عندما يصرخ المهمشون فى «إيقاع» وجدى الكومى - إيهاب الملاح - بوابة الشروق
الأربعاء 24 أبريل 2024 1:46 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عندما يصرخ المهمشون فى «إيقاع» وجدى الكومى

نشر فى : الجمعة 23 ديسمبر 2016 - 9:10 م | آخر تحديث : الجمعة 23 ديسمبر 2016 - 9:10 م
أسعدنى كثيرا وأثلج صدرى فوز رواية «إيقاع» للكاتب والروائى وجدى الكومى بجائزة الإبداع العربى (فرع الأدب) التى تمنحها مؤسسة الفكر العربى. يتوج وجدى الكومى أخيرا بجائزة مرموقة تؤكد أن الجهد والدأب والاشتغال على مشروعك الخاص لا بد أن يثمر فى النهاية، وإن كانت الجوائز فى حد ذاتها تأتى للاعتراف بالمجهود وليس لإثبات حصوله.

ولا يملك من يتابع كتابة وجدى الكومى، إلا أن يبدى إعجابه بهذا الإصرار الواعى والمثابرة الفنية والتطور الملحوظ فى مجمل كتابته منذ عمله الروائى الأول «شديد البرودة ليلا»، وحتى عمله الروائى الأخير «إيقاع» (صدرت عن دار الشروق، يناير 2015) الذى نال عنه الجائزة.

ينسج الكومى خيوط روايته «إيقاع» بيدى صناع ماهر، يحمل هما مؤرقا وهاجسا ملحا حول ما طرأ على المجتمع المصرى من ظواهر وتحولات خلال فترة ملتهبة ومتوترة (ما زالت) فى حياة المصريين، ويحفر بدأب وتأنٍ تحت قشرة الظواهر المتناقضة والمتصارعة، للإمساك بجذور الأزمة وتشريح الأسباب والدوافع التى أدت إلى تفاقم الأزمات الحياتية والمجتمعية فى مصر خلال السنوات الأخيرة.

يشتبك وجدى مع قضايا وموضوعات شائكة وملتبسة؛ العلاقة بين المصريين المسلمين والمصريين المسيحيين وتفاقم العنف الطائفى وتصاعد وتيرة التعصب الدينى وتردى الأوضاع المعيشية لعموم المصريين (كل ذلك بموازاة الغرق فى بحار الجهل والتخلف والفقر والمرض)، مع نقد جرىء وفاضح للممارسات الباطشة للأذرع الأمنية للسلطة، التى تغيرت وجوهها بقيام انتفاضتين، لم يفصل بينهما سوى عامين فقط، ولم تتغير عقيدتها وقناعتها إزاء محكوميها.

عبر البحث عن هوية المكان والنبش فى التاريخ والثقافة، والاشتغال على تاريخ منطقة بين السرايات (أحد الفضاءات المكانية الأثيرة لوجدى) يتتبع الكومى مصائر شخوصه المتعددة، يرصد ظواهر أفرزها المجتمع الذى يئن تحت وطأة الانهيار الشامل فى السياسة والاقتصاد جراء الفساد المتراكم والمتغلغل منذ عصر مبارك وحتى ما بعد 30 يونيو.

نجد الكومى ينحاز (فنيا) لمطربى المهرجانات الشعبية بكل ما تستدعيه هذه المهرجانات من صخب وضجيج وفوضى، لكنه يتجاوز هذا الرصد السطحى إلى التوغل فى هذا العالم والكشف عن تفاصيله ومكوناته، وطارحا فى الآن ذاته تفسيرا روائيا متعاطفا مع هذه الشريحة من المصريين، الذين ضاق بهم الحال وانسدت أمامهم السبل فقرروا أن يثوروا بطريقتهم ويتمردوا على أوضاعهم بخلق كلماتهم العارية ولغتهم الخشنة وإيقاعاتهم الصاخبة، وتوليف ألحان مدوية وكأنهم فى طقس تطهرى أشبه بالزار، فى عنفه وحركاته الطائشة والباطشة معا.

يبدو وجدى مؤرقا وبشدة تجاه المسكوت عنه خلال السنوات الأخيرة، ما بين 25 يناير و30 يونيو وما تلاها، خاصة مع ما أفرزته من استشراء العنف تجاه الأقباط وازياد وتيرته بصورة جنونية، ومراجعة إرث قديم وممتد من التمييز والاضطهاد عانوه طويلا، يشتبك وجدى مع هذه القضية بجرأة وجسارة، وتتضح مهاراته السردية وتصوير المشاهد بما حدا بالكثيرين ممن قرأوا «إيقاع» إلى التحمس لتحويلها إلى عمل درامى أو سينمائى.

يوظف وجدى تقنية تعدد الأصوات فى الكشف عن خلفية عريضة من مظاهر هذا الانهيار، ولا يملك قارئ الرواية إلا أن يحبس أنفاسه من براعة الروائى فى الإمساك بخيوط روايته محافظا على «إيقاعها» السردى، وعناصر التشويق ومغريات الحكى التى تتكشف مفاجآتها وتنكشف أسرارها على مدى صفحات الرواية التى تتجاوز الـ350 صفحة. نجا وجدى من فخ الاستسهال والوقوع فى حبائل الرصد والتصوير الفوتوغرافى للوقائع والأماكن، فمشاهد التخييل الروائى المتغلغة فى صلب العمل وشرايينه باتت أكثر واقعية وصدقا وحميمية من مرجعها الإطارى الواقعى.

ولا بد، هنا من الإشارة إلى حيثيات لجنة تحكيم الجائزة التى منحت لإيقاع، وجاء فيها «تناول الكاتب من خلال الحكاية الرئيسية والحبكات الفرعية أحوال شخصياتها الخاصة وأوضاع مصر العامة فى لحظة تاريخية حاسمة تمتد من مقدمات ثورة يناير 2011 إلى النتائج التى أسفرت عنها مدرجا الوقائع الفردية فى سياقها التاريخى وقد استخدم الكاتب تقنيات روائية حديثة اختلف مسارات خطية الزمان ونمطية السرد وكيف لغته الروائية ولغة حواراته وفق طبيعة شخصياته وتعدد رواته وقام كل واحد منهم بتركيب الجزء الخاص به فى بازل؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ الحكاية».

فى ظنى، فإن هذه الرواية تمثل نقلة فنية معتبرة لوجدى الكومى، ورسخت مسعاه العنيد فى البحث عن مسالك جديدة للكتابة الواقعية، متحديا بوعى وجسارة الدعوات المنادية بسقوط الواقعية، والتخلى عن الانشغال بالواقع وهمومه بالانسحاب إلى الكتابة الفردية، الذاتية، المنعزلة، المتعالية، مع أنه وكما يقول بعض كتاب الرواية البارزين «ما أصعب التعامل الأدبى مع الواقع المتعدد الثرى، المسطح والعميق، الفاسد والخير.. ولعل المهم فى الأدب هو كيف تحكى هذا الواقع دون أن تحاكيه»؛ وأظن أن وجدى الكومى فعل ذلك باقتدار.