عائدات جولة أردوغان الخليجية - رخا أحمد حسن - بوابة الشروق
الأحد 12 مايو 2024 5:43 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

عائدات جولة أردوغان الخليجية

نشر فى : الثلاثاء 25 يوليه 2023 - 6:45 م | آخر تحديث : الثلاثاء 25 يوليه 2023 - 6:45 م

قام الرئيس رجب طيب أردوغان بجولة خليجية شملت ثلاث دول هى السعودية، وقطر، والإمارات العربية، استمرت ثلاثة أيام فى الفترة من 17ــ19 يوليو 2023. وكان برفقة أردوغان وفد تركى كبير يتكون الشق الرسمى منه من وزراء الخارجية، والطاقة والموارد الطبيعية، والدفاع، والصناعة والتكنولوجيا، والتجارة، ورئيس جهاز الاستخبارات، ونواب وزراء، ووزراء سابقين، ومسئولين فى رئاسة الجمهورية، ومن حزبى الائتلاف الحاكم، حزب العدالة والتنمية، وحزب الحركة القومية، وشق رجال الأعمال الذين بلغ عددهم 200 رجل أعمال فى مختلف المجالات. ليس هذا فقط، وإنما سبق الزيارة إعداد جيد فى كل دولة من الدول الثلاث عن طريق وفود تركية من وزراء ونائب رئيس الجمهورية وخبراء وفنيين لإعداد الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التى تم توقيعها خلال الجولة وشملت جميع المجالات.
وتعد جولة أردوغان فى الدول الثلاث بمثابة حملة اقتصادية تجارية استثمارية هدفها الأساسى جلب أكبر قدر من الاستثمارات المشتركة، ودعم وزيادة التبادل التجارى المتنامى بين تركيا ودول الخليج العربية، خاصة أن تركيا تمر بأزمة اقتصادية منذ بدء جائحة كورونا عام 2020 ثم الحرب الروسية الأوكرانية، والزلزال المدمر الذى ضرب تركيا فى فبراير 2023، حيث زادت معدلات البطالة والتضخم وانخفاض سعر صرف العملة التركية بنسب عالية، الأمر الذى يتطلب عملية إعادة تأهيل اقتصادية ومالية شاملة. وقد وجد أردوغان فى دول الخليج العربية تجاوبا كبيرا منذ أن زالت حالة التوتر والاحتقان فى العلاقات بينها، اعتبارا من عام 2021 عقب عودة قطر إلى حاضنتها الخليجية فى قمة العلا فى السعودية، وتبادل الزيارات بين تركيا وقادة دول الخليج العربية على أعلى المستويات، وما قدمته دول الخليج من مساعدات سخية لضحايا الزلزال المدمر فى تركيا.
• • •
قال أردوغان قبل وصوله إلى السعودية ــ المحطة الأولى فى جولته: «إن تركيا قطعت مسافة مهمة فى العلاقات مع دول الخليج (العربية) خلال الفترة الأخيرة، وتواصل جهودها لإقامة حزام سلام واستقرار حولها». وأن تركيا شهدت كل أشكال الدعم المادى والمعنوى من دول الخليج عقب زلزال فبراير 2023، وأن الخطوة المهمة هى تعزيز علاقات تركيا مع دول المنطقة. وقد سبق وصول أردوغان للسعودية عقد منتدى رجال الأعمال السعودى ــ التركى فى إسطنبول فى 12 يوليو 2023 لبحث فرص الاستثمار السعودى ــ التركى وتعزيز التواصل مع المستثمرين والشركات التركية فى مجالات التنمية الحضرية، والبناء والتطوير العقارى، والمواصلات، والمدن الذكية فى إطار «رؤية 2023» السعودية. وقد بلغت قيمة المشروعات التى نفذتها شركات تركية فى السعودية على مدى العقدين الماضيين نحو 25 مليار دولار أمريكى. وقد تم توقيع عدة اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع السعودية فى أثناء الزيارة شملت مجالات الاستثمار المشترك المباشر، والصناعات الدفاعية، والطاقة، والدفاع، والاتصالات، ومن أهمها مذكرة التفاهم بين وزارتى الدفاع فى البلدين للتعاون فى عدة مجالات بينهما تشمل القدرات والصناعات الدفاعية، والأبحاث والتطوير وتوطين صناعة الطائرات المسيرة التركية فى السعودية والأنظمة المكونة لها بمشاركة الشركات الوطنية المتخصصة، وتقديم خدمات التدريب والمساندة، وتطوير قدرات التوطين من خلال التقنية والمعرفة وتدريب الكوادر السعودية. ووقعت وزارة الدفاع السعودية اتفاقية مع شركة «بايكار» التركية المنتجة للطائرات المسيرة. وأبدت الشركات التركية التى شاركت مع نظيراتها السعودية فى المنتدى الاقتصادى فى أثناء الزيارة جاهزيتها للمشاركة الفعالة فى تنفيذ «رؤية 2030» السعودية فى قطاعات المقاولات، وصناعة المواد الغذائية، والسياحة، والتكنولوجيا، والطاقة، والتعليم، والتقنيات الرقمية، والتصنيع العسكرى، والصحة، والإعلام. وقال وزير التجارة التركى أن السعودية وتركيا قوتان اقتصاديتان صاعدتان، ولديهما مزايا تنافسية كبيرة.
