الحراك فى لبنان: صراع مع ديوك الطوائف - جنى نخال - بوابة الشروق
الأربعاء 8 مايو 2024 6:39 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الحراك فى لبنان: صراع مع ديوك الطوائف

نشر فى : الجمعة 23 أكتوبر 2015 - 10:40 ص | آخر تحديث : الجمعة 23 أكتوبر 2015 - 10:40 ص

لا يعدو أكثر ما يُقال عما يجرى حاليا فى لبنان، عن كونه نظرة ساخرة لأولئك الذين «يملكون كل شىء» وقد استفاقوا يوما على رائحة كريهة. يجرى الكلام عن الحراك فى نشرات الأخبار العربية بنبرة وكأنه «ثورة بورجوازية»، لشعب يطالب برفاهية أكبر من تلك، التى يتنعم بها دونا عن باقى الشعوب العربية خاصة.

ربما يُخفى على الناظر من خارج النظام الذى حكم لبنان منذ تكوينه، أن يرى حقيقة المشكلات الاقتصادية ــ الاجتماعية وفداحتها.
فبدلا من رأس واحد للنظام، نشأ فى لبنان وبفضل «التعددية الطائفية»، نشأ لدينا رأس (زعيم طائفى، غالبا ما يكون وريثا لشكل من أشكال الإقطاع) لكل طائفة.
وبما أن الدولة محكومة بأربع طوائف رئيسية (مسيحيين موارنة، سنة، شيعة، ودروز) فلدينا أربع دول داخل الدولة الواحدة، وأربع زعماء رئيسيين عليهم، والباقى (14 طائفة) زعماء طوائف ثانويين.
وكما يقول المثل اللبنانى، وتماشيا مع «وضع الزبالة» و«الوضع الزبالة»، فكل «(زعيم) ديك على مزبلته صياح»، أى أن لكل زعيم كلمة الفصل ضمن طائفته.
وبما أن زعماء الطوائف هؤلاء هم ذاتهم من حكَمَنا منذ ما قبل الحرب الأهلية (ومنهم من حكمتنا عائلاتهم أو نهجهم منذ ما قبل الاستقلال المزعوم)، فهم ذاتهم من تسبب وشارك بالحرب واغتنى منها وأخذها بالاتجاه الذى يريد.. وما زال يحكمنا حتى الآن.
فمعظم من يرأس الطوائف الآن، يضع لنفسه ممثلين فى الحكومة أو البرلمان، أو يتربع فيهما بذاته، ويديه إما ملطخة بدماء اللبنانيين/ات والفلسطينيين/ات سواء، أو بسرقة أموال الشعب وحقوقه (سوليدير مثالاً).
وقد أنهوا جميعا تلك الحرب الملعونة فى التسعين، باتفاق يضمن حقوق ــ ليس كل «طائفة» بحسب ما يقولون، بل ــ زعيم كل طائفة لتلقى حصته من ثروات الشعب. وهذا ما يُعرَف بالمحاصصة. وقد قبِل اللبنانيون واللبنانيات المرهقون من حرب أهلية طاحنة بذلك الشكل من الحكم كما قبِلوا مرغمين دون أى خيار آخر، أن يوضع على رأسه رئيسا للحكومة هو يد السعودية فى المنطقة (رفيق الحريرى)، متعاونا مع الجيش السورى الذى كان محتلاً للبنان آنذاك، لفرض مشروعه دون السماح بنشوء معارضة تُذكر.
فاستلم الرؤساء الثلاثة (مارونى، سنى، شيعي) وجنبلاط (درزى) السلطة، ففصلوا الدولة ومؤسساتها على مقاساتهم، واتفقوا على كيفية تدمير ما يلزم من بنى تجعل من هذا الشعب شعبا (أى مجموعة تعتمد رؤية ومفاهيم موحدة للوطن والمواطنة) وتأكدوا بأن ما سيحكم العلاقة بين الطوائف سيكون الحقد والخوف والغيرة، بدلاً من أن تحكم المساءلة والمحاسبة بين الشعب والدولة.

