الإقراض غير البنكى للشركات الصغيرة والمتوسطة - عمرو عدلي وأحمد جمعة - بوابة الشروق
السبت 20 أبريل 2024 2:59 ص القاهرة القاهرة 24°

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

الإقراض غير البنكى للشركات الصغيرة والمتوسطة

نشر فى : السبت 24 أكتوبر 2015 - 5:05 ص | آخر تحديث : السبت 24 أكتوبر 2015 - 5:05 ص

فيما تمثل المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر ما يزيد على ٩٨٪ من إجمالى عدد المنشآت الاقتصادية لا يتجاوز نصيبها من إجمالى القروض البنكية ٥٪، ولا يتماشى هذا كذلك مع نصيبها فى الناتج المحلى الإجمالى ولا مع دورها المحورى فى توفير فرص للعمل. وتؤثر صعوبات الوصول إلى التمويل البنكى كثيرا على فرص النمو والتوسع المستقبلى، خصوصا فى بلد كمصر لا يزال القطاع الخاص يعتمد فيه بشكل أساسى على التمويل المصرفى فى ضوء الضعف العام لأدوات التمويل غير المصرفى مثل سوق الأوراق والرهن العقارى ورأس المال المخاطر والتأجير التمويلى، والتى رغم مرور ما يزيد على عقدين على تقديمها للسوق المصرية فإنها لا تزال أعمالها محدودة، ونصيبها من الناتج المحلى لا يقارن بنصيب القطاع المصرفى.

إن المشكلة فى التمويل البنكى لا تتمثل فى نفاذ القطاع الخاص عامة إلى القروض البنكية، فطبقا لتقارير البنك المركزى المصرى ــ مدعومة بتقديرات من البنك الدولى ــ فإن نصيب القطاع الخاص من إجمالى الإقراض البنكى مرتفع مقارنة بالمجموعة التى تنتمى إليها مصر من بين الدول النامية، بيد أن المشكلة الرئيسية تتمثل فى اقتصار الإقراض البنكى تقريبا على الشركات الكبيرة دون القاعدة العريضة من القطاع الخاص، والتى إما أن تجد نفسها مفتقرة للحد الأدنى من رأس المال الثابت ــ الأرض والعقارات الأخرى ــ اللازم كضمانات للحصول على تمويل، أو تواجه أسعار فائدة وتكاليف إدارية بالغة الارتفاع، وهو ما يثنى العديد من أصحاب تلك المنشآت عن التعامل مع البنوك مقابل الاعتماد على مصادر غير رسمية للتمويل كالشبكات العائلية والأصدقاء أو الاعتماد على الأرباح لتمويل النشاط المستقبلى، وكلها وسائل تمثل بدائل غير كاملة الفاعلية للتمويل المصرفى، وهو ما يؤدى فى نهاية المطاف إلى افتقار الغالب الكبير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر لرأس مال يمكنها من النمو ومن ثم خلق فرص عمل والمساهمة فى معدلات النمو الكلية.

***
ومن زاوية البنوك فهى تواجه مشكلتين أساسيتين الأولى متعلقة بعدم توفر ما يكفى من المعلومات حول المنشآت الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة مع استشراء اللارسمية فى تعاملاتها، وهو ما يصعب من مهمة البنك لتقدير الوضع المالى للراغبين فى الاقتراض وفرصهم المستقبلية للسداد، ومن ثم يرفع هذا من التكلفة التى يواجهها البنك خصوصا أن البنوك لا تتعامل بأموالها بل تعتمد على إقراض أموال مودعة لديها لتحقيق عائد، ما يحتم عليها عدم الانجرار وراء مخاطر تهدد سلامة مركزها المالى فى نهاية المطاف، وأما المشكلة الأخرى فهى ارتفاع تكلفة التعامل مع المنشآت ذات الحجم الصغير حيث يكون من المكلف دراسة كل حالة وجمع المعلومات حولها مقابل إقراض مبالغ صغيرة قد لا تبرر العبء الإدارى. فإذا ما أضفنا إلى هذين العنصرين كون الحكومة أكبر مقترض من الجهاز المصرفى لتمويل العجز فى الموازنة يتسنى لنا رؤية الصورة كاملة من حيث تجنب البنوك لمخاطر الإقراض، وهو أمر مفهوم وله ما يبرره فى ضوء طبيعة عمل الجهاز المصرفى بأموال المودعين كما سبقت الإشارة.

