يوسى كلاين
لِلحظة، دعك من السؤال عما إذا كان نتنياهو سيقدّم إفادة مضادة لإفادة رونين بار أم لا، وفكّر فى المواجهة بينهما على أنها «كلمة فى مقابل كلمة». بمن ستثق؟ بالكاذب الذى أصبحت الكذبة لديه فنا، أم بالمحترف الذى تُعدّ الأكاذيب أداة عمله؟ من الواضح أنه لا مجال للمقارنة، فنتنياهو موهوب بالفطرة، فى حين أن بار تعلّم هذا المجال بطريقة صعبة. لكن ما أهمية ذلك؟ هل سيحدث زلزال مرة أخرى؟ مثلما حدث بعد كارثة ميرون (حادث تدافع مميت أودى بحياة 44 شخصا تقريبا فى جيل ميرون عام 2021، وحملت لجنة التحقيق نتنياهو مسئولية شخصية فى هذه المأساة لأنه كان يعلم، أو كان ينبغى أن يعلم أن الموقع خضع لصيانة سيئة على مدار سنوات، ما يمكن أن يشكل خطرا على حياة العديد من اليهود المشاركين فى الحج السنوى)؟ أو مثلما حدث بعد قضية الغواصات (اتهم نتنياهو فى قضية فساد تتعلق بتلقيه رشاوى وعمولات من بيع غواصات ألمانية لإسرائيل)؟
الكهانية هى حركة إرهابية يهودية عنصرية وعنيفة، ومعارِضة للنظام القائم، تؤمن بأنه لا ضرورة لطاعة القانون، وبالفوضى كوسيلة للوصول إلى الحكم وإقامة دولة الشريعة، وليس لديها مشكلة فى التضحية بإخوتها من أجل تحقيق أهدافها (إعادة الرهائن أمر مهم، لكنه ليس الأهم). لقد كانت حركة معارضة عبر التاريخ، لكنها لم تكن معارِضة وتدير الحكومة فى الوقت نفسه.
الكهانية لم تمت، بل تنكّرت فقط. اليمين المتطرف فى أوروبا استبدل النازية، لكنه لم يتخلَّ عن معاداته للسامية. اعتقدنا أننا تخلصنا من الكهانية فى سنة 1988، ولم نصدق أنها ستعود بإدارة جديدة. فالصهيونية القديمة والكهانية الجديدة توءمان، والفصل العنصرى والتفوّق الذى يقترب من العنصرية مشتركان بينهما، والآن، أصبح الترانسفير جزءا من المشهد أيضا.
نحن أصبحنا كهانيين من دون أن نعى كهانيتنا. نحن نصمت، ومن يصمت هو شريك. الكهانى هو مَن يخبئ رأسه الصغير تحت الدرع، ولا يعرف، ولا يسمع، ولا يرى. الكهانى هو من لم يرَ ما يُفعل بالرعاة فى الضفة، ولا يعلم أن النساء والأطفال والشيوخ والرجال يُقتلون فى غزة. مَن لا يحاول إسقاط حُكم نتنياهو، فهو كهانى.
كلّ وزير فى الحكومة هو كهانى. كتب كهانا: «على الدولة أن تطهّر وسائل إعلامها من الطابور الخامس، أى اليساريين الذين يسمّمون شبابنا»، وشلومو كَرعى، وزير الاتصالات، يقوم بالتطهير. كهانا قال: «علينا أن نكثّف المعركة حول الحرم القدسى»، وبن غفير يكثّف المعركة. كهانا قال: «هذه الحكومة لا تتيح للجيش التعامل مع العرب»، وسموتريتش يوافق. نتنياهو، الذى يتحدث عن «الهجرة الطوعية»، والتى تتحول لاحقا إلى «رؤية ترامب»، هو كهانى ترانسفير». قال كهانا: «العربى يفهم شيئا واحدا- القوة».
أرونى شخص واحد فى الحكومة، أو فى هيئة الأركان العامة، أو فى الكنيست، لا يفكّر بهذه الطريقة. لو تم إجراء استطلاع فى أوساط الجمهور اليهودى، لَكشف أنه، فى أغلبيته، يفكر بهذه الطريقة. لدينا ظروف مخففة سيدى القاضى، إننا كهانيون من غير قصدنا. وُلدنا على هذا النحو: من وُلد بعد سنة 1967، ونشأ فى ظل الاحتلال والإساءة إلى العرب، كجزء من الروتين، هو كهانى. الكهانيون هم أيضا شباب فى العشرينيات نشأوا فى عهد نتنياهو، ولا يعرفون حكما غير فاسد.
الكهانيون فى كل مكان. لا حاجة إلى الشاباك لمعرفة أن الكهانيين تسللوا إلى كل مؤسسة رسمية، ولا حاجة إلى التحقيق كى ترى الأورام التى أرسلوها إلى جهاز التعليم. «إذا كان هناك تناقُض بين الديمقراطية والدولة اليهودية، فلتذهب الديمقراطية إلى الجحيم»، قال كهانا، وها هى ذاهبة إلى هناك فعلا.
تضع ذكرى يوم المحرقة أمام الكهانيين، أى أمامنا جميعا، معضلة: هل يحق لشعب قُتل أبناؤه وبناته الانتقام بقتل أبناء وبنات شعب آخر؟ وهل يُسمح لعائلات الأسرى بالشعور بالحزن أيضا على مقتل أطفالٍ من العرب؟
هاآرتس
مؤسسة الدراسات الفلسطينية