داخل قاعة محكمة فى مدينة كينوشا بولاية ويسكونسن، وقف الشاب البالغ من العمر 18 عاما يرتجف بشكل واضح عندما سمع قرار هيئة المحلفين بتبرئته من جميع التهم الخمس الموجهة إليه بما فى ذلك تهمة القتل العمد.
كايل ريتنهاوس، الشاب البالغ 17 عاما، قتل رجلين وأصاب ثالثا خلال اضطرابات عنصرية فى ولاية ويسكونسن، اندلعت عقب مقتل جاكوب بليك، الرجل الأسود، بعدما أُطلق عليه النار سبع مرات على يد ضابط شرطة أبيض فى المدينة صيف عام 2020. وكان إطلاق النار هذا بمثابة الشعلة التى أطلقت شرارة الاحتجاجات العنيفة فى المقام الأول.
كانت القضية معقدة بشدة، وزاد من تعقيدها الاستقطاب السياسى حولها بين الجمهوريين الداعمين لريتنهاوس، والديمقراطيين المعادين له، على الرغم من أن ريتنهاوس شاب أبيض وكذلك كل ضحاياه كانوا من الرجال البيض.
وبعد مداولات قام بها 12 شخصا يمثلون هيئة المحلفين، واستمرت أربعة أيام، قبلت الهيئة تفسير ريتنهاوس ومحاميه أن القتل كان ببساطة دفاعا عن النفس وخوفا على حياته.
عقب بث الحكم فى بث حى يوم 19 نوفمبر الماضى على كل شبكات الأخبار الرئيسية فى الولايات المتحدة، عم الذهول الكثير من الدوائر الأمريكية، وكرر الكثير من المعلقين والمعلقات القول «إنه لو كان السيد ريتنهاوس رجلا أسود اللون، وحمل سلاحا بهذه الطريقة فى شوارع المدينة، لكان قد قتل رميا بالرصاص على الفور من رجال الشرطة الذين كانوا يتواجدون على بُعد أمتار قليلة منه فى الكثير من الأوقات».
اشتملت قضية ريتنهاوس على أبعاد عدة ومتداخلة سواء فيما يتعلق بمبدأ «الدفاع عن النفس» أو حول الحق الدستورى «فى حمل السلاح النارى» أو ما تشهده الولايات المتحدة من «حوادث عنصرية لا تتوقف»، وبين كل ما سبق «حالة استثنائية من الاستقطاب السياسى والإعلامى الحاد».
•••
اعتمدت تبرئة ريتنهاوس على مبدأ الحق فى الدفاع عن النفس فى ولاية ويسكونسن، مع الأخذ فى الاعتبار الحالة الذهنية له لحظة إطلاق النار الأول والذى حدث عندما حاول السيد جوزيف روزنباوم الاستيلاء على بندقية ريتنهاوس. تم الاعتماد على المبدأ ذاته فى تبرير إطلاقه النار مرة أخرى بعد دقائق بعدما واجه ريتنهاوس رجلين حاولا الفتك به، أحدهما كان مسلحا بمسدس.
واقتنع فريق المحلفين (مواطنون من الولاية يتم اختيارهم بصورة عشوائية للحكم على الحدث بمساعدة قانونية من القاضى ومساعديه) أن ريتنهاوس اعتقد أنه فى خطر وشيك على حياته خاصة مع الأخذ فى الاعتبار الفوضى وأعمال العنف التى شهدتها المدينة فى الساعات والأيام السابقة.
وقد تدفع نتيجة المحاكمة إعادة النظر الجاد فى قوانين الدفاع عن النفس فى جميع أنحاء الولايات المتحدة، وما إذا كانت تزن بما فيه الكفاية مجمل الظروف التى تنطوى على استخدام القوة المميتة، لا سيما فى مجتمع مسموح فيه حيازة الأسلحة النارية.
قبل هذه الحادثة، كان هناك توجه عام لتوسيع نطاق حق الدفاع عن النفس فى العديد من الولايات من خلال قوانين تعطى الأفراد حق استخدام القوة المميتة لحماية منازلهم وأنفسهم وعائلاتهم، بدلا من التراجع عن المواجهة. ودفعت نتائج محاكمة ريتنهاوس تأجيج النقاش حول ما إذا كانت تلك القوانين تذهب بعيدا جدا لحد التشجيع على القتل، أم أنها ليست بعيدة بما فيه الكفاية.
