التوجه إلى التصدير.. حتمية المرحلة القادمة للإصلاح - ماجدة شاهين - بوابة الشروق
الجمعة 26 أبريل 2024 4:30 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

التوجه إلى التصدير.. حتمية المرحلة القادمة للإصلاح

نشر فى : الخميس 23 ديسمبر 2021 - 8:50 م | آخر تحديث : الخميس 23 ديسمبر 2021 - 8:50 م

استكمالا لمقالنا السابق بنفس العنوان والمنشور فى 5 ديسمبر الجارى عن دعم صادراتنا كأمر تحتمه المرحلة القادمة للإصلاح. وبينما كان التركيز فى المقال السابق على العوائق الرئيسية المتمثلة فى ضعف التنسيق بين الوزارات المعنية وهيئاتها وعلى رأسها وزارة التجارة والصناعة وكسر الجمود الفكرى وبناء الثقة بين الحكومة والقطاع الخاص الوطنى، فإننا نتناول فى هذا المقال إجراءات محددة تقوم بإعاقة التجارة، بما يستوجب مزيدا من الجهد للتغلب عليها. ونخص بالذكر هنا خفض الرسوم والمصاريف المفروضة على المصدرين والمستوردين ونظام الإخطار المسبق وتبسيط عمليات التصدير والاستيراد والتعجيل بعمليات التخليص، بما يتضمن تطبيق ما يُعرف بنظام إدارة المخاطر بأفضل السبل. وليس المقصود هنا بتناول هذه الموضوعات توجيه اللوم أو العتاب، ولكن المقصود هو استرعاء النظر لضرورة التعامل بموضوعية مع هذه القضايا التى تكلفنا نحن وقطاعنا الخاص الكثير فى غياب أى عائد إيجابى أو مردود متوازن للدولة.

فمما لا شك فيه أن مصرنا حريصة كل الحرص على اتباع أفضل الممارسات لتمكين صادراتنا من الرواج فى الأسواق الخارجية ورفع قدراتها على المنافسة. وهو ما بدا واضحا فى إقدامنا بجرأة وإرادة على إصلاح التشريعات الجمركية لتبسيط عملية استيراد وتصدير السلع وجعلها أكثر شفافية للمصدّر والمستورد على حد سواء. فجاء قانون الجمارك الجديد ولائحته التنفيذية بإجراءات محددة تتسم بالشفافية فى مجالات عدة، مثل فرض ضوابط على الرسوم والمصاريف نظير خدمات مقدمة فى المقابل دون مبالغة وبما يتسق والتزامات مصر الدولية فى اتفاقية تيسير التجارة فى إطار منظمة التجارة العالمية. كما أكدت اللائحة التنفيذية على ضرورة تنفيذ نظام النافذة الواحدة دون تباطؤ بُغية عدم إرهاق المصدرين والمستوردين بالإجراءات المرهقة والمكلفة. وأدخلت اللائحة التنفيذية لأول مرة فى مصر نظام معلومات الشحن المسبق إلكترونيا، بما من شأنه إعلام السلطات فى مصر بمضمون الشحنات الواردة قبل وصولها ويتيح الفرصة للجمارك باتخاذ قرارها بوقت كاف قبل ورود الشحنة. وهناك مواد أخرى عديدة لتبسيط الإجراءات وتعجيل تخليص الشحنات، قد نتناولها فى مقالات أخرى.

وعلى الرغم من أن الوقت ما زال مبكرا لتقييم تنفيذ قانون الجمارك ولائحته التنفيذية والذى لم يمض عليهما أكثر من سنة، فقد بدت الشوائب فى التنفيذ منذ الآن والتى يتعين علينا سرعة تداركها قبل استفحالها وإهدار كل هذا الجهد والمكابدة.

