لماذا تتراجع حرية الصحافة اليوم؟ - قضايا إعلامية - بوابة الشروق
الثلاثاء 30 أبريل 2024 11:51 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

لماذا تتراجع حرية الصحافة اليوم؟

نشر فى : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:45 ص | آخر تحديث : الإثنين 24 نوفمبر 2014 - 8:45 ص

كتب جورج بيكر مقالا بمجلة ذا نيويوركر عن أن الصحافة الحرة اليوم صارت أكثر تعرضا للخطر مع ابتعاد العالم عن الديمقراطية، وصار الصحفيون أكثر الناس استهدافا. فإذا كانوا يقومون بعملهم على أحسن وجه، فربما لا يكون بإمكانهم مصادقة شخصيات فى دوائر النفوذ. حيث لا يكون الصحفيون مفيدين على نحو يعتمد عليه بالنسبة إلى الحكومات والشركات أو الجماعات المسلحة إلا عندما يخونون مهنتهم. بل إنهم نادرا ما يكون لهم حتى قاعدة من التأييد داخل الرأى العام. وفى بعض الأماكن، يكون من المستحيل أن تقدم الحقيقة من دون أن تعرض نفسك للكراهية والعنف من قطاع أو آخر داخل المجتمع.

ويضيف الكاتب أن تغطية الأخبار صارت، فى السنوات الأخيرة، أكثر خطورة من أى وقت مضى. ففيما بين عامى 2002 و2012، قتل فى أنحاء العالم 506 صحفيين، مقابل 390 صحفيا فى العقد السابق عليه، وفقا للجنة حماية الصحفيين. وحتى فى مناطق الحرب الأكثر عنفا، مثل العراق وسورية، كان سبب الوفاة فى معظم الأحيان القتل العادى، وليس تعرضهم للقتل أثناء تغطية المعارك. ومن التحولات الكبيرة فى السنوات التى أعقبت 11 سبتمبر 2001، تراجع الفكرة السائدة عن حياد الصحافة. ويرى العديد من المقاتلين الآن، وخاصة الجهاديين، أن الصحفيين أهداف مشروعة وأدوات قيمة للدعاية سواء كانوا أحياء أو أمواتا.

•••

ويشير بيكر إلى كتاب جويل سايمون، المدير التنفيذى للجنة حماية الصحفيين، الذى نشر مؤخرا بعنوان «الرقابة الجديدة: داخل المعركة العالمية لحرية الإعلام»، حيث يرى بيكر أنه يبدو غريبا التحدث عن الرقابة المتزايدة فى عصر انتشرت فيه الانتخابات فى جميع أنحاء العالم، وتوسعت الحريات الخاصة حتى فى الدول القمعية مثل الصين، وتغرق شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام الاجتماعية أدمغتنا بمعلومات عشوائية فى كل لحظة، ويمكن لأى شخص لديه صفحة على تويتر أو فيسبوك أن يكون صحفيا. لكن سايمون يقدم حجة مقنعة على أن العالم يتجه نحو حرية صحافة أقل.

ويحدد كتاب «الرقابة الجديدة» أربعة أسباب رئيسية لما يحدث: الأول، صعود القادة المنتخبين، مثل فلاديمير بوتين فى روسيا، ورجب طيب أردوغان فى تركيا، والرؤساء اليساريين من فنزويلا والإكوادور وبوليفيا، الذين يستخدمون سلطتهم لترهيب الصحفيين المستقلين وجعل العمل مستحيلا تقريبا بالنسبة لهم. فقد استغلوا وصولهم للحكم عبر الديمقراطية، ليحكموا كديكتاتوريين أو كما يسميهم سيمون «ديموقراتوريين». وهم يفعلون ذلك ليس فقط عن طريق خداع الصحفيين المهمين وإدانتهم وسجنهم، ولكن من خلال خلق مناخ يعتبر حرية الصحافة نوعا من الطابور الخامس فى الجسم السياسى، وأداة مستوردة من الغرب، تقوم فى أحسن الأحوال بالدعاية للمصالح الخارجية بإدخال القيم الغريبة وتغذى الفوضى، وعلى أسوأ تقدير، بنشاط يقوض الأمن القومى والاعتزاز الوطنى.