وقد عمدت الحكومات المصرية المتعاقبة فى العقدين الماضيين إلى التغلب على هذه المشكلة من خلال التوسع فى إنشاء الصناديق والبرامج المتخصصة فى إقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر سواء داخل البنوك الحكومية أو فى صورة مؤسسات قائمة بذاتها كالصندوق الاجتماعى للتنمية، وعلى الرغم من نشاط تلك البرامج والمؤسسات إلا أن الأرقام والمعدلات لم تتغير كثيرا على نحو لا يشى بحدوث علاج جذرى لمشكلة التمويل المصرفى، ويضاف إلى هذا أن الشركات متوسطة الحجم، وهى ذات أهمية بالغة فى أى اقتصاد، تواجه مشكلة استثنائية ومضاعفة فى الوصول للتمويل إذ إنها تخرج عن نطاق الصندوق الاجتماعى للتنمية نتيجة كبر حجمها النسبى، وفى الوقت ذاته تتجنب البنوك التعامل معها لصغر حجمها النسبى وارتفاع المخاطر، ما يتركها معلقة. ويضاف لهذا أنه ما من قانون ينظم الإقراض للشركات الصغيرة والمتوسطة خلافا لمتناهية الصغر، التى صدر لها أخيرا قانون ينظم التمويل.
***
قد يكون المخرج الفعلى من مشكلة الإقراض البنكى هو إيجاد مؤسسات غير بنكية تضطلع بإقراض الشركات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، فهذه المؤسسات لن يكون مصرحا لها بممارسة نشاط البنوك المتمثل أساسا فى جمع المدخرات فى صورة ودائع، إنما سيصرح لها بممارسة أنشطة الإقراض برأس المال الخاص بالمساهمين، والذين سيخاطرون بأموالهم بغية استغلال تلك المساحات الشاسعة فى السوق المصرية، والمتمثلة فى مئات الآلاف من المنشآت التى تبحث عن تمويل، كما سيفتح هذا الباب أمام تلك المؤسسات غير البنكية لتقديم خدمات لعملائهم من أصحاب الشركات الصغيرة والمتوسطة بما يضمن المزيد من الشفافية فى إتاحة المعلومات والفاعلية والكفاءة فى الإدارة. وقد جرى هذا الأمر بالفعل فى حالات كالأردن وسلطنة عمان، والتى سمحت لصناديق الاستثمار بممارسة أنشطة إقراض للمشروعات بجانب نشاطها الأصلى فى الاستثمار.

ويضاف لهذا أن وجود تلك المؤسسات قد يسهم فى استيعاب جزء من رءوس الأموال غير الرسمية التى تستخدم بالفعل للإقراض ولكن بشكل تغيب عنه أية رقابة حكومية، وبما يجعل المقترضين عرضة للاستغلال بأسعار فائدة شديدة الارتفاع، ويحرم المقرضين من أية حماية قانونية رسمية. ويمكن إسناد مهمة التنظيم والرقابة لهيئة الرقابة المالية مع التشديد على عدم تلقى تلك المؤسسات لأية ودائع واقتصار عملياتها على رأس مالها فحسب، وقد يتم وضع ضوابط قانونية ولائحية تحول دون استغلال المقرضين للمقترضين كالمغالاة فى سعر الفائدة، وكذا تخفيف مخاطر الاقتراض كإلزام المتقدمين بطلبات للاقتراض بتقديم ما يكفى من المعلومات عن وضعهم المالى وعن حجم أنشطتهم.

التعليقات