•••

يقول زياد الرحبانى فى أغنية «قوم فوت نام«: «هاى بلد؟ لأ مش بلد، (...) هاى قرطة عالم مقسومين». قالها فى الثمانينيات، وما زالت قائمة حتى اليوم: لبنان «بلد» من مجموعات طائفية مقسمة لأن الزعماء أرادوها كذلك. وقد استطاع الزعماء أن يصوروا لكل طائفة بأن الطائفة الأخرى هى العدو، وهى من يجب أن يكرهوا وأن يحذروا مخافة أن تسرق منهم حقوقهم ومكتسباتهم.
لم يعد المواطن/ة شريكا/ة بل أصبح عداو/ة للمواطن/ة الآخر/الأخرى فى بلدٍ مقسمٍ حقا ليس بين الطوائف، بل بين زمرة زعماء يقتطعون ما فيه من ثروات وينهبون ما لشعبه من أموال.
فبينما يقول برى (شيعى) مثلاً للشيعة بأنهم فقراء لأن السنة أغنياء، يخطب الحريرى الابن (سنى) بالسنة مقلبا إياهم على الشيعة، الذين يأكلون حقوقهم، وهكا دواليك عند كل من الطوائف. بينما يتقاسم الحريرى وبرى وجنبلاط وجعجع وكل أطراف السلطة السيطرة على الأعمال والمؤسسات والصفقات.
من يقلبون الشعب على نفسه هم فى الوقت ذاته شركاء فى الأعمال، واصحاب مصالح مشتركة. والنظر إلى علاقتهم ببعضهم البعض من جهة، وعلاقة الطوائف كأفراد ببعضهم البعض من جهة أخرى (بتشجيع وعمل دؤوب من الزعماء)، كفيل بتوضيح أن الصراع فى لبنان لم يكن يوما صراعا طائفيا ببنيته، بل صراعٌ طبقى يأخذ شكل الطائفى ليسهل على السلطة تقسيم الشعب والسيطرة عليه.
وبما أن الزعماء يتقاسمون كل شىء، فمن الطبيعى أن يكون «البلد ماشى والشغل ماشى» على حد قول البروباجاندا الحريرية بعد الحرب الأهلية وخلال «حملة إعادة الإعمار» المنحوسة، والأمنيزيا (فقدان الذاكرة) المتعمدة التى أشربوها للبنانيات واللبنانيين كى ينسوا ويتناسوا الحرب، دون أن ينسوا أسبابها.
لكن البلد لا يمشى والشغل أيضا، حينما يختلف الشركاء فيما بينهم على تقسيم الحصص، فيطمع أحدهم بالمزيد أو يعترض على حصة الآخر. وهذا ما يكون نتيجته أزمة الكهرباء والنفايات مثلا.
وطريقة عملهم بسيطة. يدمرون مؤسسات الدولة شيئا فشيئا، فتعلو الصرخة. فيلجؤون إلى خصخصة الخدمات ويأخذ كل واحد منهم على عاتقه تقديم الخدمة فى منطقة نفوذه عبر مؤسسة خاصة تابعة له. ويعيش الجميع سعداء للأبد.

•••

ما يجرى الآن إذا يتعدى مطالبة من يرقصون ويحتفلون فى الملاهى الليلية مع الفتيات الشقر الجميلات (بحسب النسخة المصرية للحكاية، ونسخة وزارة السياحة اللبنانية) بأن تكون روائح شوارعهم أفضل.
ما يحصل هو نتيجة انفجار واقع شعب محروم من أبسط حقوقه ــ من ماء وكهرباء وطرقات وبيئة نظيفة ومستشفيات وتعليم حكومى جيد وضمان اجتماعى وضمان شيخوخة.. وقدرة على اختيار ممثليه ومحاسبتهم ــ وتأليبه ضد بعضه البعض وقمع الأفراد فى مجتمع أصبح يتهمهم/ن إذا ما ارتفع صوتهم/ن ضد البطالة والفقر والذل، قمعهم/ن باتهامهمن بأنهم/ن مع مجموعة أو طائفة ضد أخرى.
إن تشكى أحدهم مثلاً من تقنين الكهرباء أو انقطاع المياه المستمر، اتهم/ت بأنه/ا ضد الحزب (الطائفة) الذى يمثله وزير الطاقة والمياه.
تماما كما يحصل فى مصر الآن، حينما يرفع أحدهمــن صوتا ضد حكم العسكر، فيأتى الاتهام جاهزا بأنهمــن مع الإخوان (حتى لو كانوا مسيحيين مثلاً).
لم ننزل إلى الشارع كى نقول فقط بأن النفايات تغرقنا. نزلنا نطالب بحياة لا ننزل فيها يوميا ولا نعيش من فتات الزعماء ولا نضطر فيها للعيش تابعات وتابعين لزعيم بدلاً من أن نكون مواطنات ومواطنين ضمن دولة.
ربما يرفض اللبنانيون واللبنانيات اليوم أن يتخلوا عن زعيمهم. ربما ما زالوا «يؤمنون» (والإيمان لا إثبات حسيٍ له، بل يقع فى الماورائيات، فلا يمكننا محاججته) بأن للزعيم كلمة ومقام عندهمــن: وبأنه مرجعهمــن بشكل أو بآخر. وهذا أمر متوقع وطبيعى، نظرا لصعوبة تغيير تعلق الأفراد والمجتمعات لمئات السنين، بشكل من الحكم والمرجعية ــ الطوطم من جهة، وإلى كونه قد اكتسب شرعية اجتماعية ــ ثقافية ــ دينية وليس فقط سياسية بالمعنى التمثيلى فى الدولة.
ونقول إن ذلك من حقهم/ن.
لكننا ندعو عبر هذا الحراك إلى أن تكون علاقة الفرد والمجتمع بالزعيم ندية، كما كتبنا على إحدى اليافطات: «حب/ى زعيمك، بس اطلب/ى تعيش/ى متلو».
أحبوهم، وجلوهم واحترموهم واحملوهم كأيقونات لطائفتكم، فنحن لسنا هنا لنكسر بين يوم وليلة ما تجذر فى القلوب والعقول والوعى والممارسات لسنين طويلة. لكن اعملوا/ن ليكون لأطفالكم/ن مدارس كمدارس أطفالهم، ولتعيشوا/ن فى بيوت كبيوتهم وتحصلوا/ن على خدمات كالتى يحصلون عليها.
أكثير ذلك على من يملك وتملك هذه الحقوق أصلا؟

جنى نخال باحثة عربية
التعليقات