ملاحظتان حول كأس العالم.. عن كسر أنف الغرب - عمرو حمزاوي - بوابة الشروق
الجمعة 19 أبريل 2024 7:13 م القاهرة القاهرة 24°

احدث مقالات الكاتب

شارك برأيك

هل تؤيد دعوات مقاطعة بعض المطاعم التي ثبت دعمها لجنود الاحتلال؟

ملاحظتان حول كأس العالم.. عن كسر أنف الغرب

نشر فى : الجمعة 25 نوفمبر 2022 - 7:30 م | آخر تحديث : الجمعة 25 نوفمبر 2022 - 7:30 م
الملاحظة الأولى: قبل أن تنطلق الدورة الحالية لكأس العالم لكرة القدم، قطر ٢٠٢٢، كانت منصة «نتفليكس» قد أنتجت حلقات تسجيلية توثق لفضائح فساد الفيفا منذ ثمانينيات القرن العشرين وإلى اليوم وطرحتها للعرض تحت عنوان «إزاحة الغطاء عن الفيفا» (FIFA Uncovered). وعلى الرغم من أن فضائح الفيفا لم تكن بعيدة عن وسائل الإعلام خلال السنوات الماضية، إلا أن حلقات نتفليكس (والتى اختارت لها المنصة توقيتا ذكيا للغاية) وثقت بلقاءات مع مسئولين سابقين فى الفيفا ومحققين قضائيين ومسئولين سابقين فى اتحادات لكرة القدم فى بلدان مختلفة وصحفيين متخصصين لوقائع فساد محددة صاحبت تصويت الفيفا لصالح تنظيم جنوب أفريقيا لدورة كأس العالم فى ٢٠١٠ والتصويت لصالح تنظيم روسيا لدورة ٢٠١٨ وقطر للدورة الحالية.
استوقفتنى فى الحلقات عبارات جاءت على لسان محققين قضائيين أمريكيين تولوا ملف «فساد الفيفا» تقارن بين تحصل مسئولى الفيفا على رشاوى مالية وعينية وإخفائهم للتحويلات البنكية المرتبطة بذلك على مدار سنوات طويلة وبين طرق تهريب وغسيل الأموال التى تتبعها عصابات الجريمة المنظمة كالمافيا الإيطالية ومهربى المخدرات الأمريكيين الجنوبيين. استوقفتنى أيضا تعليقات بعض من وظفتهم الفيفا لبناء منظومة داخلية للشفافية والمحاسبة ومكافحة الفساد بعد أن انهارت سمعتها المالية والمهنية وكان تقييمهم بعد استقالتهم من مهامهم لأسباب متنوعة هو أن الفيفا غير راغبة فى القضاء على الفساد داخلها بل هى تعتاش عليه وأنها لم تأتِ بهم سوى لصناعة مشاهد (مؤتمرات وورش عمل ولقاءات عنوانها الشفافية فى كرة القدم) تخلق انطباعا زائفا بنزاهة المؤسسة. استوقفتنى، أخيرا، لقطات مسجلة بالصوت والصورة لوقائع تلقى بعض مسئولى الفيفا ومسئولى اتحادات لكرة القدم فى دول الكاريبى وأمريكا الوسطى وفى أفريقيا رشاوى مالية قدمت لهم فى حقائب سوداء أثناء اجتماعات علنية.
غير أن الغريب فى حلقات نتفليكس عن الفيفا هى أنها لم توثق سوى لوقائع فساد مرتبطة بتنظيم دول غير غربية لدورات كأس العالم لكرة القدم، وذلك على الرغم من حضور معلومات محددة عن فساد شاب حصول الغربيين على امتياز تنظيم الدورات على أراضيهم. على سبيل المثال، وقبل أن تنظم جنوب أفريقيا دورة ٢٠١٠، كانت ألمانيا قد نظمت دورة ٢٠٠٦ والتى لم يتوقف إلى اليوم الحديث فى الإعلام الألمانى عن الفساد الذى صاحب تصويت الفيفا لصالح «الملف الألمانى». بل إن الشخصية الكروية الأهم فى ألمانيا، شخصية اللاعب والمدرب فرانز بكينباور الذى عرف باسم القيصر وفاز بكأس العالم لاعبا (١٩٧٤) ومدربا (١٩٩٠) وكان المسئول الأول عن تنظيم دورة ٢٠٠٦، ألغيت من الحياة العامة فى ألمانيا وقوطع الرجل بعد أن ثبت عليه التورط فى تقديم رشاوى مالية وعينية لمسئولى الفيفا لكى يصوتوا لصالح بلاده. تورط «القيصر» فى الفساد وواجه تحقيقات قضائية واستقال من مناصبه الرياضية بعد أن أثبت عليه الأمر. إلا أن منصة نتفليكس لم تناقش فى حلقاتها غير رشوة الـ ١٠ ملايين دولار التى قدمتها جنوب أفريقيا لمسئولى اتحادات كرة القدم فى الكاريبى للحصول على تصويت ممثليهم، والمبالغ المالية التى قدمت من قطر لممثلى بعض الاتحادات الأفريقية. أما فساد «الألمان البيض» الموثق، ومن قبلهم قبل غيرهم، فلم يعالج على الإطلاق شأنه شأن وقائع فساد معروفة صاحبت حصول الولايات المتحدة الأمريكية على امتياز تنظيم دورة ١٩٩٤ وفرنسا دورة ١٩٩٨.
