ثقافة سياسية لتحقيق المواطنة - علي محمد فخرو - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:03 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ثقافة سياسية لتحقيق المواطنة

نشر فى : الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:20 م | آخر تحديث : الأربعاء 24 أكتوبر 2018 - 11:20 م

فى وجه التحديات والكوارث التى تواجهها المجتمعات العربية، وعلى الأخص التناحرات الدينية والطائفية، والفساد المستشرى، وتفاقم الصراعات العنيفة، وتنامى المطالبين بالانفصال عن ــ أو تقسيم ــ الأوطان، وغياب الشفافية فى الحكم، هناك حاجة ملحة لمواجهتها بثقافة سياسية وطنية جامعة. وهى ثقافة يتبناها الجميع، وتخدم الجميع، وتركز على المشترك، وتعلو على الانتماءات الثقافية الفرعية دون أن ترفض تواجدها بتسامح وسلمية. كما أنها ثقافة تتغذى من الثقافة العربية الأم ومن قيم الثقافة الإنسانية المشتركة بين البشر.
إنها، إذن، ثقافة سياسية وحقوقية فى الدرجة الأولى، ولكن تأثيراتها ونتائجها تمتد إلى حقول الاقتصاد والاجتماع أيضا.
فى اعتقادى أن الثقافة السياسية الوطنية تلك تنطلق من ــ وتدور حول ــ شعار ومفاهيم المواطنة. تحقيق هذا الشعار، بكل مفاهيمه الفكرية ومتطلباته الحقوقية السياسية والإنسانية، هو المدخل لتلك الثقافة.
***
هناك أبعاد فكرية وتنظيمية أربعة لمفهوم المواطنة، وبالتالى لتلك الثقافة.
أولا: هناك البعد القيمى الأخلاقى الإنسانى الذى يؤكد قيمة الحرية، بما فيها حرية المعتقد والتعبير والنشاط المدنى، وقيمة المساواة، بما فيها المساواة بين المرأة والرجل وفى الفرص الحياتية والثروة العامة، وقيمة التكافل والتعاون والاعتماد المتبادل بين مكونات المجتمع، وقيمة العدالة، بما فيها عدم التمييز أو القبض التعسفى أو النفى أو التعذيب.
ثانيا: هناك البعد السياسى الذى يرتكز على مبادئ ومنهجية وتنظيمات الديموقراطية، بما فيها اختيار سلطات الحكم، وتوازن سلطة الدولة مع سلطة المجتمع، وحق تكوين مؤسسات المجتمع المدنى بكل أشكالها وتلاوينها، وبالتعددية السياسية والثقافية والدينية، وبالتداول السلمى الدورى للسلطة، وبحرمة المسكن والمراسلات، وبالحصول على الجنسية، وبحق التنقل والسفر دون عوائق غير قانونية.
ثالثا: هناك البعد القانونى، بما فيه عقد اجتماعى فى شكل دستور عقدى وقوانين صادرة عن سلطات تشريعية منتخبة من خلال نظام عادل وشفاف.
رابعا: هناك البعد الاقتصادى والاجتماعى وتطبيق صارم لمتطلبات العدالة الاجتماعية، بما فيها مكافحة الفقر والحق فى العمل والحماية من البطالة والتأمين ضد عجز الشيخوخة.
لكن المواطنة ليست فقط مبادئ وحقوق، إذ إنها لن توجد فى الواقع إلا إذا قام المواطنون بواجباتهم إضافة لممارسة حقوقهم. إنها نتاج نشاط وتفاعل بين الحقوق والواجبات عند الفرد وعند الجماعات. وهى، ككل كائن اجتماعى حى تحتاج لبيئة ملائمة لنموها وصونها، تعينها ولا تعيقها.
من هنا تصبح المواطنة شعارا فارغا غير متحقق فى الواقع إذا كان توزيع القوة السياسية قى المجتمع غير متكافئ، وتوزيع الثروة الاقتصادية غير عادل. ولذلك ففى مجتمعاتنا العربية تبرز ثقافة وإشكالية عدم المساواة بين الرجل والمرأة فى الحقوق والواجبات المجتمعية كأحد أهم العوائق أمام التساوى العادل فى المواطنة.
من هنا أيضا يصبح بقاء كلمات مهينة من مثل الرعية والمكرمات ورب العائلة فى القاموس السياسى العربى متناقضا مع مبدأ الكرامة الإنسانية فى المواطنة.
ولأن المواطنة هى تفاعل متوازن بين الحقوق والمسئوليات فان إعطاء وزن للحقوق على حساب المسئوليات فى مجتمعاتنا هو خطأ فادح. فمسئوليات من مثل الالتزام بالقيام بواجب التصويت فى الانتخابات البلدية والبرلمانية، والمحافظة على النظام العام، ورعاية وحماية البيئة المحلية، والمساهمة فى الأنشطة التطوعية لمساعدة المواطنين الآخرين هى مسئوليات أساسية لا تكتمل المواطنة بدون ممارستها من قبل المواطن.
***
إذا كنا، نحن العرب، نريد التبنى للثقافة السياسية الوطنية الجامعة، المبنية على مبدأ المواطنة، فإننا مطالبون، من أجل تفعيل المواطنة الحقيقية فى الواقع العربى، بالقيام بالآتى: استئصال كل أنواع الاستبداد والفساد، مكافحة الفقر والجهل والمرض، الدخول فى إصلاحات تراكمية فى الحياتين السياسية والاقتصادية، المراجعة التحليلية النقدية للثقافة العربية تمهيدا لبناء ثقافة ذاتية جديدة، بناء نظام تعليمى يهيئ الطالب لممارسة حقوق وواجبات المواطنة، وجود نظام إعلامى يساهم فى التوعية المستمرة بمستلزمات المواطنة ويبعد نفسه عن كل ما يجرح مفاهيم المواطنة، وممارسة معقولة من قبل سلطات الحكم للشفافية فى الحياة العامة.
لنلاحظ أن كل ماقلناه عن متطلبات تواجد المواطنة وتطبيقها فى الواقع يرتبط أشد الارتباط بموضوع تواجد الديموقراطية فى الحياة المجتمعية العربية.
ولأن تواجد الديموقراطية فى الحياة العربية يواجه إشكاليات تتعلق بسلطة الحكم من جهة وبثقافة المجتمع من جهة أخرى نستطيع أن ندرك مقدار التضحيات والجهود والأنشطة النضالية المطلوبة من أجل الانتقال إلى ثقافة سياسية وطنية ترتكز على مفاهيم ومنهجيات المواطنة. إنه الطريق للخروج من الجحيم الذى وصلنا إليه فى طول وعرض بلاد العرب.

علي محمد فخرو  شغل العديد من المناصب ومنها منصبي وزير الصحة بمملكة البحرين في الفترة من 1971 _ 1982، ووزير التربية والتعليم في الفترة من 1982 _ 1995. وأيضا سفير لمملكة البحرين في فرنسا، بلجيكا، اسبانيا، وسويسرا، ولدي اليونسكو. ورئيس جمعية الهلال الأحمر البحريني سابقا، وعضو سابق المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة العرب، وعضو سابق للمكتب التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات الوحدة العربية، وعضو مجلس أمناء مؤسسة دراسات فلسطينية. وعضو مجلس إدارة جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبييشغل حاليا عضو اللجنة الاستشارية للشرق الأوسط بالبنك الدولي، وعضو في لجنة الخبراء لليونسكو حول التربية للجميع، عضو في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة، ورئيس مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث.
التعليقات