وقد تزامنت زيارة أردوغان لقطر، المحطة الثانية فى جولته الثلاثية، مع مرور خمسين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الدوحة وأنقرة. وبحث أردوغان مع الأمير تميم العلاقات الاستراتيجية المتنامية بين البلدين. وكان القائدان قد سبق أن ترأسا فى أكتوبر 2022 اجتماع الدورة الثامنة للجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية فى إسطنبول، حيث تم بحث العلاقات بين البلدين فى المجالات السياسية، والتجارية، والاقتصادية، والاستثمارية. وبلغت قيمة التبادل التجارى بينهما عام 2022 نحو 8 مليارات ريال قطرى. وتم توقيع 195 اتفاقية ووثيقة تغطى مجالات التعاون فى الفترة من عام 2014 حتى الآن، ويوجد فى تركيا ما يقرب من 182 شركة برأسمال قطرى قيمته 33,3 مليار دولار أمريكى، بينما تعمل فى قطر 711 شركة تركية، بينها 664 شركة برأسمال قطرى تركى، و47 شركة برأسمال تركى خالص، و15 شركة تركية تعمل فى المنطقة الحرة فى قطر. هذا وتربط بين أنقرة والدوحة علاقات وثيقة وشاملة فى جميع المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والعسكرية والأمنية، والتى ازدادت توثقا منذ عام 2017 حتى الآن.
وقد وصف الرئيس أردوغان الإمارات العربية، المحطة الثالثة والأخيرة فى جولته، بأنها الشريك الاستراتيجى والدولة الصديقة والشقيقة، وعلاقاتها وتعاونها وثيق مع تركيا حيث سجلت العلاقات التجارية بينهما أعلى مستوى فى منطقة الخليج فى الآونة الأخيرة.
يلاحظ أن العلاقات الاقتصادية والتجارية والاستثمار بين الإمارات العربية وتركيا لم يتأثرا كثيرا بالفترة التى شهدت خلافات بين أنقرة وأبو ظبى بشأن الأزمة الليبية، وجماعة الإخوان المسلمين التى تصنفها الإمارات جماعة إرهابية، أو التنقيب عن الغاز فى البحر المتوسط، واتهام تركيا للإمارات بأنها كانت مؤيدة للانقلاب الفاشل ضد أردوغان فى 15 يوليو 2016، واتهام الإمارات تركيا بالسلوك الاستعمارى بوجود قواتها على الأراضى السورية، فقد بقيت العلاقات الاقتصادية والتجارية قائمة.
وقد وقعت الإمارات العربية وتركيا اتفاقية مشاركة اقتصادية شاملة فى 3 مارس 2023، لتحفيز التبادل التجارى وزيادة التدفقات الاستثمارية، وإتاحة الفرص المشتركة فى القطاعات ذات الأولوية، وتستهدف إلغاء الرسوم الجمركية على 82% من السلع والمنتجات غير النفطية المتبادلة، أى على نحو 93% من مكونات التجارة بين البلدين، ومضاعفة التجارة البينية غير النفطية من قيمتها الحالية لتصل إلى 40 مليار دولار أمريكى سنويا، وذلك فى غضون خمسة أعوام، وتؤدى إلى إتاحة نحو 125 ألف وظيفة جديدة فى البلدين بحلول عام 2031. وقد بلغت قيمة التجارة البينية غير النفطية فى عام 2022 نحو 19 مليار دولار أمريكى بزيادة 40% عن عام 2021 و112% عن عام 2020.
