حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة.. سؤال القيادة أم شرط الإصحاح - حامد الجرف - بوابة الشروق
الخميس 18 أبريل 2024 11:57 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

حوار مفتوح: نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة.. سؤال القيادة أم شرط الإصحاح

نشر فى : الثلاثاء 23 يونيو 2020 - 8:55 م | آخر تحديث : الثلاثاء 23 يونيو 2020 - 8:55 م

فى مواجهة التحديات والعقبات التى تمنع انطلاق مرحلة إيجابية جديدة فى العمل العربى المشترك، دعت «الشروق» عددا من الكتاب والمفكرين والمتخصصين العرب لإجراء حوار بشأن الشروط التى يجب توافرها فى دولة أو ائتلاف عربى يتولى مهام القيادة فى النظام العربى، ويتغلب على هذه التحديات. وكان أول من استجاب لدعوتنا المفكر العربى الكبير ووزير التربية والتعليم الأسبق فى دولة البحرين الدكتور على فخرو. وبطبيعة الحال فإن الآراء المنشورة فى سلسلة مقالات «حوار مفتوح.. نحو مرحلة جديدة فى العمل العربى المشترك.. شروط القيادة» تعبر عن أصحابها فقط وليس عن وجهة نظر «الشروق».

بدعوة من «الشروق» شارك بعض كتابنا بمقالاتهم بحثًا عمن يقود الأمة نحو عمل عربى مشترك.. وعلى الرغم من الطرح الموضوعى عن أسس ومنهجية المشروع القومى الذى ستتقدم هذه الدولة أو تلك لقيادة الأمة استهدافا لتحقيقه، على نحو ما جاء بإسهام د. على فخرو، جاءت مقالة الدكتور عبدالخالق عبدالله، بلغة إثارية وعن نفسية تبدو ثأرية، زاعمة بأن قيادة الأمة خليجية وحتى إشعار آخر ــ وهو ما لا نرفضه فى ذاته من حيث المبدأ وإلا لصادرنا على مطلوبنا كقوميين عرب وكديمقراطيين كذلك ــ ولكنه لم يثبت تأهله للقيادة ولم يوضح أساسيات مشروعه التنموى النهضوى الواقعى على حد ما زعم؛ ثم توالت الكتابات، فحدثتنا الدكتورة نيفين مسعد عن الدور الهائم الذى يبحث عن بطل ــ بذات الصياغة الهيكلية التى وردت بكتاب فلسفة الثورة ــ وسبقها الدكتور إبراهيم عوض بحديثه عن إشكالية العلاقة بين مفهوم الأمة العربية ومفهوم الدولة القطرية.
ثمة قاسم مشترك واضح بين إسهامات (فخرو ــ مسعد ــ عوض) مع حفظ المقامات، ذلك أن القيادة لا تكون إلا بعد التوافق على المشروع، الذى ستنوء به وستبذل الجهود من أجل تحقيقه. وثمة قاسم مشترك ثان، متفق عليه بحكم التعريف، محصلته أن القيادة مسئولية فى الأساس وليست وجاهة ولا مغنما، وأنها لا تتقرر إلا بالرضا الطوعى لأولئك الذين سينضوون تحت لوائها، مقتنعين بها ومنخرطين فى دينامياتها على أرض الواقع، حتى يتحقق مشروعها.
فالقيادة لا تسلب ولو بدا الأمر كذلك، ولا تنتزع اغتصابا، أو تفرض عنوة، ولو استقر الأمر بذلك أو تلك إلى حين.
ولعلى أجازف بالقول بأن طرح السؤال لم يكن دقيقا منذ البداية.. فالأمة موجودة.. نعم، والقومية حقيقة قائمة.. بلى؛ ولكن طرح التساؤل عمن يقودها بحالتها الراهنة والواهنة معا، يفضى أولا لرد فعل تلقائى، عبر عنه الدكتور عبدالخالق عبدالله ــ نيابة عن المتطلعين لدور.. فكل يرى نفسه مؤهلا، وذلك من أعراض حالة الداء العضال للأمة، ويستتبع ثانيا تساؤلات تبعية لازمة، مؤداها: عن الغاية التى سيقاد العمل المشترك إليها، والكيفية التى سيقاد بها، والآليات التى ستعتمد لبلوغ الغاية، والعوائد التى ستجنى من وراء الانضواء تحت تلك القيادة، وتلك جميعها أركان «المشروع» الذى ينبغى التوافق عليه قبل طرح سؤال قيادة أى عمل مشترك لتحقيقه.
