ومع ذلك قامت الثـورة فى 2011 - أميمة كمال - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 5:10 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ومع ذلك قامت الثـورة فى 2011

نشر فى : الأربعاء 25 سبتمبر 2013 - 8:55 ص | آخر تحديث : الأربعاء 25 سبتمبر 2013 - 8:55 ص

من أكثر المشاهد سوءًا هذه الأيام هو عودة بعض رجالات مبارك وولده إلى صدارة المشهد الإعلامى، بعد أن كانوا قد غابوا عنه، وظن بعضنا أنهم فهموا أن لكل عصر رجاله، وأن عصرهم قد ولى مع رحيل رجلهم. ولكن يبدو أنهم فضلوا أن يتواروا قليلا حتى تمر العاصفة، واعتقدوا أنها قد مرت، بينما العاصفة ما زالت فى شدة عزمها.

تجدهم وقد استحضر كل منهم بدلته القديمة ورابطة عنقه الأنيقة، وعاد ليلقى علينا نفس التنظيرات العقيمة التى ظن كل منا أنها أصبحت ضمن ذكريات الماضى السحيق. ولا أعرف كيف لم يتنبه الدكتور عبدالمنعم سعيد وهو يعيد علينا تلك النظرية الفلسفية التى ذهبت بصاحبه إلى طره وذهبت بمصر كلها إلى الثورة.

فهو قد عاد مرة أخرى، بعد أن غاب غيابا اختياريا، ليحذرنا من أن التاريخ سوف يحاسب الجيل الحالى الذى ينشغل أكثر من اللازم بقضايا الفقر وتوزيع الثروة. بينما الأكثر أهمية والذى سيحاسبه عليه التاريخ هو الاهتمام بخلق الثروة. يعنى بصريح العبارة يقول لنا إن المهم أن نحقق نموا اقتصاديا مرتفعا. أما أين تذهب ثمار هذا النمو، فهذا شأن يقل أهمية كثيرا الآن. والأدهى أن التاريخ سيحاسب من يقف عند هذه القضية.

ولا أعرف هل نسى الدكتور سعيد أن ثورة يناير قامت بعد سنوات كانت مصر تحقق فيها أعلى معدلات للنمو الاقتصادى. بل وتجاوز المعدل فى بعض تلك السنوات الزاهرة بالنمو 7%.

•••

كان رجالات مبارك، ممن لن يحاسبهم التاريخ لأنهم انشغلوا بالنمو وليس بالكلام عن «صيانة الفقراء» طبقا لنظرية الدكتور سعيد، يسمعوننا كل صباح سيل من أرقام الشركات، ومليارات المستثمرين التى حفظناها. بعد أن أصبحت مقررا يوميا هو آخر ما نسمعه قبل أن ننام، وأول ما نستيقظ عليه عندما نفتح أعيننا. قالوا لنا إنه قد اجتاح البلاد فيض من الاستثمارات الأجنبية يتعدى فى الستة أعوام الأخيرة قبل الثورة 49 مليار دولار. وأننا أسسنا بفضل تلك الاستثمارات وبغيرها من مليارات رجال الأعمال المصريين، التى وصلت هى الأخرى إلى 140 مليار جنيه، أسسنا ما يزيد على 70 ألف شركة. والأهم أن مصر حازت بفضل هذه الاستثمارات على وضعية جعلتها فى مصاف الدول العشر الأكثر اصلاحا لمناخ الاستثمار فى العالم، طبقا لرأى مؤسسة التمويل الدولية فى عام 2010. ومع ذلك قامت الثورة فى عام 2011.

•••

وربما لم يسعف الدكتور سعيد الوقت ليتعرف على حجم النمو الذى تحقق فى الصعيد الذى يقول لنا فى، مقال أخير له، إنه يعيش فيه 60% من الفقراء. فقد تم داخل هذه المنطقة المعدم أهلها فى الست سنوات الأخيرة السابقة على الثورة إقامة ما يساوى نصف إجمالى عدد المصانع التى أنشأت على مدار الـ34 سنة الأخيرة. ولكن كل تلك الاستثمارات لم تعد على أهل الصعيد بأى ثمار، حتى ولو كانت ثمارا عطبة. لأن كل ما أثمرت عنه تلك المصانع ذهب لأصحابها. وظل الفقر معشش على بيوت الصعايدة. وغاب القوت الضرورى عن ناسها. ولذلك قامت الثورة.

