صراع الروايات.. التغطية الإعلامية الغربية لحرب غزة - قضايا إعلامية - بوابة الشروق
السبت 27 أبريل 2024 8:09 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

صراع الروايات.. التغطية الإعلامية الغربية لحرب غزة

نشر فى : الجمعة 24 نوفمبر 2023 - 8:05 م | آخر تحديث : الجمعة 24 نوفمبر 2023 - 8:05 م
نشر المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية مقالا للكاتب توفيق أكليمندوس، يقدم فيه عدة تفسيرات لاختلاف الرؤية الإعلامية الغربية لحرب غزة عن الأخرى العربية؛ مضيفا أن تعدد الروايات الإعلامية والحرية في تناول الموضوعات لا يكفيان لضمان مصداقية المعلومة... نعرض من المقال ما يلي.

تشترك التحليلات العربية لتغطية الإعلام الغربي لحرب غزة في رواية وسرد مشتركين.. مفادها أن الآلة الإعلامية الغربية استمرت في الكيل بمكيالين، وروجت بحسن أو سوء نية، خادعة أو مخدوعة أو الاثنين، للرواية الإسرائيلية، ويصفها البعض بالبكائية، وتقول هذه التحليلات العربية أن مجريات الأحداث وتكذيبها المستمر لهذه الرواية وضغوط جماهيرية ودبلوماسية بلغوا قدرًا من الجسامة، أجبروا هذه الآلة على تعديل هذه الرواية لتتكلم عن وحشية الممارسات الإسرائيلية، والكثير من الزملاء يركز على انتقاء غربي –إرادي أم غير إرادي- للمصطلحات والمفردات والموضوعات، وهو انتقاء يلعب دائمًا أو غالبًا ضد الأطراف العربية، وعلى سبيل المثال ما سمعته من زميلة جليلة: "المواطن العربي مقتول والمواطن الإسرائيلي مذبوح". والضحايا العربية لا تنال الاهتمام نفسه ومساحة الضحية الإسرائيلية نفسها.

بيد أننا نرى أن الواجب إلقاء ضوء آخر على المشهد. أولًا: اتهام الكيل بمكيالين هو اتهام صحيح، ولكنه من ناحية نسبية، ومن ناحية أخرى وأهم يعرض صاحبه لتذكيره أنه أيضًا يكيل بمكيالين. وتحديدًا نقول مقرين أن الضحية الفلسطينية لا تنال عناية واهتمام الضحية الإسرائيلية نفسها، لا شك في هذا، ولكنها تنال اهتمامًا أكبر بكثير من الضحايا من أصحاب البشرة السمراء، ذلك أن الفلسطيني يعاني في شق بالغ الأهمية من مركزية مظلومية اليهود ورحلة آلامهم في أوروبا في المخيال الغربي، ولكنه يستفيد منها أيضًا لأن الاهتمام بالقضايا اليهودية يولد حتمًا اهتمامًا بالقضايا الفلسطينية، والجلاد الإسرائيلي ينال قدحًا أكبر مما يناله غيره –والإسرائيليون واليهود دائمو الشكوى من هذا الوضع غير منتبهين لكونه "ضريبة" الاهتمام بآلامهم وبمصيرهم ومسيرهم.
• • •
وفي هذا الإطار، نلفت النظر إلى أن الإعلام وقطاعات واسعة من الخبراء والصحفيين والسياسيين لا يلتفتون بما فيه الكفاية إلى حقيقة مفادها أن أي كلمة حق يمكن أن تُوظف في خدمة باطل، وأن هذا يفرض قيودًا على خطاب المسئولين والرسميين في كل دولة، ويرى الكثيرون من الإعلاميين في الغرب أنهم ليسوا مسئولين عن توظيف الناس لكلامهم وأن واجبهم نقل الصورة و/أو توعية الجمهور (مع اختلاف بينهم حول مفهوم التوعية اختلافًا يؤدي أحيانًا ليست قليلة إلى إخفاء متعمد للحقيقة) وليس الدفاع عن خط الدولة، وطبعًا هناك في كل مكان من يدرك صواب المعنى الذي أذهب إليه عن القيود المؤثرة لخطاب وتصريحات المسئولين… فيما يخص فقط كوادر الدولة التي ينتمي إليها أو التي يتعاطف معها وينسى هذا فيما يخص غيرها. وإلى جانب تبعات هذا التعريف لمهمة الإعلامي هناك معوقات ومحددات أخرى تؤثر سلبًا على الأداء الإعلامي، منها أن القنوات الخاصة تستهدف الربح وبالتالي تسعى إلى الاحتفاظ بالجمهور، وأن هذا يلعب دورًا في صياغة الخطاب، شأنه شأن توجهات أصحاب القناة.

