يتلقاها فحسب.

 

●●●

 

وإذا سلمنا أن الانتخابات تشهد منافسة ــ قد تتحول إلى صراع للأسف ــ بين اتجاهين رئيسيين هما التيار الدينى والتيار المدنى فإن الملاحظة الأساسية هى التشرذم الواضح داخل كل تيار، فالتيار الإسلامى منقسم أساسا بين مرشح يعتمد على ماضيه وبرنامجه وتحركه وسط الجماهير، وتقديمه صيغة وسطية معقولة، وبين ثانٍ يستند إلى الدعم الرسمى من قبل جماعة الإخوان المسلمين بصفته مرشحها، أما التيار المدنى ففيه كما هو واضح تنويعات أكثر، وهناك ثلاثة مرشحين يكادون يكونون  كتفا بكتف فى استطلاعات الرأى العام بالإضافة إلى وجود غيرهم من الذين يمكن أن يحصلوا على نسبة أصوات قليلة، ولكنها تؤثر دون شك على فرص الكبار فى السباق الانتخابى، ولو تصورنا جدلا أن تيارا من الاثنين الرئيسيين قد وحد نفسه وانتهى به الأمر إلى تقديم مرشح واحد أو على الأقل مرشح رئيسى واحد لفاز دون جدال بالمقعد الرئاسى ربما من الجولة الأولى، لكنها الطبيعة الإنسانية التى تجعل كل مرشح يتصور أنه «نسيج وحده»، ومن ثم فإن تنازله عن الترشح سوف يضر بصالح الوطن.

 

●●●

 

وثمة ملاحظة أخرى مهمة على خريطة المرشحين، وهى أنها تمثل قطيعة شبه تامة مع الأحزاب السياسية، وقد تكون هناك حالات لمرشحين ثانويين تقدموا عن أحزاب معينة، غير أن الواضح الذى لا يقبل مجالا لأى شك أنهم ليسوا مناضلين حزبيين وصلوا إلى مكانة قيادية داخل أحزابهم، وإنما هم حصلوا على تأييد هذا الحزب أو ذاك كمجرد مسوغ لترشيح أنفسهم، ماعدا حالة وحيدة يمكن القول فيها بأن هناك أساسا حزبيا قويا للترشح، ويثير هذا ملاحظة مهمة عن استمرار الضعف البين للأحزاب السياسية قبل الثورة، وامتداده إلى ما بعدها، وإن كان الأمل يحدونا فى أن تشهد السنوات القليلة القادمة نقلة نوعية على الأقل فى الأحزاب التى أفرزتها الثورة.

 

●●●

 

الملاحظة الأخيرة تتعلق بتزوير الانتخابات، وهنا نفرق بين تزوير الانتخابات الذى كانت تخشاه قوى سياسية عديدة ومنها شباب الثورة، وكان منطقها أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لابد وأن يزور النتائج حتى يأتى برئيس للجمهورية يكون طيعا فى يديه ولم يكن لهذا المنطق من أساس، فلماذا لم يزور المجلس انتخابات السلطة التشريعية التى قد تصبح أهم من رئيس الجمهورية فى ظل الدستور القادم؟ كما أننى لا أعتقد أن المجلس من الغفلة لدرجة أنه لا يدرك أن الشعب المصرى بكل فئاته لا يمكن أن يقبل بفعل كهذا بعد أن أصبح الاحتجاج جزءا من ثقافته اليومية. لكن ثمة سيناريو آخر «لتزوير الانتخابات» من الواضح أن التيار الإسلامى يتبناه، وهو سيناريو مؤسس على بدايات غريبة ونهايات خطيرة. يفترض هذا السيناريو أن فوز مرشحين محسوبين على النظام السابق بالمنصب الرئاسى يعنى أن الانتخابات زورت، وهو ما يتطلب من وجهة نظر هؤلاء «ثورة ثانية» (وكأنهم قاموا بثورة أولى)، ومكمن الخطر هنا أن نتائج الانتخابات يمكن على هذا النحو أن تتبعها موجات عاتية من عدم الاستقرار والفوضى نتيجة رفض التيار الإسلامى أن تسفر الانتخابات عن نتائج بعينها، وهو أمر يعنى أننا ما زلنا نفتقر إلى مبدأ «التسامح» مع الخصوم التى لا تقوم الديمقراطية بدونه، ومن ثم فإن الستار سوف يظل مرفوعا بعد انتهاء الفصل الأول انتظارا لما هو قادم من انتخابات إعادة أو فوضى يحدثها المتضررون من نتائج الجولة الأولى. وعلى كل مصرى مخلص أن يفكر فى كيفية مواجهة هذه التداعيات الخطيرة حال وقوعها، إن لم يكن منع وقوعها ابتداء.

أحمد يوسف أحمد أستاذ العلوم السياسية بكلية الإقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وعميد معهد الدراسات العربية