لم تتعامل قضية ريتنهاوس بصورة مباشرة مع قضية العنصرية فى الولايات المتحدة حيث الجانى والضحايا كلهم من الرجال البيض. ويقول المعلقون السود أن ريتنهاوس حصل على «امتياز الأبيض» الذى سمح له بالحرية أثناء المحاكمة وعدم حجزه خلال الأشهر الأخيرة. وأشار مارك ريتشاردز، محامى ريتنهاوس نفسه، إلى إطلاق النار على بليك (الرجل الأسود) بالقول «أطلق أشخاص آخرون فى هذا المجتمع النار على بليك سبع مرات وتبين أن الأمر على ما يرام، وموكلى فعل ذلك أربع مرات فى ثلاثة أرباع الثانية لحماية حياته».
من جانب آخر، جددت المحاكمة إلقاء الضوء مرة أخرى على القوانين التى تنظم حيازة الأسلحة واستخدامها فى الولايات المتحدةـ والتى تشهد تباينا كبيرا فى قوانين الولايات الخمسين من حيث تسهيلات شراء أنواع الأسلحة النارية المختلفة، والظروف التى تنطبق عليها القوانين.
واتهم بعض المعلقين القاضى بروس شرودر، بالتعاطف مع ريتنهاوس بسبب إقدامه على إسقاط إحدى التهم ــ وهى أن السيد ريتنهاوس انتهك قانون الولاية الذى يحظر على شخص دون سن 18 عاما حيازة سلاح خطير، وذلك لأن طول البندقية نصف الآلية التى استخدمها كان أقل بسنتيمتر من البنادق المحظورة على القُصر.
وقد استشهد نشطاء مراقبة الأسلحة النارية بهذه الحالة كمثال آخر على هذا النوع من الثغرات التى يمكن علاجها من خلال قوانين وطنية أكثر اتساقا بشأن الأسلحة النارية. وفى حين أن قانون ولاية ويسكونسن الذى يعود إلى 30 عاما يحتوى على حكم يسمح لمن تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاما بالذهاب للصيد، إلا أنهم يرون أن السلاح الذى كان يحمله السيد ريتنهاوس «خطيرا» بشكل واضح فى الظروف التى استخدمها.
ومن ناحية أخرى، احتفل نشطاء حقوق السلاح بحق ريتنهاوس فى امتلاك هذه الأسلحة واستخدامها للدفاع عن نفسه.
وكتب المرشح الجمهورى لمجلس الشيوخ عن ولاية أوهايو، جوش ماندل، فى تغريدة على تويتر «لولا الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 17 عاما الذين يحملون أسلحة، لكنا لا نزال رعايا بريطانيين».
لم يجادل أحد خلال جلسات المحكمة فى حقيقة أن ريتنهاوس قتل رجلين وجرح ثالثا، وبدلا من ذلك كان على هيئة المحلفين أن تبحث فى دوافعه للقتل، هل كان يتصرف دفاعا عن النفس أم أنه كان متهورا خطيرا تواجد مسلحا فى مدينة لا ينتمى إليها بالأساس.
•••
مجد الكثير من الأمريكيين ريتنهاوس، واعتبره البعض بطلا سيئ الحظ اضطر للقتل دفاعا عن النفس، فى حين رآه آخرون شابا متهورا يعشق العنف سلح نفسه ببندقية نصف آلية ما كان ينبغى أن تكون بحوزته، وانتهى به الأمر بإحداث ضرر جسيم لا يمكن إصلاحه.
ولفتت المحاكمة النظر لقضايا مجتمعية أمريكية عميقة؛ من الظلم العنصرى إلى حق امتلاك الأسلحة. ودفع ريتنهاوس بشكله الصبيانى وهو يبكى بنيل تعاطف الكثير. فى الوقت ذاته هناك حزن وغضب واسع مما قد تعنيه نتيجة هذه المحاكمة التى يتوقع البعض أن تصل بعض موادها للمحكمة الدستورية العليا.
فى النهاية، أُعتبر ريتنهاوس بريئا فى نظر القانون، لكن الحقيقة تظل قائمة وهى أنه لو لم يذهب إلى مدينة كينوشا لكان الشخصان اللذان قتلهما على قيد الحياة اليوم.