ونذكر القارئ ببعض المحددات وليست كلها التي لا يدًا للإعلاميين فيها، لا يمكن لخبر تلفزيوني أن يعرض لكل جوانب موضوع، لا سيما إن كان معقدًا في تقرير لا يستمر إلا دقيقتين أو ثلاثة، وبالتالي عليه أن يختار زاوية محددة، وهنا يلعب تحيز الصحفي وأفكاره المسبقة دورًا كبيرًا، ويلاحظ أن الخيارات الأيديولوجية للشباب غير خيارات الشيوخ والقادة وكبار المذيعين، ولا تتفق إلا نادرًا خيارات هذه المجموعات وخيارات الدولة التي تنتمي إليها القناة. إضافة إلى هذا فإن بنية الخبر التلفزيوني تحبذ الروايات البسيطة والثنائيات السطحية فيها الخيِّر والشرير ولا تحب الروايات المعقدة ولا المناطق الرمادية، ويجد كبار الرموز للقناة صعوبة (يمكن التغلب عليها) لتغيير التوصيف الذي ألحقوه بطرف أو غيره، فمن تم وصفه بالشرير في بداية الرواية يصعب تغيير وصفه بعد ذلك، ويبدو من الصعب قبول فكرة تحول الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية. وأخيرًا وليس آخرًا فإن القنوات والجرائد باتت تواجه صعوبات تمنع إرسال مراسلين على الأرض بصفة عامة، وفي مناطق الصراع بصفة خاصة، لا سيما إن كان المتصارعون لا يريدون وجودًا إعلاميًا، وبالتالي فإنها مضطرة إلى تصديق روايات لا يمكن التحقق منها، والاختيار بينها، وهنا تلعب الخيارات الفكرية والتحيزات دورًا لا يستهان به.