•••

يقول الدكتور سعيد: أن «صيانة الفقر واستخدام الوسائل من دعم، وحد أدنى للأجور لجعل هذه الصيانة ذات كفاءة عالية لم يعد مفيدا». لم يعد مفيدا أن تجعل الناس تعيش عند حد الكفاف؟ فماذا إذن المفيد؟ ولا أعرف ما إذا كان قد وصل إلى علم الدكتور الغزير عن خلق الثروة أن كل نمو 1% فقط فى متوسط استهلاك الفقراء يمكن أن يترتب عليه انخفاض فى مؤشر عدد الفقراء بنسبة 2.7% فى المناطق الحضرية، وبنسبة أقل قليلا للمناطق الريفية. والأكثر أهمية من ذلك هو أن كل زيادة 1% فقط فى التفاوت فى توزيع الدخل يترتب عليه ارتفاع فى مؤشر الفقر فى الحضر بنسبة 3.46% وبزيادة فى الريف بنسبة 1% طبقا لدراسة غاية فى الأهمية للدكتورة هبة الليثى استاذ الإحصاء فى جامعة القاهرة.

وهو ما يدل دلالة، لا تخطئها إلا أعين من لا يريدون أن يروا الحقيقة، على أن زيادة الفقر فى السنوات الأخيرة كانت فى جانب كبير منها تعود إلى غياب العدل، والتوزيع القاسى للثروة لصالح الأغنياء. وكان يتخفى وراء آراء فلسفية من عينة الثروة أولا، وقبل الناس. فهل من العدل أن يبقى نصيب الـ40% الأقل انفاقا فى مصر لا يزيد على 6.3% من إجمالى كل ما ينفقه المصريون. بينما نصيبهم فى الوضع الأمثل هو 40%.

•••

والحقيقة أن مثل هذه النصائح الآتية من عصر، ومن سياسات، ومن رجالات مبارك التى اهتمت بخلق الثروة دون أن تعير أدنى اهتمام بتوزيعها بشكل عادل، هى التى أوصلتنا إلى ما نحن فيه. فهل يعرف الدكتور سعيد أن الناتج القومى وهو إجمالى ما ينتجه البلد ككل، والذى بالضرورة يتشارك فى انتاجه كل الناس يعنى العامل وصاحب رأس المال، أصبح 30% منه يذهب لمن ينتجه ويعرق فيه، والباقى يذهب لأصحاب رأس المال. يعنى ثلث الناتج الحالى وهو يصل إلى تريليون و735 مليار جنيه، يذهب منه 535 مليار جنيه لأجور الأيدى التى تنتج، بينما 70% من الناتج يكون من نصيب أصحاب رءوس الأموال والأصول وللريع.

•••

ولا أعرف إذا كان الدكتور عبدالمنعم سعيد الذى لا يرى أهمية كبيرة الآن للحديث عن الحد الأدنى للأجور يعرف أنه مازال ربع من يعمل داخل القطاع الخاص فى مصر يتقاضى أقل من 600 جنيه فى الشهر. يعنى الواحد منهم ينزل من بيته، ويركب مواصلات، ويعمل لمدد تزيد على 8 ساعات، ويعود مرة أخرى محشورا فى اتوبيس أو مزنوقا فى ميكروباص أو مسطحا على قطار لأهل بيته بحصيلة عشرين جنيها. وما أدراك يا دكتور بالعشرين جنيها فى زمن أصبح فيه كيلو البطاطس يزداد سعره بنسبة 98%. ومع ذلك تظل أنت تتحدث عن خلق الثروة أولا. فمتى إذن يأكل الناس البطاطس، وليس اللحم؟.

وإذا كنت ترى أن التاريخ سيحاسب الجيل الحالى الذى يهتم بالفقراء وبتوزيع الثروة. فماذا عساه أن يفعل ذلك التاريخ عندما يأتى على حساب من اهتم بخلق الثروة، واكتنزها وحده، ربنا يستر.

والله العظيم كانت ثورة ألا تفهمون؟

أميمة كمال كاتبة صحفية
التعليقات