فقه العلاقات الدولية - جمال قطب - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 1:45 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

فقه العلاقات الدولية

نشر فى : الجمعة 24 أغسطس 2012 - 7:55 ص | آخر تحديث : الجمعة 24 أغسطس 2012 - 7:55 ص

(1)

 

انطلق فقه العلاقات الدولية مستأنسا بآيات القرآن الكريم، وصحيح البيان النبوى. ورفع الفقه قواعد هذا البناء شامخا ماثلا للعيان حتى يومنا هذا. فما زال الفقه الإسلامى فى العلاقات الدولية هو الفقه الأشهر فى دنيا القانون الدولى ودراساته، ودليلنا على ذلك أن علماء القانون الدولى من جميع بلدان العالم فى أوروبا وأمريكا ثم آسيا وأفريقيا قد أسسوا منبرهم العلمى المتخصص الذى يعقدون من خلاله مؤتمراتهم الدولية، وقد أطلقوا على هذا المنتدى الدولى اسم «جمعية محمد بن الحسن الشيبانى للقانون الدولى».

 

فهل تعرف من هو الإمام «محمد بن الحسن الشيبانى» الذى اختاره أساتذة القانون الدولى رمزا لمنتداهم وعنوانا لمؤسستهم العالمية؟

 

(2)

 

إنه أحد الثلاثة الكبار من مساعدى الإمام «أبى حنيفة النعمان» الذين اتخذوا من الإمام «أبى حنيفة النعمان» محورا لجهودهم واجتهادهم، وقرروا أن بقاءهم مساعدين داعمين للإمام أفضل كثيرا من استقلال كل منهم وافتتاحه مدرسة خاصة لما يهتدى إليه، وكان إخلاص هؤلاء الثلاثة مع إخلاص شيخهم هو العامل الرئيس فى إخراج مؤسسة فقهية ضخمة أصلها ثابت وفرعها فى السماء، فمازلنا حتى يومنا هذا وبعد أكثر من ثلاثة عشر قرنا نرى «المذهب الحنفى» يسبق العالم المتحضر كله فى القانون الدولى الذى أنجزه الإمام «محمد بن الحسن الشيبانى». كما أن علماء القانون الدستورى وتوابعه من القانون المالى والإدارى إنما يستمدون أصولهم مما كتبه الصاحب الأشهر لأبى حنيفة، واحد من الفرسان الثلاثة، ذلك الإمام «أبويوسف» قاضى قضاة أمير المؤمنين هارون الرشيد، ومؤلف أول كتاب فقهى فى الفقه العام (الدستورى، المالى، الإدارى) الذى نسج على منواله من بعده خلق كثير وذلك هو كتاب «الخراج لأبى يوسف».

 

نعود إلى الشيخ الإمام «شيخ القانون الدولى» غير مدافع، إذ لم يسبق أحد إلى تأليف مثل كتبه الثلاثة فى العلاقات الدولية الإسلامية (السير الكبير، السير المتوسط، السير الصغير) وقد بلغ تأثيره فى تلاميذه أن الإمام الشافعى قد تتلمذ عليه، فإذا موضوع العلاقات الدولية يأخذ مكانه من مؤلف الإمام الشافعى «الأم» وقد كان الشافعى يقول ليس هناك أحد أكثر منا على «محمد بن الحسن الشيبانى».

 

(3)

 

كان محمد بن الحسن الشيبانى ثالث الثلاثة الكبار فى مدرسة أبى حنيفة الكبرى، وقد فاز إمامنا ابن الحسن الشيبانى بالدور الأكبر فى حفظ تراث تلك المدرسة العظيمة، فعن طريقه وحده ـ دون سابقيه ـ قد رويت مراجع الفقه الحنفى الرئيسية تلك المراجع التى تسمى عند الاحناف «كتب ظاهر الرواية» والمقصود أنها الكتب واضحة النسبة لمؤسسى المذهب الحنفى وهم إمام المذهب «أبوحنيفة النعمان» والأئمة المساعدون «زفر»، «أبويوسف»، «ابن الحسن».. فقد حفظها هو وأملاها على رواد درسه. وأشهر هذه الكتب هو: كتاب السير الكبير للإمام الشيبانى، فهو العمدة فى فقه القانون الدولى الإسلامى.

 

(4)

 

وقبل الطباعة كان تراث البشرية كله مدونا فى مخطوطات، وكذلك «السير الكبير»، فلما كانت ثورة الطباعة، ووصل علم الطباعة وفنها إلى الشرق، صدرت طبعات متعددة لهذا الكتاب بداية من طبعة دائرة المعارف الاسلامية بالهند، إلى تلك الطبعة التى قامت بها رياسة جامعة القاهرة 1954 بناء على طلب المرحوم الدكتور عبدالحميد بدوى القاضى الدولى الأشهر، وذلك لتتاح نسخة عربية محققة تحقيقا علميا تبقى أصلا تراثيا ومرجعا تاريخيا لفكر الجمعية الدولية السابق الإشارة اليها، وقد قام بتحقيقها علميا الأستاذ الشيخ محمد أبوزهرة وساعده الأستاذ مصطفى زيد وذلك تحت إشراف اثنين من رؤساء الجامعة المصرية تعاقبا رياسة الجامعة والإشراف على هذا العمل العلمى الرصين وهما: الأستاذ الدكتور محمد كامل مرسى ثم الأستاذ الدكتور السعيد مصطفى السعيد، كذلك قد عهد معهد المخطوطات التابع لجامعة الدول العربية للدكتور صلاح الدين المنجد بتحقيق طبعة صدرت فى ثوب عصرى قشيب. ومن يقرأ هذا المرجع التراثى الذى تم تأليفه، يعجب لتلك الدقة العلمية، ومنهجية التبويب واتساع الأفق الفقهى الذى جعل سقفه وحده بعد نصوص القرآن وصحيح السنة هو «المصلحة والعدل». وجدير بالذكر أن هذا الكتاب سهل العبارة، لا يجد القارئ غير المتخصص عسرا فى التمتع بمطالعته.  

 

 

جمال قطب   رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر الشريف
التعليقات