• • •

من الواضح أن خطاب أغلب المشاركين في التغطية والتحليل –صحفيين ومقدمي برامج وخبراء- يكشفون عن اعتقاد مفاده أن إسرائيل جزء من العائلة الغربية أو من العائلة الديمقراطية أو من النسيج الحضاري الغربي، في حين أن الطرف الآخر من الأغيار، هذا لا يعني أن إسرائيل فوق النقد أو معصومة من الخطأ، فهناك نقد لها بصفة عامة ونقد لحكومتها الحالية وللحكومات السابقة بصفة خاصة، ولكن هذا النقد مهما كان قاسيًا فهو نقد شقيق لشقيقه، وغالبية المشاركين في النقاش يتكلمون وكأن المعركة ضد حماس وغزة هي معركتهم ومعركة دولتهم، وأن أي نصر لإسرائيل هو نصر لهم. يمكن طبعًا البحث عن تفسيرات تعذر هذا الموقف غير الواعي بنفسه وبتوابعه، على سبيل المثال يمكن القول إن شكل هجوم ٧ أكتوبر ذكّر عددًا من العواصم الغربية لا سيما باريس بالحوادث الإرهابية التي استهدفت أوروبا في هذه الألفية، فنتج تعاطف بين مجتمعات مرت بالتجربة نفسها، ومن ناحية أخرى يؤثر المشهد الداخلي على المدركات وعلى قراءة المشهد الخارجي، في الداخل الأوروبي يعيش المواطنون اليهود في حالة رعب لأن الإرهاب السلفي الجهادي استهدفهم في الماضي، ولأن عدد حوادث الاعتداءات ضدهم تضاعف مرات ومرات بعد ٧ أكتوبر (وعدد الاعتداءات ضد المسلمين زاد أيضًا ولكن بمعدلات أقل)، وباختصار يرى القطاع الغالب للرأي العام أن اليهود هم الضحية، ويتم الترويج بنجاح للرواية الإسرائيلية عن شعب متحضر أعداده قليلة يعيش في دولة صغيرة محاطة بأعداء كثيرين وغير متحضرين، فهذه الرواية متسقة مع ما يشاهده الأوروبي في بلده هو: أقلية صغيرة العدد تتعرض لاعتداءات من أقلية عدد أبنائها أكبر… ولكن الصورة بدأت تتغير مع استمرار الحرب في غزة، يمكن ذكر هذه العوامل وغيرها ولكننا نعتقد أن الحقيقة البسيطة هي أن اليهود جزء من نسيج المجتمع الغربي وهم مكون لا يظهر رفضًا لمنظومة القيم والثقافة السائدة في هذا المجتمع، في حين أن الانطباع السائد عند أغلبية الجمهور أن قطاعات كبيرة من المسلمين في حالة رفض جذري لهذه المنظومة –لأسباب لا يتسع المجال لتقييمها ونكتفي بالقول إن بعضها وجيه وبعضها لا- وأن مقاربتهم صدامية وعدوانية وعنيفة، أحداث السنوات الماضية وهيمنة الإخوان والسلفيين والتبليغيين على مكونات كبيرة من الجاليات الإسلامية ساهمت في ترسيخ وتجذر هذا التصور الموجود أصلًا، أشار إليه الرئيس السابق هولاند في مناقشات مع صحفيين.

• • •
ومن ناحية أخرى هناك قناعة حقيقة غير مبنية على أسس تؤثر على انتقاء المادة وعمليات التفضيل بين الروايات، هذه القناعة مفادها أن إعلامًا غير موجه يقول دائمًا الحقيقة ولا يكذب، في حين أن الإعلام الموجه دائم الكذب، وأن تكلفة الكذب في الديمقراطيات أعلى بكثير في حين أن لا تكلفة له في الأنظمة السلطوية؛ وبالتالي فالكذب أقل والأخطاء في التغطية أقل. ودون دخول في جدل حول مدى استقلالية الإعلام في الدول الغربية أو في إسرائيل، ودون إنكار أن تنوع الإعلام الغربي وتعدد مشاربه وتعدد الروايات الإسرائيلية واليهودية من عناصر قوة هذا الإعلام وخطابه وقدرته على التأثير؛ لأن هذا التعدد ينفي أو يخفي شبهة التلقين، ونلاحظ في هذا الصدد أن أي رواية عليها إجماع إعلامي تثير دائمًا الشكوك لدى قطاعات كبيرة من الجمهور، إلا أنه من الواضح أن التعددية والحرية لا تكفيان في حد ذاتهما لضمان الموضوعية والحيادية والاحترافية، ولا تكفيان لمنع الوقوع في أخطاء جسيمة. كما أنه من الواضح أن الإعلام الموجه يقول في أحوال عديدة وليس دائمًا الحقيقة، ما نقصده أن هناك ميلًا شبه عام فيما رصدناه إلى اعتبار أن الرواية الإسرائيلية صادقة إلى أن يثبت العكس، (يحد من هذا الميل عدم معقولية بعض الروايات وكراهية الكثيرين بما فيهم عدد معتبر من اليهود للحكومة الحالية)، وإلى اعتبار أن أي إعلام عربي كاذب إلى أن يثبت العكس.

النص الأصلي

التعليقات