بالتأكيد لا يمكن أن يكون لفيروس قاتل فضائل، فهو يخلف يوميا ضحايا بالمئات فى كل أنحاء العالم. أغلق مدنا، ومطارات، وأضر بالاقتصاد، وترك شعورا بالخوف فى كل الأنحاء، وهو الضيف الرذيل بشكل دائم حاليا على خطابات الرؤساء وتصريحات المسئولين ونشرات الأخبار، ولكن فى المجتمع المصرى ظهرت فضائل فى خضم التدابير الاحترازية لمواجهة فيروس «كورونا»، أتمنى أن تظل معه عقب انتهاء هذه الأزمة.
أولا: استرد الشارع صورته الطبيعية كل يوم بعد السابعة مساء، تتجول فيه لا تجد مقاهى تحتل الأرصفة، ولا أصواتا صاخبة، بل حياة هادئة بلا إشغالات فى ظل وجود أمنى مستمر، نستغرب لماذا لا تكون الحياة هكذا فى المعتاد، هناك دول لا تجعل المقاهى أو المحلات تتغول على الأرصفة أو نهر الطريق، هى بالمناسبة ليست دول أوروبية فقط، لكنها دول عربية.
ثانيا: إمكانية الحياة دون شيشة، الوباء الذى يسيطر على المجتمع، تجده فى كل شارع وحارة، هناك دول عربية مثل المغرب تمنع وجودها نهائيا فى كل أنحاء البلاد، ودول أخرى لا تجعل هناك مقاهى تقدمها فى قلب المدن، بل تقصرها على الأطراف، نعم يمكن الحياة بدونها نهائيا أو بتنظيم تقديمها، بعد أن صارت وباء يهدد الأسرة شبابا وشابات، رجلا ونساء.
ثالثا: لا بأس من ارتفاع منسوب النظافة فى حياتنا، والتخلى عن ثقافة التساهل مع التلوث، الأمر الذى لا يذهل الأجانب فحسب، بل أشقاء عرب أيضا، ما الذى يمنع استخدام مطهرات، أو لبس قفازات فى المحلات، أو الاهتمام بنظافة الأدوات المستخدمة فى كل المجالات، وغسل الأيدى بانتظام، والحرص على نظافة وتعقيم الشوارع والأماكن العامة، النظافة لنا وليست من أجل درء فيروس كورونا، هى سلوك وأسلوب حياة يزرع فى المرء منذ الصغر ويمتد معه فى مراحل عمره، والنظافة ليست لها علاقة بفقر أو غنى لكنها طريقة حياة فى الأساس، ألا نرى من آن لآخر سيارات فارهة يلقى أصحابها من النوافذ مخلفات من أكواب أو زجاجات أو أكياس فارغة؟ أليس البدروم أو المنور فى أفخم العمارات عنوانا لغياب النظافة وشيوع التلوث؟
رابعا: الزم بيتك شعار مواجهة الفيروس القاتل، وهى الحياة التى افتقدها المجتمع تدريجيا فى العقود الأخيرة، وكانت أحد أسباب التفكك الأسرى، الآن أجبر فيروس كورونا الأسرة على الالتئام مرة أخرى.
خامسا: مسحة التدين، يسود المجتمع الآن شعور بالخوف، ومناجاة السماء لدفع الابتلاء، الموت قريب، والوباء لا يفرق بين الناس، ومن يتجول مواقع التواصل الاجتماعى سيجد النزوع الإيمانى فى تصاعد، دون أن نتخلى عن نزعة السخرية من أنفسنا والواقع من ناحية، والتحذير الدائم من صعود منحنى الإصابة بالوباء الفتاك من ناحية أخرى، فى مناسبات سابقة التزمنا بنظرية جحا عندما اشتعلت النيران فى البيوت المجاورة لبيته، كانت الأوبئة بعيدة عنا كنا لا نعبأ، ونجد بيننا من يقول شعوب كافرة تستحق البلاء، أما الآن فلم يعد الفيروس يفرق، وعندما اقترب الخطر منا مثلما لم يعد بيت جحا بمنأى عن النار، تولد تعاطف إنسانى تجاه ما يحدث للناس شرقا وغربا.
لا يخلو كل وباء أو نكبة إنسانية من عبر ودروس، المهم أن نعيها، ونتفهم دلالاتها حتى متى عبرت الأزمة نكون رغم الخسائر أكثر نضجا.