أليس فى مثل هذه المعالجة شبهة عنصرية وممارسة «البيض» للاستعلاء المعتاد؟ لا يلغى حدوث وقائع فساد فى الغرب من كارثية وقائع الفساد فى بلدان الجنوب العالمى ولا يقلل من ضرورة مواجهتها. غير أن تجاهل فساد الغربيين والتركيز على الفساد القادم من خارج الولايات المتحدة وأوروبا يترجم فيما خص كرة القدم رغبة الغرب الأبدية فى الاستعلاء وامتلاك الحق الحصرى فى رفع الصوت باسم قيم الشفافية والنزاهة وطهارة المؤسسات شأنها قيم التسامح والتنوع والحرية.
• • •
الملاحظة الثانية: سجلت منافسات الأيام الأولى لكأس العالم ٢٠٢٢ مفاجأتين من العيار الثقيل. فقد تغلب المنتخب السعودى على المنتخب الأرجنتينى وفاز المنتخب اليابانى على نظيره الألمانى، وفى الحالتين بذات النتيجة، هدفان مقابل هدف، وفى الحالتين بذات السيناريو، قلب التأخر بهدف إلى تقدم بهدفين.
شاهدت المباراتين وشعرت منذ الدقائق الأولى باستهتار لاعبى الفريقين الأرجنتينى والألمانى بالمنافس. الأرجنتينيون، وهم دائما ما يواجهون فى أمريكا اللاتينية الاتهام بممارستهم الاستعلاء والعجرفة إزاء الآخرين لكون أغلبيتهم من ذوى الأصول الأوروبية، استهانوا بالفريق السعودى وكان واضحا ثقتهم فى الفوز وحسم المباراة لصالحهم حينما يريدون. أما الفريق الألمانى، والمعروف عنه الجدية والصرامة وكون هاتين الميزتين يعوضان محدودية مهارة لاعبيه، فأدى مباراته أمام اليابان برعونة شديدة ظهرت فى إضاعة العديد من الفرص السهلة للتهديف وابتسامات وحركات اللاعبين المستخفة بالمنافس (أحد المدافعين الألمان وهو أنتونيو روديجر استعرض سرعته فى مواجهة مهاجم يابانى على نحو مهين لخصمه ومستخف به).
وحين قلب السعوديون واليابانيون الطاولة على «ذوى البشرة البيضاء ومن معهم» (اللاعبون من ذوى الأصول غير الأوروبية فى الفريقين الأرجنتينى والألمانى)، انقض هؤلاء يعترضون على حكام المباراتين ويحتجون على المنافسين بعصبية بالغة ولسان حالهم يقول كيف لمن هم أقل منا هزيمتنا. ولم تختلف مشاهد المباراتين فى ٢٠٢٢ عن مشاهد لمباريات سابقة هزمت بها فرق من الجنوب العالمى الغربيين وذوى الأصول البيضاء (من هزيمة الجزائر لألمانيا فى ١٩٨٢ وهزيمة السعودية لبلجيكا فى ١٩٩٤ إلى فوز كوريا الجنوبية على ألمانيا فى ٢٠١٨).
هى ذات الشبهة العنصرية التى لمحتها فى حلقات نتفليكس عن الفيفا، وهو نفس الاستعلاء الذى تجاهل به منتجو «إزاحة الغطاء عن الفيفا» معالجة وقائع فساد موثقة لاتحادات كرة القدم العربية واكتفوا بفساد جنوب أفريقيا وقطر. وهى ذات العنصرية وهو نفس الاستعلاء الموظفان من قبل الغرب لاحتكار الحديث عالميا باسم النزاهة والشفافية والخير والعقلانية والحرية بينما السياسة الغربية تخالف هذه القيم كل صباح ومساء وتتنصل من الالتزامات النابعة منها دون استحياء.
• • •
عشت فى الغرب الأوروبى والأمريكى سنوات طويلة، وما زلت أعمل هناك. غير أننى كلما طال بى المقام فى مجتمعات ذوى البشرة البيضاء، كلما اكتشفت تجذر الاستعلاء الممنهج بين ظهرانيهم ورغبتهم المريضة فى ادعاء التفوق الأخلاقى والقيمى والمعرفى على غيرهم والتدليل على ذلك إن بانتصارات عسكرية أو تفوق تكنولوجى أو نجاحات رياضية أو شفافية مفترضة أو أحاديث غير نزيهة عن الحقوق والحريات.
جيد أن يكسر استعلاء الغرب بين الحين والآخر.
عمرو حمزاوي أستاذ علوم سياسية، وباحث بجامعة ستانفورد. درس العلوم السياسية والدراسات التنموية في القاهرة، لاهاي، وبرلين، وحصل على درجة الدكتوراة في فلسفة العلوم السياسية من جامعة برلين في ألمانيا. بين عامي 2005 و2009 عمل كباحث أول لسياسات الشرق الأوسط في وقفية كارنيجي للسلام الدولي (واشنطن، الولايات المتحدة الأمريكية)، وشغل بين عامي 2009 و2010 منصب مدير الأبحاث في مركز الشرق الأوسط لوقفية كارنيجي ببيروت، لبنان. انضم إلى قسم السياسة العامة والإدارة في الجامعة الأميركية بالقاهرة في عام 2011 كأستاذ مساعد للسياسة العامة حيث ما زال يعمل إلى اليوم، كما أنه يعمل أيضا كأستاذ مساعد للعلوم السياسية في قسم العلوم السياسية، جامعة القاهرة. يكتب صحفيا وأكاديميا عن قضايا الديمقراطية في مصر والعالم العربي، ومن بينها ثنائيات الحرية-القمع ووضعية الحركات السياسية والمجتمع المدني وسياسات وتوجهات نظم الحكم.
التعليقات