** قبل أسابيع كانت هناك ليلة من ليالى كرة القدم فى برشلونة حين فاز فريقها على منافسه الفرنسى باريس سان جيرمان بستة أهداف فى بطولة أوروبا. وقبل يوم كانت هناك ليلة أخرى فى مدريد وكان بطلها أيضا فريق برشلونة. بقيادة ليونيل ميسى الذى انتزع فوزا لفريقه جسد قمة الدراما فى اللعبة. دراما لم يكن ليتخيلها مخرجنا الراحل حسن الإمام. ودراما فيها من الإثارة وحبس الأنفاس لم يكن ليتخيلها ألفريد هتشكوك، ولا قلم الكاتبة البريطانية أجاثا كريستى.. لقد بدا ميسى وهو يجرى نحو مرمى الريال مثل «فتوة» فى فيلم قديم اقتحم مقهى وضرب روادها.. وبالمناسبة أطلقت جماهير ريال مدريد صفرات الغضب والاستهجان نحو بطلها «وفتوتها» كريستيانو رونالدو الذى فعل الكثير جدا للفريق، لكنه فى لحظة اختبار لم يتصدى للفتوة الآخر !
** مرة أخرى فعلها ميسى.. فعلها بعدما ذهب إلى برنابيو معقل ريال مدريد دون أن يسجل هدفا واحدا فى آخر ستة كلاسيكو. فسجل هدفا كان مثل إطلاق النار على حصن، فمزقه. ومرة أخرى فعلها الفريق الكتالونى باقتدار. فعلها بطريقة ما، بأعصاب هائة، بضغط هائل. بدم بارد. بسرعة دون تسرع. بحماس دون عصبية.. ونحن نذكر أنه فى ليلة الانتصار على باريس سان جرمان قفز المحللون جيرارد ولينكر وأوين وفرديناند فرحا على الهواء مباشرة أثناء تحليل المباراة فى قناة بى. تى الرياضية.. ولو كنت مكانهم على الهواء مباشرة لفعلت نفس السلوك يومها وكذلك فى يوم فوز برشلونة على ريال مدريد فى كلاسيكو المعمورة.
** أعلم أن هناك ظاهرة عربية الآن، تعرف بانقسام مجتمعات إلى كتالونيين ومدريديين، وكأن هؤلاء الأنصار من مواليد كتالونيا أو مدريد.. وهؤلاء وأمثالهم لا يعرفون معنى انحيازى مثلا إلى ريال مدريد يوم هزم برشلونة، ويوم هزم برشلونة ريال مدريد. وهو إعجاب يصل إلى حالة «المفتون» بكرة القدم وما فيها من دراما وإثارة وشك فى نتائجها يصل مسجونا فى النفس حتى الدقيقة الأخيرة..؟
** أكرر دائما أنه هناك خيط رفيع يفصل بين الانفعال بكرة القدم، وبين الانفعال بفريق. وهناك حائط واضح يفصل بين المحلل والناقد والمعلق وبين المشجع.. فالإعلام عليه أن يخلع رداء الانتماء والتعصب وهو يمارس عمله.. ويترك ذلك للمشجع لأنه مشجع.. وانتصار برشلونة على ريال مدريد فى الثانية الأخيرة أخرج من عشاق كرة القدم فى العالم أجمل ما فيهم، أخرج الاحتفال بكرة القدم.. ولكن هذا الانتصار أخرج من أنصار برشلونة وريال مدريد فى مصر أسوأ ما فيهم.. أخرج التعصب والكراهية..
** كم كانت مباراة رائعة بين الفريقين الكبيرين.. كم كانت نهايتها رائعة بصورة غير متوقعة لمصلحة برشلونة.. يا لها من ليلة كانت فى مدريد؟!