***
الأمة موجودة وستبقى.. والقومية حقيقة تتوارث بالدم.. ولكنهما معا كحال مريض على فراش الاحتضار يكاد يبلغ حد الوفاة الإكلينيكية إن لم يبدأ أطباؤه فى إعمال بروتوكول العلاج الناجع له، قبل يأس المراقبين منه. ربما كان مناسبا هاهنا أن نذّكر بالتساؤل التشاؤمى لسعد باشا زغلول عن حاصل جمع الأصفار ــ وقد طرح فى معرض الحديث عن وحدة العرب كذلك فى زمن غير موات ــ يكفى النظر لحال الجامعة العربية، ويكفى النظر لحال التجمعات الجهوية التى لم يبق منها إلا المجلس الخليجى ليعانى من أعراض أمراض ــ من ذات العلة ــ وإن كانت أشد وطأة.
ما نحن فيه يفرض سؤال الشرط قبل سؤال الماهية، وقبل سؤال التشخيص، أى قبل الحديث عن المشروع، وقبل تحديد من يقود عملنا المشترك نحوه.
فالشرط سابق على الماهية، والشرط كما علمنا أهل الأصول، هو ما يترتب على عدمه العدم، ولا يترتب على وجوده وجود أو عدم.
وسؤال الشرط، هو سؤال الإصحاح.. ونعنى به: هل دولنا القطرية (وهى مكونات الكيان الجمعى للأمة) بصحة وعافية وتؤهلها للانخراط فى مسيرة عمل مشترك؟ وبما يتطلب الحديث عن قيادته؟ الإجابة يقينا بالنفى.
***
الدولة القطرية يا سادة معتلة أشد الاعتلال، وداؤها العضال هو الاستبداد السياسى والدينى والفكرى معا، بما يشكل ثقافة سائدة، غاشمة، ومانعة، من مجرد التفكير الرشيد، ناهيك عن حرية التعبير وضماناتها.. إذن العمل يبدأ من إصحاح الدولة القطرية، والكف عن تعميق الجراح البينية وعن تصرفات الصبية، ومكايدات الصغار.. وأى حديث الآن عن عمل مشترك لا يعدو أن يكون إزاحة وإسقاطا أو تعمية وإلهاءً.
فالاستبداد العربى منذ أن تكرس بدءا من قيام الدولة الأموية، وما تلا تأسيسها من أنظمة حكم وللآن، قد ظل يشكل الإطار الوحيد لنظمنا عبر القرون، مرسخا بذلك ثقافة وقيما وأطرا وأساليب وإجراءات وآداب لشتى مناشط الدولة والمجتمع والفرد وعلى جميع الأصعدة. فلا شك الآن أكثر من أى وقت مضى فى صحة ما انتهى إليه مفكرنا العربى عبدالرحمن الكواكبى من أن الاستبداد هو أصل كل داء فى أمتنا، وأنه سبب إعاقة مسارها، وبقاؤها تراوح مكانها حتى يوم الناس هذا.
بلغت دولة الاستبداد العربى ذروة تجلياتها بعد الاستقلال من الاستعمار الغربى التقليدى فتوحدت أنظمة الانقلابات وأنظمة الحكم القبلى مع المؤسسات الدينية الرسمية المحافظة، ثم جناحها المؤطر فى مجموعات الإسلام السياسى، والتى شاركت المؤسسة الدينية الرسمية فى دعمها وبسط نفوذها، ليدعما معا الشرعيات المصطنعة لأنظمة الاستبداد، فى مقابل المشاركة فى مغانم السيطرة والنفوذ.
وواكبت حركة نظم الاستبداد والمؤسسات الدينية الرسمية، توجهات المفكرين المحسوبين على القوى المدنية واليسارية كذلك، فلم يجدوا إلا المنهج الماضوى بحثا عن نظرية أو تلمسا لطريق، فكان «البعث» وكانت تنظيمات اليسار الأممية المستغربّة، ثم كانت التيارات المنظرة للخطاب الخشبى البطريركى لأنظمة الحكم.
بلغ النظام الاستبدادى العربى أكمل تجلياته فى تاليه قياداته وقهر شعوبه واستنزاف ثرواته ونزق مغامراته؛ استجلابا لأمجاد متوهمة، عند نهاية حرب العراق لإيران. فلم يجد أمامه من جديد لتأكيد أمجاده المظنونة وتحصيل عوائدها المزعومة، إلا الهروب للأمام، فكان غزو صدام للكويت، وبه أعلن النظام الاستبدادى العربى بكل أشكاله ونظمه، غاية إفلاسه واستهلاكه لكل أدواته.
ولكنه لا يزال يتنفس..
ومنذ أغسطس 1990 بدأت حرب الثلاثين عاما العربية، بما يكاد يتطابق وما عاشته أوروبا فى حروب الثلاثين (1618ــ1648) تقريبا من حيث الدوافع والغايات. حرب انعتاق من أسر الاستبداد الدينى والسياسى، واحتكار الثروة الوطنية، وصولا لتأسيس دولة المواطنة والقانون والحرية والعدالة.
دمقرطة وحوكمة النظم القطرية لدولنا إذن، هى الأساس، وبها يتوافر الشرط، فإن تحقق، أمكننا بعد ذلك طرح سؤال الماهية عن المشروع المشترك، ثم البحث عمن يقوده.

حامد الجرف قاضٍ مصري سابق
التعليقات