•••

لنبدأ ببند الرسوم والمصاريف مقابل الخدمات فيما عدا الضرائب والرسوم الجمركية، حيث نرى دون مبالغة أو إلقاء أى لوم مزايدة الوزارات والهيئات على بعضها البعض لتحصيل الرسوم من المصدرين والمستوردين باعتبارهم يمثلون جهة أساسية لزيادة الدخل المالى لخزائن الدولة. وتتناسى هذه الهيئات ما لذلك من تأثير سلبى على زيادة أعباء المصدرين وارتفاع الأسعار للمستهلك، لا سيما الطبقات الفقيرة، وهى تلك الطبقات التى تعمل الحكومة جاهدة على تضمينها ضمن معادلة النمو الشامل والأكثر توازنا. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما قامت به هيئة سلامة الغذاء مؤخرا من مضاعفة أسعار الفحص بالنسبة للواردات بالنسبة للغالبية العظمى من السلع الغذائية، فيما عدا بعض الاستثناءات مثل القمح والفول والعدس. وقد نتساءل ما إذا كانت هناك خدمة إضافية تقدمها الهيئة نظير المضاعفة الفجائية لأسعار الفحص والالتزام بموجب اتفاقية تيسير التجارة بعدم المبالغة فى الرسوم والمصاريف بما يتعدى مستوى الخدمة. كما يقع على عاتق الجهة المسئولة – وفقا لنص الاتفاقية – بالإعلان بكل شفافية وصراحة عن الأسباب التى حدت بها إلى هذه الزيادة، وهو ما لم يتم. ويقف المستورد، الذى عليه الدفع ثم التظلم لله، ضاربا كفا على كف لا حول له ولا حيلة.

ننتقل بعد ذلك إلى نظام إدارة المخاطر. فعلى الرغم من أن إدارة المخاطر ليست أمرًا جديدًا بالنسبة لهيئة الجمارك فى مصر، فإننا نشهد صعوبات جمة فى تطبيقه على الوجه الأمثل. وما يعيب تطبيق نظام إدارة المخاطر هو غياب نظام موحد تلتزم به جميع السلطات وفقًا لقواعد ولوائح تتسم بالشفافية. كما أن السلطات تصر على مواصلة عمليات التفتيش بنسبة 100٪ بما يتعارض مع المعمول به فى الغالبية العظمى من الدول ويعمل على إطالة غير مبررة لتوقيتات التخليص ويزيد من الأعباء المالية على المصدرين والمستوردين. فإن الأمر يستلزم التنسيق بين الجهات المعنية والعمل وراء «النافذة الواحدة» لتفادى الفحص المزدوج من خلال إصدار قائمة بيضاء تتفق عليها تلك الجهات جميعها على أعلى مستوياتها ويتم تمرير شحناتها من الممر الأخضر دون مراجعة أو ترك الأمور لتنفيذها وفقا لصغار المسئولين ليقوموا بها بشكل عشوائى وغير مؤسسى استغلالا لتحقيق عوائد غير رسمية من جراء التخليص. فإن نظام إدارة المخاطر لا يجب معاملته كمعوق غير فنى للتجارة، إنما هو نظام لتوفير الوقت والتكلفة يعمل لصالح المصدّر والمستورد. كما يتعين على المنظم التشريعى وضع قانون موحّد لإدارة المخاطر أسوة بسائر الدول تقوم بتنفيذه هيئة الجمارك تحت رعاية وإشراف الهيئة المختصة بوزارة التجارة والصناعة وهيئة سلامة الغذاء دون تدخل أيهما فى إجراءات الفحص والتفتيش لمنع الازدواجية فى العمل وتضارب الاختصاصات، على أن تعمل هذه الجهات فى انسجام كنسيج متكامل وراء النافذة الموحدة وليس كجزر منعزلة.

واليوم، فى ضوء هدفنا الأسمى فى مضاعفة صادراتنا وأخذ المكان المناسب لمصر على قدم المساواة مع نظرائها، فمن الضرورة النظر إلى إدارة المخاطر فى سياق مختلف وبتنسيق دائم ومستمر مع الجهات المعنية وبإشراك القطاع الخاص لمواءمة هذا النظام بصفة دائمة واحتياجات القطاع الخاص ودعمه فى مهامه التصديرية والاستيرادية. فإن وزارة التجارة والصناعة بصفتها الجهة المنوط بها وضع السياسات والتوجيهات اللازمة لتحقيق الهدف الذى وجه به السيد الرئيس بالنسبة لمضاعفة الصادرات، يتعين عليها التنسيق مع الوزارات والسلطات المعنية ضمانا لعدم اتخاذ أى إجراء متضارب يعيق أو يعرقل استراتيجيتها لزيادة الصادرات.