ويخلق الديماجوجيون مثل بوتين وأردوغان طغيان الأغلبية، بحيث يسهل عزل موقف المعارضة، وهو الوضع الطبيعى لصحافة مستقلة، وتلطيخه بالارتباط بالجمعيات الأجنبية، والمسئولية عن العلل الاجتماعية. ومن كراكاس إلى بكين، تشيع على نحو متزايد فكرة أن ارتباط حرية التعبير بالحريات العامة الأخرى، أيديولوجية غربية على وجه التحديد، وليست حقا عالميا. ولأن هؤلاء القادة يتمتعون بتأييد شعبى، فهم يتمتعون بحماية معينة ضد حملات النقد المعتاد توجيهها إلى الحكام المستبدين الأكثر وضوحا فى العالم، مثل كيم جونج أون فى كوريا الشمالية أو العاهل السعودى الملك عبدالله.

ويوضح الكاتب أن سيمون يعتبر هذا بمثابة إرهاب. وقد تحول الصحفيون إلى أهداف محددة عالية القيمة، بداية من قطع رأس دانيال بيرل فى كراتشى. وفاقمت الحرب على العراق ــ الأكثر دموية فى التاريخ بالنسبة للصحفيين، مع قتل مائة وخمسين صحفيا، خمسة وثمانون فى المائة منهم من العراقيين، معظمهم قتل غيلة الموقف بأن جعلت اعتقال وإعدام الصحفيين جزءا طبيعيا من المشهد الإعلامى. ويضيف بيكر «بالنسبة لى، كانت نقطة التحول عندما كنت مراسلا فى العراق أوائل عام 2004، وأدركت أن علامة الصحافة فى الزجاج الأمامى لسيارتى لا يمنح أى حماية وربما تجر المتاعب؛ فطلبت من السائق العراقى أن ينزعها». وفى سوريا توقفت الوظيفة الأساسية للصحافة، مع خطف الكثير من الصحفيين الأجانب ومن السوريين أو قتلهم.

•••

ويشير بيكر إلى أن حدة العنف فى الصراع تضاعفت اليوم بسبب التقدم التكنولوجى. فلم تعد الجماعات المسلحة بحاجة لإبقاء الصحفيين على قيد الحياة، لأنها صارت تملك وسائلها الخاصة فى «سرد الرواية»: فهى تستطيع كتابة أشرطة الفيديو، ونشر التقارير الخاصة بها على الانترنت، وتكتب لأتباعها على تويتر، مدركة أن الصحافة الدولية سوف تلتقط القصص الأكثر إثارة على أى حال.

ويضيف الكاتب أن مكاتب وكالات الأنباء الأجنبية تعتبر ضحية أخرى من ضحايا التغير التكنولوجى نتيجة وجود أعداد كبيرة من المراسلين فى أماكن مثل ساو باولو ونيروبى، وجاكرتا. ولكن مع تراجع الإعلام التقليدى، وإغلاق مكاتب أجنبية فى جميع أنحاء العالم، تركت التقارير المهمة للصحفيين المحليين؛ كثير منهم من الموهوبين، والمغامرين، ويتسمون بالشجاعة، ويكونون غالبا أكثر قدرة من نظرائهم الغربيين على العمل والحصول على مصادر تصل إلى لب الموضوع. ولكن موقفهم أيضا أكثر خطورة بكثير. فليس لديهم أى مؤسسة اعلامية اجنبية غنية أو حكومة أجنبية مؤثرة تدعمهم. وربما تريد الحكومة الوحيدة المحيطة بهم، حكومتهم، التخلص منهم. وفى دول مثل المكسيك والفلبين وباكستان، يكون الصحفيون المحليون هدفا للحملات الوحشية من الترهيب والقتل على أيدى الأجهزة السرية الغامضة أو الجماعات المسلحة، من تجار المخدرات إلى الإسلاميين.

•••

واختتم بيكر مقاله مشيرا إلى أن المراقبة الرقمية موجودة من جهة عالمية غير مرئية. وقد أتقن الصينيون استخدامها؛ ويتمكن الإيرانيون من القدرة على استخدامها بمرور الوقت. وفى الولايات المتحدة، وفقا لما كشف عنه سنودن، بأن هناك شعورا غامرا بالمراقبة، مما دفع العديد من الصحفيين إلى استخدام نظام التشفير لحماية مصادرهم. وهناك مجموعة إشارات غامضة من الحكومة الأمريكية الحالية، التى تعد بأنها لن تسجن الصحفيين أبدا بسبب قيامهم بعملهم، ولكنها تستخدم سلطة الدولة الهائلة لسد أى تسرب لمعلومات تراها ضارة. فى عصر جمع البيانات الشامل وتغير التعريفات الصحفية، لا أحد يعرف القواعد أو كيف يمكن أن يساء استخدامها وكسرها.

التعليقات