من «سردية التميّز إلى سردية وهم التغيير» - امال قرامى - بوابة الشروق
الثلاثاء 16 أبريل 2024 6:35 ص القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

من «سردية التميّز إلى سردية وهم التغيير»

نشر فى : الثلاثاء 25 نوفمبر 2014 - 8:20 ص | آخر تحديث : الثلاثاء 25 نوفمبر 2014 - 8:20 ص

ثمّة مسافة فاصلة بين التقارير الصادرة عن المراقبين الأجانب ذات الصبغة «الدبلوماسية»، التى أشادت بالأجواء التى دارت فيها الانتخابات التشريعية، والتقارير التى جاءت على لسان مقرّرى مختلف منظمات المجتمع المدنى، والتى ركّزت على النواقص. وهذا الاختلاف فى رؤية مسار الانتخابات وطريقة استقبال الأحداث التى واكبها المتتبعون والمحلّلون والمراقبون.. يطرح عددا من الإشكاليات: لم ترد القوى الغربية «إخراج» التجربة التونسية فى صورة الأنموذج حتى وإن اقتضى الأمر غضّ الطرف عن التجاوزات والخروقات التى تقيم الدليل على جدّة عهد التونسيين بالممارسات الديمقراطية؟ لم يحق التشهير بالانتهاكات فى البلدان الغربية، وينظر إلى هذه الممارسات على أنّها علامة على حسّ مواطنى مرتفع ونضج سياسى فى حين أنّ اضطلاع الجمعيات بدورها فى الرقابة والرصد والفضح فى بلدان <الربيع» يعدّ ردّ فعل مبالغا فيه؟ هل يعنى ذلك أنّ شعوب «الربيع العربى» لا يمكن أن ترفع السقف عاليا نظرا إلى الأمية المتفشية، وقلّة الوعى، ومتّى أصرّت فإنّ الديمقراطية المنجزة لن تكون إلاّ على قدر «مقاسها»؟ لم يسعَ المجتمع المدنى جاهدا إلى رصد الانتهاكات والتنديد بها فى كل المنابر الإعلامية؟ أهو «استعراض» لجهود منظمات وجمعيات وهيئات تريد أن تثبت يقظتها، وأن تتموقع فى المشهد الجديد؟ أم هو الإيمان بضرورة إنقاذ المسار، والدفع به نحو الطريق السوى هو الذى يحفز هذه الجمعيات فيجعلها لا تركن للراحة، ولا تملّ من رفع الصوت عاليا؟

•••

ومهما اختلفت الدوافع فإنّ نبرة الاستياء ما زالت تهيمن على ممثّلى مختلف مكونات المجتمع المدنى الذين راقبوا الانتخابات الرئاسية. لقد كانت التوقعات كبيرة: علّقت الآمال على عدد من المرشحين حتى يرتقوا بأدائهم، ويتلافوا الأخطاء التى ارتكبت فى الانتخابات التشريعية، ولكنّ منسوب العنف ارتفع، والمال السياسى تدفّق، والضغط مورس.. ولذلك حُقّ التنبيه إلى التجاوزات. وما دام الشعب قد استعاد صوته، واستمتع بحرّية التعبير فحرى بالسياسيين أن يراقبوا أنفسهم، وأن يخضعوا خطابهم السياسى للمراجعة، والتمحيص ليصحّحوا الأخطاء، ويتأمّلوا فى نتائج السلوك الذى انتهجوه أثناء حملاتهم: مرشّحون استغلّوا جهل شرائح من المجتمع بالثقافة السياسية والقانونية فراحوا يعدونهم بتغيير جوهرى فى السياسات، بل إنّ منهم من وعد بتغيير العاصمة من تونس إلى القيروان، ومرشّحون آثروا أن تكون التعبئة قائمة على المغالطات، ومرشّحون قادوا حملاتهم بالاعتماد على العنف، وصاغوا خطابا سياسيا يقوم على التشهير بالخصم، ومرشّحون يطلبون معاضدة رجال الدين، ومرشّح يستغل موارد الدولة للقيام بحملته، ويدعو «شعب النهضة» إلى التصويت له.. أمّا الأتباع والمناصرون على صفحات فيسبوك أو تويتر، وفى الشوارع والساحات فقد خاضوا عراكا تتفاوت حدّته من فترة زمنية إلى أخرى وفق نسق الأحداث أدواته فى ذلك فحش الكلام، وبراعة تشويه صورة الآخر، والتهديد بالتصفية، و«حدّث ولا حرج».

•••

وبالرغم من كلّ هذه المؤشرات التى توحى بتأزّم الوضع، واندلاع «موجة عنف» أخرى فإنّ الأصوات المشيدة بالتجربة الديمقراطية التونسية لا تنفكّ عن ترديد نفس السردية متجاهلة لوعة أهالى الشهداء والجرحى، غاضة الطرف عن مسئولية من فتح الأبواب حتى يتسلّل الفكر المتشدّد إلى البلاد فيحصد الأرواح، غير مدركة لمشاعر الإحباط التى تهيمن على الشباب، مقلّلة من شأن الدمار الذى تسبّب فيه من تطفّلوا على إدارة الشأن السياسى والاقتصادى.. وكأنّه لا مجال للمطالبة بأفضل ما تمّ الحصول عليه. وهكذا تتسّع الفجوة بين المراقبين والإعلاميين، والنخب السياسية المنساقين وراء تمجيد التجربة التونسية، وشرائح واسعة من التونسيين الذين آمنوا بأنّ المسار الثورى يتطلّب رؤية جديدة، وثقافة مغايرة، والقطع مع الممارسات القديمة، وإرساء قيم مختلفة، وعقلنة للمواقف.. وبين آمال منشودة وواقع متأزّم تتجاور السرديتان: سردية النجاح والاستثناء التونسى، وسردية فشل بناء تجربة فريدة تتطابق مع طموحات جيل آمن بأنّ الثورة تدفع باتجاه تكريس ثقافة التغيّر.

اكتشف الجيل الثورى أنّ المنزع التلفيقى متأصّل وازداد ترسخا.. فالجيل الذى هيمن على إدارة المرحلة يجبرنا على أن نتعايش مع المفسدين والانتهازيين والمستبدين والإرهابيين، لأنه يهاب التحولات العميقة ويرفض إحداث القطيعة مع تركة الماضى والسلف يظل يسوّق لوهم التغيير والحال أنّه ثابت ومتمسّك بمسلماته ومتناغم مع منظومته المغلقة.

التعليقات