عشوائيات الطبقة الوسطى: زهراء المعادى نموذجا - عمرو عادلى - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 10:41 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عشوائيات الطبقة الوسطى: زهراء المعادى نموذجا

نشر فى : الثلاثاء 24 نوفمبر 2015 - 11:00 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 24 نوفمبر 2015 - 11:16 م

تناول الرئيس عبدالفتاح السيسى غرق الإسكندرية ومحافظات شمال الدلتا منذ مدة بالحديث عن تردى البنية الأساسية فى المدن نتيجة تفشى العشوائية وتحدث عن بناء ستين ألف وحدة سكنية بالمخالفة للقانون فى محافظة الإسكندرية فى السنتين التاليتين على ثورة يناير 2011، وكيف أن هذه الأبنية المخالفة تمثل ضغطا شديدا على جميع المرافق من كهرباء ومياه وطرق وخدمات عامة، وأن إزالتها صعبة الآن بحكم إيوائها لعائلات سيتعذر إيجاد أماكن بديلة بدون تكلفة مرتفعة.

ولعله يكون من المفيد أن يعلم السيد الرئيس أن البناء المخالف لا يجرى فحسب على الأراضى الزراعية ولا فى الأحياء الفقيرة التى لا يجد سكانها بديلا غيره لحل مشكلة ارتفاع تكلفة المساكن، بل إن البناء العشوائى يجرى فى قلب عدد من أحياء الطبقات المتوسطة بالقاهرة، وإنه يجرى الآن بينما تكتب هذه السطور، وليس فى فترة الفوضى اللاحقة على ثورة يناير، وأن البناء المخالف فى أحياء الطبقة الوسطى كحى المعادى لا يهدف لحل مشكلة فقراء المدن الذين لا يجدون سكنا لائقا لارتفاع أسعار الأراضى بل هو استثمار متكامل الأركان قائم على توفير وحدات سكنية تباع بالملايين دون الحصول على ترخيص وغالبا ما يتم هذا بتواطؤ من سلطات الأحياء، التى لا تجد عذرا فى غض النظر وتحصيل مدفوعات غير رسمية حتى تقع كارثة بين الفينة والأخرى كحال انهيار عمارات مدينة نصر المتكررة أو الحالات شبه الأسبوعية للانهيار فى محافظة كالإسكندرية.
***
إن الحال فى حى المعادى خاصة فى المنطقة الجديدة منه المعروفة باسم زهراء المعادى، ينطوى على مفارقات شديدة العجب للمتابع للشأن اليومى للمحليات؛ ففى مناطق معينة بهذا الحى القديم للطبقات المتوسطة، تسعى الدولة جاهدة لإزالة تعديات السنوات السابقة التى تم فيها التوسع فى البناء على أراضى الدولة أو على الأراضى الزراعية، بينما فى أماكن أخرى تجرى عملية بناء المخالفات الآن على قدم وساق، ولا سبيل لتفسير هذا الفصام لدى الإدارات المحلية إلا طبقا لآليات الاقتصاد غير القانونى حيث ثمة بيزنس نشط ويحتوى استثمارات بملايين الجنيهات يقوم على بناء أدوار مخالفة فى عمارات صادر لها تراخيص بأربعة أدوار فتتم إضافة دور أو دورين مخالفين دون رخصة، ودون إمكانية توفيق الأوضاع طبقا لقانون البناء الموحد، ووسط تجاهل تام من السلطات المحلية لحين الانتهاء من البناء، وبيع الوحدات بأسعار تجاوز سبعة آلاف جنيه للمتر.