كما تم خلال زيارة أردوغان للإمارات العربية توقيع اتفاقات ومذكرات تفاهم بلغت قيمتها الإجمالية 50,7 مليار دولار أمريكى تغطى مجالات الطاقة، والإعمار، والصناعة والتجارة وغيرها. وشملت الاتفاقات تشجيع وحماية الاستثمارات، وتسليم المجرمين، والتعاون القانونى والقضائى فى المسائل المدنية والتجارية والجنائية، وإعلان إنشاء لجنة اقتصادية وتجارية مشتركة، واتفاقية إطارية للمشاركة الاستراتيجية بين وزارة الاستثمار الإماراتية ووزارة الصناعة والطاقة والموارد الطبيعية التركية، ومذكرة تفاهم حول التعاون الاستراتيجى فى مجال الصناعات الدفاعية، ومذكرة تفاهم للتمويل عن طريق الصكوك المالية للإغاثة من الزلازل. وقال الرئيس أردوغان أن تركيا سترفع علاقاتها مع الإمارات العربية إلى مستوى المشاركة الاستراتيجية. وقد توافق الرئيس أردوغان والشيخ محمد بن زايد على أن الحوار والحلول الدبلوماسية هى السبيل للتعامل مع مختلف التحديات والأزمات فى المنطقة، وبناء علاقات تقوم على الاحترام المتبادل والثقة والمصالح المشتركة بما يعزز الاستقرار والسلام والتنمية فى المنطقة.
• • •
وقد تناول الرئيس أردوغان مع زعماء السعودية وقطر والإمارات العربية الأزمات فى المنطقة، سواء الأزمة السورية ومساعى تركيا لاسترداد العلاقات مع دمشق وتمسكها بعدم سحب القوات التركية من سوريا حاليا، حيث ترى أن الحكومة السورية ليس فى إمكانها تأمين الحدود مع تركيا، والأزمة اليمنية ومسار التسوية السياسية فيها، والأزمة الليبية وما تشهده من تجاذبات رغم حالة الاستقرار النسبى، والقضية الفلسطينية وما تشهده من تعنت إسرائيلى، والحرب الروسية الأوكرانية وآثارها السلبية خاصة على الأمن الغذائى وتأثر دول المنطقة بشدة من جراء ذلك، وأهمية التعاون المشترك فى مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات.
وحرص الرئيس أردوغان على إهداء كل واحد من قادة السعودية وقطر والإمارات العربية سيارات كهربائية إنتاج تركيا، وهى ــ إلى جانب أنها هدية قيمة ــ بمثابة دعاية على أعلى مستوى لإنتاج تركيا لهذا النوع من سيارات الطاقة النظيفة، بما يفتح سوقا مهمة لها فى الدول الثلاث.
ويعد عام 2023 من الأعوام الخاصة لكل من تركيا والرئيس أردوغان، فقد شهدت تركيا زلزالا عنيفا مدمرا، أضاف أعباء ضخمة إلى أزمتها الاقتصادية والمالية منذ جائحة كورونا وأضيفت إليها أعباء الحرب الروسية الأوكرانية، وواجه أردوغان أصعب انتخابات رئاسية وتحميله بعضا من أسباب الأزمة الاقتصادية ومشكلة وجود اللاجئين السوريين فى تركيا. ويعمل أردوغان منذ فوزه فى الانتخابات هو وحكومته الجديدة على إيجاد مخارج لما تواجهه تركيا من تحديات، وقد بدأ منذ نحو عامين العمل على تحسين العلاقات التركية الخليجية فى جميع المجالات، خاصة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، والتى شهدت تصاعدا ملحوظا، لذا فقد أعطى أردوغان اهتماما كبيرا لجولته الخليجية الثلاثية لتحقق أهدافها الاقتصادية، ومزيدا من تدفق الاستثمارات إلى تركيا التى تحتفل هذا العام بمرور مائة عام على تأسيس الجمهورية التركية، وقد حققت جولته الخليجية الكثير مما أراد أردوغان تحقيقه وأصبحت تركيا شريكا مهما للدول الثلاث.

رخا أحمد حسن عضو المجلس المصري للشئون الخارجية وعضو الجمعية المصرية للأمم المتحدة.
التعليقات