أما بالنسبة لنظام الإخطار المسبق للشحنات إلكترونيا، فلا يزال المصدرون والمستوردون يتعثرون فى تنفيذه، خاصة وأن المصدر الأجنبى برأ نفسه تمامًا من جراء تطبيقه وترك الأمر برمته للمستورد المصرى لتحمل جميع التكاليف والإجراءات الإضافية التى يتعين القيام بها. ويعتبر نظام الإخطار على الشحنات قبل وصولها تجربة غير مسبوقة. الأمر الذى يتطلب إعداد البنية الأساسية اللازمة لتطبيقه وإجراء التدريبات اللازمة للقطاع الخاص والموظفين، وهو ما حدا بالكثيرين إلى اعتباره عائقا، وما يستتبعه من زيادة التكلفة وتأثير سلبى على تحقيق المستهدف لخطة التصدير الطموح.

•••

وإذ جميعنا يؤيد وبشكل مطلق فى ضوء المشاهد من نتائج مبهرة لتحديث الهيكل البنيانى لمصر حق الدولة فى موازنة أعبائها المالية، فإن الأمر يستلزم مراعاة ألاّ يكون ذلك على حساب إحدى الأولويات التى طرحها السيد الرئيس ألا وهى زيادة الصادرات إلى 100 بليون دولار خلال السنوات الثلاث القادمة. بل على العكس، يتعين على مصر أن يكون لديها نظرة بعيدة المدى تستهدف زيادة موارد الدولة، خاصة بالعملة الصعبة، من خلال زيادة الصادرات على نحو ما وجه به السيد الرئيس، وليس كما هو جارٍ الآن تحصيل الموارد على حساب المصدرين والمستوردين، وبالتالى إعاقة التجارة. فإن ما نريده هو الاستقرار ورفع الإنتاجية والتنافسية للسلع المصرية فى المدى الطويل وليس العلاج بالصدمات الكهربائية، التى يستيقظ فيها المنتِج والمصدِّر والمستهلك صباحا ليتفاجأ كل منهم بزيادة فى الأعباء والتكاليف والإجراءات المعقدة بين ليلة وضحاها.

وفى حديث شيق لى مع السيد/ سيد أبو القمصان مهندس تشريعات التجارة الخارجية لأكثر من عشر سنوات، حيث عاصر وزارات مختلفة وعمل عن كثب مع وزراء مرموقين، استهل حديثه بأنه يقع على مشرعى التجارة الخارجية وضع نظم وتشريعات مبسطة ليسهل تطبيقها ومتابعتها. فكلما كان النظام معقدا، كلما أدى ذلك إلى صعوبة تحقيق النتائج المرجوة منه. وأضاف أنه من الضرورة احترام ما تبرمه مصر من اتفاقيات دولية والالتزام بها، بما يدعم مصداقية مصر فى النظام التجارى الدولى وأمام شركائها التجاريين ويعمل على توسيع قاعدة المصدرين لديها. وأشار إلى صندوق تنمية الصادرات وأهميته بالنسبة للمصدرين وما يتضمنه من بنود تتسق جميعها والتزامات مصر فى إطار منظمة التجارة العالمية وتقدم المساعدة للمصدرين فى مجال التسويق ورفع مستوى الجودة والبحوث والتنمية والتدريب وإعادة الهيكلة، وكلها إجراءات دعم مسموح بها فى المنظمة وتتبعها الدول كبيرها وصغيرها.

ماجدة شاهين مساعد وزير الخارجية للعلاقات الاقتصادية الدولية (سابقاً)
التعليقات