***
إن الاقتصاد غير الرسمى بكل التكاليف التى يكبدها للدولة وللمجتمع لا يقع فحسب فى أطراف المدن الكبرى، حيث ينتشر المهاجرون الفقراء الآتون من الريف، ولا ينحصر فحسب فى التهريب أو التجارة غير الرسمية بل إنه يشتمل كذلك على أنماط راسخة ومربحة للغاية من الاستثمار، العقارى خاصة، والذى يقوم على الاستثمار فى مخالفة القانون، وتحمل مخاطر هذا، مع السعى لجعلها محدودة غالبا عن طريق دفع مبالغ لممثلى أجهزة الدولة بشكل غير رسمى، وهو ما يجرى اعتباره عمليا كرخصة فعلية تحيد أجهزة تنفيذ القانون، وذلك لحين فرض الأمر الواقع ببيع الوحدات السكنية بأسعار مناطق الطبقة الوسطى، نظرا لما تتمتع به من مرافق وخدمات عامة غالبا ما يتم توصيلها بذات الطرق غير القانونية وغير الرسمية، وعند إيواء عشوائيات الطبقة المتوسطة هذه للسكان، ومع تراخى وارتخاء أجهزة الدولة المحلية ترتفع التكلفة الاجتماعية لإصلاح الأوضاع، وتتحول الأنشطة غير الرسمية هذه إلى أنشطة شبه رسمية، تحظى بحق الوجود وربما التمدد والتوسع رغم عدم حصولها على أى اعتراف قانونى من الدولة.
إن الدولة هنا ترعى فعليا الاستثمار والسكن غير الرسميين، وربما تستفيد منه سواء رسميا بتحصيل المخالفات والغرامات – دون تصحيح الأوضاع وتنفيذ قرارات الإزالة – أو بشكل غير رسمى من خلال تربيح موظفى الإدارات المختصة بالمتابعة والمراقبة، ومن هنا أمكن القول أن ثمة مصلحة اقتصادية مباشرة فى الاستثمار فى ضعف مؤسسات الدولة وفى إدامة وضع الدولة الرخوة فى مصر، وتتشارك تلك المصلحة بين أطراف داخل أجهزة الدولة ذاتها وبين الوسطاء والمنتفعين الذين يحققون أرباحا طائلة – ويقومون بتربيح غيرهم – بالطبع على حساب الجمهور العام الذى يملك تحريك أجهزة الدولة للدفاع عن صالحه، وعلى حساب الدولة التى تعود قيادتها بعدها بشهور أو بسنوات لتشكو من استشراء الفساد عند انهيار العمارات على رؤوس ساكنيها أو عند غرق العاصمة الثانية للبلاد فى مواجهة نوة شتوية معتادة.
***
إن اقتصاديات الفساد التى نمت وانتشرت فى عهد مبارك قد خلقت هذا الوضع الراهن، والذى يمثل عبئا اليوم على كل قيادة سياسية تحاول إعادة بناء السلطة فى مصر، لقد تمكن مبارك ونظامه من التعايش ــ والاستثمار حقيقة ــ فى ضعف مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على صياغة أو تطبيق أى سياسات عامة متسقة، ولكن بلغ السيل الزبى فى لحظة ما، ولم يعد الأمر قابلا للاستمرار، وهو ما نعايشه اليوم تحديدا إذ أن الإبقاء على أداء الدولة الضعيفة المهترئة هذه قد أصبح منافيا لأى فرصة للإنجاز الاقتصادى أو لبناء شرعية سلطة الدولة أو لتحقيق العدالة الاجتماعية بل حتى لتحقيق الحدود الدنيا للغاية من سيطرة الدولة على المجال العام وقدرتها على إدارته.
ولعل البديل فى المستقبل لن يكون بقاء الدولة على حالة من الضعف والشلل وتفشى اللارسمية بل سيكون قبول الدولة تفكيك نفسها لصالح اقتصاد غير رسمى لم يعد فحسب هامشيا أو على الأطراف بل هو زاحف إلى قلب الممارسات الاقتصادية كافة، وحينها سيكون علينا الاعتراف بانطباق أوصاف الدولة الفاشلة على مصر كونها كيان إدارى شديد الضخامة ولكنه شديد العجز بنفس الدرجة، وحينها لن تكون هناك مساحة لاستغراب تساقط الطائرات وانهيار الأبنية السكنية كجزء من روتين الحياة اليومية.

التعليقات